وتابع: كما دل هذا الحديث على أن من حدث بحديث لم يكذب فيه لأجل إضحاك الناس، فإنه لا بأس به، من حدث بحديث لا كذب فيه، أو لم يكذب فيه، لأجل إضحاك الناس أنه لا بأس به، ومن ذلك ما يسميه بعض الناس بالنكتة، وقد فعل هذا عمر رضي الله عنه في القصة المشهورة في الصحيحين.
وروى أنه لما اجتمع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألنه النفقة فغضب وأقسم ألا يدخل عليهن شهرًا كاملًا، وشاع الخبر في المدينة أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق نساءه، ثم بعد مضي الشهر خير النبي صلى الله عليه وسلم نساءه فكلهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، والشاهد من هذه القصة أنه لما شاع الخبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم طلق نساءه، جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذن عليه،قال عمر: لأفعلن شيئًا أضحك به النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه كان غضبان، قال عمر: قلت يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة، يعني زوجته، سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها، يعني كسرت عنقها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، حدث به عمر النبي صلى الله عليه وسلم لأجل إضحاكه.
وأشار إلى أنه دل ذلك على أن هذا لا بأس به، إذا أتى الإنسان بحديث لأجل إضحاك الناس ويتلطف معهم وإيناسهم هذا لا بأس به، المهم أن يجتنب الكذب، لا يجوز أن يكذب لأجل أن يضحك الناس، أما إذا تكلم بكلام لا كذب فيه لأجل إضحاك الناس وإدخال السرور عليهم، فهذا لا بأس به قد فعله عمر للنبي صلى الله عليه وسلم.
وأكد أن المهم ألا تكون كذبًا، الكذب ما هو الكذب؟ الإخبار بخلاف الواقع، فإذا كانت مثلًا يعني ليست مفترضة ليست واقعة، مفترضة افتراضا، لو فعلت كذا لحصل كذا، مثل ما فعل عمر، قال عمر: لو أن بنت خارجة سألتني النفقة فوجأت عنقها، كل هذا افتراض، فهذا لا بأس به، لكن لا يخبر يقول فلان فعل كذا وهو كاذب لأجل إضحاك الناس. هذا هو الممنوع، فإذا كان على سبيل الكذب، هذا لا يجوز، أما إذا لم يكن فيه كذب، فكان مجرد افتراض أو كلام يعني سرد أو نحو ذلك، المهم أنه يخلو من الكذب، إذا خلا من الكذب فلا إشكال، ولو قصد إضحاك الناس.
ونبه عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إلى أن هناك الكثير من الأحاديث في سُنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- التي تدعو إلى الصدق، وتأمر به، مشيرًا إلىأنه ورد عن عبادة بن الصامت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ، وعليكم بالصدق فإن الصدق بر، والبر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا». [رواه البخاري ومسلم].