يعتبر علم الرياضيات هو أحد أقدم العلوم التي عرفتها الإنسانية، والمُرجح إنه الأقدم على الإطلاق، فكافة الحضارات القديمة عرفت علم الرياضيات واشتغلت به، ومع الوقت تطورت سبل الحياة البدائية وتطور معها ذلك العلم، الذي يُعِده العلماء أبو العلوم الإنسانية جمعاء وأهمها ويلقبونه بذلك،
حيث
يعتبر أهم العوامل التي تم بمجوبها اعتبار علم الرياضيات من أهم العلوم، ودفعت
العلماء لتلقيبه بـ(أبو العلوم الإنسانية) عديدة، ومن بين تلك العوامل ما يلي :
فهو من
أول العوامل التي كفلت لـ علم الرياضيات الأهمية وأكسبته تميزه، هو إن مصطلح
“رياضيات” لا يقصد به علمًا مفردًا، بل هو مصطلح يقصد به مجموعة متعددة من العلوم
تختلف في خصائصها واستخداماتها وتتشارك معًا في قاعدة واحدة، ومن تلك العلوم التي
يتشكل منها علم الرياضيات: علم الحساب وهو أبسط فروع الرياضيات وأكثرها استخدامًا،
وكذلك علم الهندسة والذي يستعان به في العديد من المجالات خاصة الإنشائية منها،
وعلم الجبر الذي يعود الفضل في ابتكاره إلى علماء المسلمين، وعلم حساب المثلثات
الذي له استخدامات عِدة، منها الاعتماد عليه في تقدير المسافات وقياسها.
واتصاله
بالعديد من التطبيقات والتي تستغل في مجالات مختلفة وعلى نطاق واسع، ومن بينها على
سبيل المثال حساب المثلثات، والذي يعتبر عمود فقري للمشروعات الهندسية العملاقة،
حيث بتطبيق ذلك العلم يمكن قياس المسافات بعيدة المدى الغير منتظمة الشكل.
كذلك من
أهم تطبيقات علم الرياضيات والتي يمكن اعتبارها فرعًا مستقلًا بذاته من فروعه، هو
تطبيق الإحصاء والذي يستخدم بأشكال عديدة وبمجالات مختلفة ومتنوعة، فبداية إدارة
الدول لا تتم إلا من خلال ذلك التطبيق، فالأمور الاقتصادية مثل معدلات التضخم
ومعدلات النمو وحجم الصادرات والواردات، جميعها أمور لا يتم الوقوف على حقيقتها
إلا من خلال تطبيق الإحصاء، الأمر نفسه ينطبق على معدل النمو السكاني وتعداد المدن
ورصد كثافتها، وكما إن تطبيق الإحصاء يستخدم في أعمال دراسة الجدوى، والتي هي
الخطوة التمهيدية الأهم التي تسبق أي مشروع خاص أو عام، وبصفة عامة يمكننا القول
بإن كافة المجالات تستخدم الإحصاء بشكل أو بآخر، إذ هو المسئول عن التوصل إلى
قيمتي المتوسط الحسابي والنسبة المئوية، وهما القيمتين الرياضيتين اللتين يعتمد
عليها أي تعامل مالي.
أقرأ أيضا :الخشت يكرم اتحاد طلاب جامعة القاهرة السابق بالكامل
و حتى
الجهلاء أو الأميون ممن لم يكن لهم نصيب من التعليم، يجيدون علم الرياضيات بقدر ما
يمكنهم من التعايش داخل المجتمعات الحضارية، وذلك لأن الرياضيات هي العلم الوحيد
الذي يستعمله جميع البشر بصورة يومية، كونه جزء غير قابل للتجزأة من النشاط
الإنساني، فمعرفة الأحجام والقياسات والأوقات والأعداد والأوزان والأسعار كلها
أمور خاضعة لـ علم الرياضيات ،أو بمعنى أدق خاضعة للصورة الأبسط منه وهي علم
الحساب، بل وإن الحساب يستخدم حتى في الأحاديث العابرة للإشارة إلى الأشياء
المعنوية والمادية كمًا وحجمًا، وهو العامل الأهم الذي تقوم عليه المعاملات
المادية والتجارية من تبادل وبيع وشراء وغيرها.
ويشار الي أن من أهم
العوامل التي أكسبت علم الرياضيات هذه الدرجة من الأهمية، والسبب الرئيسي في
تلقيبه بـ(أبو العلوم الإنسانية)، هو إن العديد من العلوم الأخرى تربطها
بالرياضيات علاقة وثيقة وتعتمد عليها اعتماد كامل، حتى إنه لا تصح دراستها أو
العمل بها إلا بإجادة علم الرياضيات إجادة تامة، ومن ذلك على سبيل المثال علم
الكيمياء فهو يعتمد بشكل كامل على الرياضيات، فبدونها لا تصح المعادلات الكيميائية
ولا يمكن تحديد الأوزان الذرية وما إلى ذلك، والأمر نفسه ينطبق على علم الفيزياء
الذي يعتمد هو الآخر على إجراء المعادلات الحسابية، بل إن أهم مقومات هذا العلم
يسمى “التمثيل الرياضي”، ويقصد به تحول الظواهر الطبيعية إلى معادلات رقمية مبسطة،
وحتى العلوم النظرية مثل التاريخ والجغرافيا تتطلب دراستها إجراء العمليات
الحسابية، مما يمكن معه القول بإن علم الرياضيات هو العلم الوحيد المستقل بذاته،
بينما كافة المجالات العلمية الأخرى تعتمد عليه بصور مختلفة ونسب متفاوتة.