الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حكم صيد السلاحف البحرية وهل يجوز أكلها؟.. دار الإفتاء ترد

السلحفاة البحرية
السلحفاة البحرية

حكم صيد السلاحف البحرية، عن هذه المسألة قالت دار الإفتاء المصرية، إنه قد اختلف الفقهاء في حكم كون السلحفاة البحرية مأكولة اللحم أم لا، وهذا الخلاف محله إذا لم تكن مهددة بالانقراض ولم تَفْنَ سلالتُها، أما إذا أدى صيدها إلى إفناء سلالتها فإنه يتجه حينئذ القول بتحريم صيدها؛ لما يترتب عليه من اختلال التوازن البيئي الذي أمر الإنسان بالحفاظ عليه كمكوِّن من مكونات إعمار الأرض، الذي هو مقصد من مقاصد الخلق.

حكم صيد السلاحف البحرية

 

وأضافت دار الإفتاء، أن ما يفعله بعض الناس من تعذيب السلحفاة بقلبها على ظهرها حتى تصاب بالشلل التام، ثم تعليقها وقطع جزء من ذيلها وهي حيَّة، وتصفية كل ما بها من دماء، ثم ذبحها بعد ذلك، مستندين على القول بحل أكلها والانتفاع بها؛ فهو تصرف محرم شرعًا ومن كبائر الذنوب؛ لتنافيه مع الرحمة التي تجب مع جميع المخلوقات.

وذكرت أنه قد اهتم الإسلام بالبيئة اهتماما كبيرًا؛ ووضع من التشريعات والقواعد ما يضمن سلامتها وتوازنها واستقرارها والحفاظ على جميع مكوناتها من ماء وهواء ونبات وحيوان وجماد، 
فأمر بعمارة الأرض وإصلاحها، ونهى عن الإفساد فيها؛ قال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61]، وإعمارُها إنما يكون بالحفاظ على ما فيها من مخلوقات حيوانية ونباتية، وتجنب كل ما يؤدي إلى إفسادها أو الإخلال بمكوناتها، قال تعالى: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة: 60].


وأوضحت، أن السلحفاة البحرية مكون من مكونات البيئة البحرية، ويطلق عليها في اللغة: "اللَّجَأَة"، و"التِرْسَة"، ويقال لذكَرها: "الغَيْلَم"، وهي حيوان زاحف كبير الحجم، من رتبة السلاحف، وتتغذى معظم أنواعها بالحيوانات والنباتات، ولها فَكَّان قويان حادان عديما الأسنان، وجسمها مغلف بصدفة تتركب من صفائح عظمية مندغمة من الضلوع والفقرات، وتغطيها من الخارج تروس قرنية.

 

هل يجوز أكل السلحفاة البحرية؟


وقد اختلف الفقهاء في حكم كون السلحفاة البحرية مأكولة اللحم أم لا:
فذهب الحنفية أنه لا يؤكل مما يخرج من البحر سوى السمك، وكرهوا أكل السلحفاة البحرية؛ قال القاضي أبو يوسف في كتابه "اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى" (ص: 137، ط. لجنة إحياء المعارف النعمانية): [وإذا أصاب الرجل من صيد البحر شيئًا سوى السمك، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: "لا خير في شيء من صيد البحر سوى السمك"، وبه نأخذ] اهـ.


وذهب الشافعية إلى التفرقة في أكل حيوان البحر بين ما لا حياة له إذا خرج من الماء كالسمك بأنواعه، وأكله حلال مطلقًا بلا خلاف، وما له حياة خارج المياه، واختلفوا في حل أكله إلى ثلاثة أقوال:

أولها: أن جميعه حلال؛ لعموم قوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ﴾ [المائدة: 96].
والثاني: أنه يحرم أكله.
والثالث: التفرقة بين يؤكل نظيره من حيوان البر: فحلال، وما لا يؤكل نظيره من حيوان البر: فيحرم.
 

وأما ما ليس على صورة السموك المشهورة، ففيه ثلاثة أوجه مشهورة: ذكرها المصنف في "التنبيه"، وقال القاضي أبو الطيب وغيره: فيه ثلاثة أقوال:
(أصحها) عند الأصحاب: يحل الجميع، وهو المنصوص للشافعي في "الأم" و"مختصر المزني" واختلاف العراقيين؛ لأن الصحيح أن اسم السمك يقع على جميعها وقد قال الله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ﴾ [المائدة: 96]، قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: صيده ما صيد وطعامه ما قذف؛ ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح: «هو الطهور ماؤه، الحل ميتته».
(والوجه الثاني) يحرم، وهو مذهب أبي حنيفة.
(الثالث) ما يؤكل نظيره في البر كالبقر والشاة وغيرهما: فحلال، وما لا يؤكل كخنزير الماء وكلبه فحرام؛ فعلى هذا ما لا نظير له حلال] اهـ.
ومن ذلك اختلفوا في حل أكل السلحفاة البحرية، والأصح عندهم القول بالحرمة.


بينما ذهب المالكية إلى جواز أكل السلحفاة البحرية "التِرسة" ولو لم تذبح؛ لأنها من صيد البحر وهو حلال كله، واشترطوا في سلحفاة البر التذكية بالذبح:
واشترط الحنابلة ذبح السلحفاة حتى يحل أكلها:
وعلى ذلك: فالحنفية والشافعية على حرمة أكل السلحفاة البحرية، وأجازها المالكية بذبح وبغير ذبح، واشترط الحنابلة ذبحها لحل أكلها.


وهذا الخلاف محله ما لم تكن مهددة بالانقراض ولم تفن سلالتُها، أما إذا آل أمر صيدها إلى إفناء سلالتها فإنه يتجه حينئذ القول بتحريم صيدها؛ لما في صيدها من تهديد انقراضها وما يترتب على ذلك من اختلال التوازن البيئي الذي أمر الإنسان بالحفاظ عليه كمكوِّن من مكونات إعمار الأرض، الذي هو مقصد من مقاصد الخلق؛ قال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61].


وقد عدَّ الشرع الشريف إفناء السلالات من الإفساد في الأرض؛ فقال تعالى: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: 205].

 

التهديد بانقراض السلحفاة البحرية


ومن القواعد الفقهية المقررة شرعًا أنه يمنع الخاص من بعض منافعه إذا ترتب عليه ضرر عام، فالمصالح الشخصية موقوفة إذا ما تعارضت مع المصالح العامة، والمصلحة العامة هنا تقتضي منع صيد السلحفاة؛ لما يترتب على صيدها من إفناء سلالتها، والإضرار بالبيئة المائية بفقد أحد مكوناتها.
 

كما أنه قد تقرر في قواعد الشرع أنَّ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولا يخفى أن درء مفسدة إفناء سلالة كاملة من السلاحف البحرية بصيدها، مقدم على مصلحة بعض الأفراد في الانتفاع بها بالأكل أو غيره.


كما أنه قد تقرر في قواعد الفقه أن "حكم الحاكم يرفع الخلاف" وذلك بما خول له من سلطة تمكنه من الوقوف على مصالح الأمور ومفاسدها، ولذا فقد أباح الشرع للحاكم حق تقييد المباح للمصلحة؛ كما هو الحال في "الحمى" التي يمنع الإمام فيها العامَّةَ من الانتفاع بموضع معين للمصلحة العامة، وقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59].


وقد نص القانون المصري في المادة رقم (28) لسنة 1994م، على أنه: [يحظر بأية طريقة القيام بأي من الأعمال الآتية:.. رابعًا: الاتجار في جميع الكائنات الحيَّة الحيوانية أو النباتية المهددة بالانقراض].

 

إيذاء السلحفاة البحرية


وأما ما يفعله بعض الناس من تعذيب السلحفاة بقلبها على ظهرها حتى تصاب بالشلل التام، ثم تعليقها وقطع جزء من ذيلها وهي حيَّة، وتصفية كل ما بها من دماء، ثم ذبحها بعد ذلك، مستندين على القول بحل أكلها والانتفاع بها، فهو تصرف محرم شرعًا، ولا تكون بذلك مُذَكّاةً تذكية شرعية؛ فإن تصفية دمها بقطع ذيلها يؤدي إلى موتها، فتكون حينئذ ميتةً محرمةً عند مَن يشترط مِن الفقهاء لحلِّ أكلِها ذكاتَها، وهم الحنابلة، وهي حرام أيضًا على مذهب الحنفية والشافعية الذين لا يبيحون أكلها أصلًا، بل هذا التصرف السيء هو من كبائر الذنوب حتى على قول مَن يبيح مِن الفقهاء أكلَها بلا تذكية وهم المالكية؛ فإن حل أكل الحيوان لا يُحِلُّ بحالٍ من الأحوال تعذيبَه وإيلامَه، وقد أمر الشرع بالرحمة مع جميع ما على الأرض من مخلوقات، وجعل تعذيب الحيوان من أسباب التعذيب في النار؛ فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» أخرجه أبو داود والترمذي في "السنن".

 

الحيوان في الإسلام


ولعظم شأن الرحمة بالحيوان أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن امرأةً دخلت النار في هرة لم تُطْعِمْها حتى ماتت. وأن رجلًا غفر الله له في كلب سقاه؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ» متفق عليه.


وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، اشْتَدَّ عَلَيْهِ العَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا، فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الكَلْبَ مِنَ العَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ بِي، فَنَزَلَ البِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي البَهَائِمِ أَجْرًا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» متفق عليه.
 

فالإسلام عندما أحل للإنسان أكل الحيوان فقد حثه على الإحسان في طريقة قتله، وحذَّر من تعذيبه، وراعى الرفق والشفقة والرحمة في كل الوسائل المشروعة لإزهاق روحه؛ صيدًا كان ذلك، أو ذبحًا، أو نحرًا، أو عقرًا: فعن شداد بن أوس رضي الله عنه، قال: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، قَالَ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» رواه الإمام مسلم في "صحيحه".


كما أن حل أكل لحم السلحفاة -على ما ذهب إليه بعض الفقهاء- لا يحل شرب دمها؛ لقوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ﴾ [المائدة: 3]، ولم يستثن الشرع من الدماء إلا دمين فقط وهما: "الكبد والطحال"، وهما دمان جامدان لا سائلان؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ، وَدَمَانِ. فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ: فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند"، وابن ماجه، والدارقطني، والبيهقي في "السنن".
 

وعليه: فإن الحفاظ على مكونات البيئة مطلب شرعي، دعا إليه الشرع الشريف وحث عليه، كما أن المصالح العامة مقدمة على المصالح الخاصة، والخوف من انقراض السلحفاة البحرية مبرر شرعي صحيح لتحريم صيدها والانتفاع بها، وهو ما نص عليه القانون المصري.


وبناءً على ذلك في واقعة السؤال: فإنه لا يجوز شرعًا صيد السلحفاة البحرية ولا الاستيلاء عليها إذا وجدت خارج المياه للانتفاع بها في الأكل أو غيره، وإذا كان صيدها وأكلها حرامًا فإن تعذيبها وإيلامها بقطع ذيلها وتصفية دمها أشد حرمة وأعظم جرمًا، بل هو من كبائر الذنوب؛ لتنافيه مع الرحمة التي تجب مع جميع المخلوقات.