الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

من يحكم لبنان؟..صراع حزبي طائفي داخل مجلس النواب حول منصب الرئيس..القصة كاملة

البرلمان اللبناني
البرلمان اللبناني

أظهرت أزمة اختيار رئيس الجمهورية بلبنان خلفا للرئيس المنتهية ولايته ميشال عون، حجم التناحر الذي وصلت إليه الأحزاب داخل لبنان، وذلك رغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تشهدها البلاد، وهنا يصبح الحديث لدى كافة المتابعين، عن مصير لبنان في ظل تلك الأوضاع، والتساؤل عن نتيجة استمرار تلك الحالة على الأوضاع السياسية والتشريعية والاقتصادية وما هي سيناريوهات الحل.

ولمعرفة تفاصيل الأزمة وأبعادها، يجب أن نفهم في البداية أن مجلس النواب هو الجهة المنوط بها اختيار رئيس الجمهورية وفقا للدستور اللبناني، وهنا نعرض للقارئ في البداية تركيبة ذلك البرلمان، وكتل الاحزاب به، وتفاصيل الأزمة، وفرص الخروج منها.

 

تركيبة مفتتة داخل البرلمان 

 

يبلغ عدد أعضاء مجلس النواب اللبناني حاليا 128 عضواً وتتم إعادة انتخابهم كل أربع سنوات ويضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، فلابد من توزيع المقاعد النيابية وفقاً لعدة قواعد، منها أن يكون المجلس بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين، مع تمثيل محدد نسبيا بين طوائف كل من الفئتين، وكذلك نسبيا بين المناطق.

ووفقا لذلك يكون تقسيم المقاعد حسب الطوائف بأن يكون للمسيحيين 64 مقعدا موزعة على 7 طوائف، وهى الموارنة(34 مقعدا)، وروم أرثوذكس(14 مقعدا)، وروم كاثوليك (8 مقاعد)، وأرمن أرثوذكس(5 مقاعد)، وأرمن كاثوليك (مقعد واحد)، والإنجيليون(مقعد واحد)، وأقليات مسيحية أخرى(مقعد واحد)، بينما يكون للمسلمين 64 مقعدا تقسم طائفيا أيضا بحيث يكون للسُنة (27 مقعدا)، وللشيعة(27 مقعدا)، وللدروز(8 مقاعد)، وللعلويين(مقعدان).

والتركيبة الطائفية للمجلس يزيد من عمقها غياب حقيقي للأحزاب العلمانية أو العابرة للطوائف، والتي ليست في صدر المسرح السياسي اللبناني، بل وزادت الأمور سوءا في الانتخابات الأخيرة، وتفتتت الكتل النيابية التاريخية والتي كانت تسهل عمليات التفاوض السياسي وإن كانت كتلا طائفية.

والصراع الحزبي داخل كل طائفة هو المسئول عن الواقع اللبناني الحالي، ونتائج الانتخابات النيابية الاخيرة أفرزت واقعاً جديداً تلزم فيه التكتلات النيابية الكبيرة على عقد تحالفات مع شخصيات مستقلة وقوى تغييرية لتتمكن من تمرير أي قانون، أو أي من الاستحقاقات الأخرى، كانتخاب رئيس للجمهورية أو تأليف حكومة حيث فقدت معظم الأحزاب الكبيرة القدرة السابقة على اتخاذ القرارات، وهو الأمر الذي أثبت الواقع صعوبة حدوثه دون ضغوطات كبرى تجبر تلك التكتلات على تقديم تنازلات سياسية لإحداث توافق.

وأفضت نتائج الانتخابات إلى خريطة جديدة في البرلمان، تتضمن خمسة تكتلات نيابية يُصطلح على تسميتها «بلوكات»، تمتلك نحو ثمانين نائباً من دون الحلفاء، وهي تكتل «التيار الوطني الحر» الذي أوصل 18 نائباً من دون الحلفاء، و«القوات اللبنانية» التي أوصلت 20 نائباً من دون الحلفاء، و«حزب الله» الذي أوصل 13 نائباً إضافة إلى 3 شخصيات حليفة (أي سنيين ومستقل) على قائمته، وحركة أمل التي أوصلت 15 نائباً، و«الحزب التقدمي الاشتراكي» الذي أوصل 9 نواب إلى الندوة البرلمانية.

 

جلسات شكلية بحتة 

وكانت بداية الاختبار الحقيقي لهذا المجلس مع مسألة انتخاب الرئيس في الجلسات التي سبقت موعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي، وكان أهمها جلسة 29 سبتمبر، وما تبعها من جلسات أخرى، وللمرة الثانية على التوالي فشل البرلمان اللبناني في المهمة، وهو ما يثير مخاوف فراغ في سدة الرئاسة. 

ووصف المراقبون الجلسات بأنها "ممارسة انتخابية شكلية بحتة"، وفي كل مرة يقوم رئيس مجلس النواب نبيه بري بختم الجلسة لأن برلمانيين انسحبوا من المجلس وتسببوا فيما يعرف بـ"عدم اكتمال النصاب"، وكان ذلك في جميع الجلسات التالية بنفس الطريقة.

وفي آخر محاولات اختيار الرئيس  تقدم للاقتراع 50 نائبا بورقة بيضاء، فيما أحرز النائب ميشال معوض المدعوم من القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع وكتل أخرى بينها كتلة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، 39 صوتا، فيما أدلى عشرة نواب من المستقلين بأصواتهم لصالح الأستاذ الجامعي عصام خليفة، في حين تعارض كتل رئيسية بينها حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز، معوض وتصفه بأنه مرشح "تحد".

 

فشل محاولات التوافق 

وبعيدا عن المسار الدستوري، وإجراءات الانتخابات داخل مجلس النواب، كان هناك مسار مواز من مبادرات لحلحلة الأزمة، فوفقا لمصادر لبنانية نقلها عدد من الصحف الإقليمية واللبنانية، فإن هناك عدة محاولات للوصول إلى التوافق، وكان أبرزها محاولات رئيس مجلس النواب نبيه بري، والذي دعا عدة مرات لجلسات، ولكن في كل مرة يتم إفشال مبادرته الحوارية الأخيرة، خصوصا بعد إجهاض محاولتين له في هذا المجال على يد القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر.

وأضافت المصادر أن رئيس المجلس ليس حاليا بصدد طرح أي مبادرة جديدة، لكنه سيستمر في العمل بالمسار الدستوري المتعلق بالدعوة لجلسات انتخاب رئيس الجمهورية مطلع العام الجديد، وتوقعت أن يدعو الى جلسة جديدة لانتخاب الرئيس في الاسبوع الثاني من العام الجديد بعد اعياد الميلاد ورأس السنة للطوائف التي تعتمد التقويمين الغربي والشرقي. 

 

البرلمان معطل عن التشريع من الآن لحين انتخاب الرئيس 

ولا يظن البعض أن الأزمة من السهل أن تستمر لفترة كبيرة، وذلك كما حدث من قبل في 2014، وذلك عندما عانى لبنان لمدة 29 شهرا من فراغ مؤسسي بعد عهدة الرئيس ميشال سليمان في 25 مايو 2014، فهناك آثار أخرى تترتب على عدم انتخاب الرئيس، وهو حالة الشلل التشريعي الذي سيصيب لبنان طالما استمر غياب الرئيس، وهو أمر لا تتحمله الأوضاع السياسية والاقتصادية في لبنان بالوقت الحالي.

فوفقا للدستور اللبناني، فإنه إذا لم يتم إجراء الانتخابات لاختيار الرئيس خلال الأيام العشرة الأخيرة من ولاية الرئيس الحالي، تلغى صلاحية البرلمان في التشريع لأنه ملزم بعقد الجلسات الرئاسية فقط، وهذا ما يفسر الدعوات المتكررة لجلسات برلمانية رغم توقع إفشالها كما حدث في الجلسات السابقة.

ويظهر كارثية هذا الوضع، في ظل وجود حكومة مؤقتة لا تمتلك جناحا تشريعيا، مع غياب رئيس شرعي، في ظل ما يواجهه لبنان وهو أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، فوفق البنك العالمي فهي إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم منذ العام 1850، واللبنانيون يدركون أن عملية الانتخابات الرئاسية يمكن أن تدوم طويلا، بل وقد تستغرق وقتا طويلا جدا، نظرا لعدم تمكن مختلف الأطراف السياسية من إيجاد توافق وبسبب الانسداد السياسي الدائم. 

 

فرصة إقليمية لحل الأزمة بمؤتمر بغداد 2 المنعقد بالأردن

 

مؤتمر بغداد بنسخته الثانية الذي يجمع دول الجوار بهدف مساعدة العراق، قام بإعداده الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مع العاهل الأردني الملك عبدالله والذي سيحضره قادة الدول المجاورة للعراق وقوى المنطقة الفاعلة والمعنية أيضاً بالملف اللبناني لا سيما مصر والسعودية. 

وهنا يجب أن نشير إلى أن هناك اتصالات سعودية فرنسية حول الملف اللبناني، بالتوازي مع تحركات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي كان التقى الرئيس نجيب ميقاتي مؤخرا في الرياض على هامش مشاركة الأخير في القمة الصينية-العربية التي استضافتها المملكة، وتلك الصورة يراها المراقبون تحضيرات قد تنجز اتفاقا ما بخصوص لبنان من داخل الأردن ومؤتمره.

 

هؤلاء أبرز المرشحين للمنصب 

 

ووفقا لما شهدته جلسات مجلس النواب السابقة، وخريطة المشهد السياسي بلبنان، هناك بعض الأسماء مرشحون للرئاسة طرحوا أنفسهم بقوة على الساحة اللبنانية، وتم تداول أسمائهم بقوة، ومن أبرز تلك الأسماء: 

ميشال معوض: نائب منذ 2018 عن قضاء زغرتا، وهو نجل رئيس الجمهورية السابق رينيه معوض الذي اغتيل في 22 نوفمبر 1989، بعد 17 يوماً من انتخابه، ووالدته الوزيرة والنائبة السابقة نايلة معوّض، ونال معوض في جلسات الانتخاب التي عُقدت حتى الآن تأييد كتل رئيسية بينها القوات اللبنانية، أحد أبرز الأحزاب المسيحية بقيادة سمير جعجع، والحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة الزعيم وليد جنبلاط، وحزب الكتائب المسيحي المعارض، إضافة إلى نواب مستقلين وكتل صغيرة، فيما يصفه حزب الله بمرشّح "التحدي"، في إشارة على الأرجح إلى كونه مقرباً من واشنطن ومن المطالبين بنزع سلاح الحزب.

سليمان فرنجية: نائب سابق شغل مناصب وزارية، ينحدر من مدينة زغرتا ذات الغالبية المسيحية المارونية في شمال لبنان، ومن عائلة سياسية معروفة، فجده لوالده الذي يحمل اسمه كان من أبرز الزعامات المسيحية وانتخب رئيساً بين 1970 و1976، الفترة التي شهدت اندلاع الحرب الأهلية في أبريل 1975، ولم يعلن فرنجية (57 عاماً) ترشّحه بشكل رسمي، لكنه يكرّر في مقابلات صحافية استعداده لتولي المسؤولية. 

جوزيف عون: لم يعلن عون (58 عاماً) الذي يتولى قيادة الجيش منذ 2017 ترشحه للرئاسة، إذ لا يتيح له منصبه الإدلاء بمواقف سياسية، عدا عن أن انتخابه يتطلب تعديلاً دستورياً، كونه من موظفي الفئة الأولى الذين لا يمكن انتخابهم إلا بعد عامين من استقالتهم أو تقاعدهم، وتجمعه علاقات جيدة مع مختلف الأطراف السياسية، لكن قوى رئيسية عدة تعارض أن تكون قيادة الجيش ممراً إلى سدّة الرئاسة.

جبران باسيل: لم يعلن باسيل (52 عاماً)، أبرز المقربين من ميشال عون الذي يعتبره بمثابة وريثه السياسي، ترشحه، لكنه أكد رفض وصول أي رئيس لا يحظى بحيثية شعبية ونيابية، ويعتبر رئيس التيار الوطني الحر أن حزبه لا يزال يمثل أوسع شريحة شعبية مسيحية في البلاد.

آخرون : أعلنت شخصيات عدة ترشحها، وبعضها غير معروف على نطاق واسع، بينما تطرح أسماء بين الحين والآخر من خارج الشخصيات التقليدية، ومنها ترايسي شمعون ابنة داني شمعون، النجل الأصغر لرئيس الجمهورية الأسبق كميل شمعون (1952-1958) الذي اغتيل مع عائلته داخل منزلهم عام 1990. شغلت منصب سفيرة في الأردن في 2017، ثمّ قدّمت استقالتها في أغسطس 2020 بعد انفجار مرفأ بيروت، مي الريحاني: أكاديمية أمضت غالبية حياتها خارج لبنان، ونشطت في تعليم الفتيات والدفاع عن حقوق النساء. وهي ابنة شقيق الأديب والمفكر اللبناني الراحل أمين الريحاني.

وهناك ناصيف حتي تولى وزارة الخارجية بين يناير وأغسطس 2020، قبل أن يستقيل احتجاجاً على أداء الحكومة في إدارة الانهيار الاقتصادي، وهناك عصام خليفة، وهو مؤرخ وناشط ومحلل سياسي، حصل على عشرة أصوات في إحدى جلسات البرلمان الانتخابية.