الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

"التنين" قوة دوائية عظمى| الصين تتحكم في إمدادات الاتحاد الأوروبي من العقاقير.. فهل تستطيع الاستمرار؟

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

المتابع للصحف الغربية، يلحظ أن هناك تركيزا شديدا في رصد مدى تأثير التنين الصيني في القطاعات المختلفة داخل الدول الغربية، وبالأخص داخل دول الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية، وكان أحدث تلك التحليلات، هو تأثير الصين في صناعة الأدوية الأوروبية، وكيف يمكن للصين أن تتحكم في تلك الصناعة، وامتلاك القدرة على إحداث شلل كبير في الكثير من صناعات الأدوية، وذلك نتيجة اعتماد الكثير من مصانع أوروبا على المواد الطبية والصناعية الصينية. 

وبالتأكيد كانت تلك الموجة نتيجة طبيعية لما حدث ويحدث بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، والصعوبات التي تعاني منها دول أوروبا وأمريكا في محاولة التخلص من المنتجات والخامات الروسية.

وفي إطار تلك التخوفات، حذر مصنعو الأدوية في القارة الأوروبية من أن الصراع بين الصين وتايوان قد يكون له تأثير كارثي على إمدادات الصين من الأدوية الحيوية إلى أوروبا. 

الصين تملك صناعة وضعا مأساويا بأوروبا 

ووفقا لتقرير نشرته صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية، قالت روبرتا بيتزوكارو، رئيسة أولون، وهي شركة مقرها ميلانو تصنع حوالي 300 من المكونات الصيدلانية المختلفة التي تدخل في الأدوية الجاهزة، فإن "الصين تمتلك القدرة على إحداث خلل كبير في صناعة الأدوية بأوروبا، وقد تتسبب أزمة في تايوان في نقص تام في بعض الأدوية، إذا ما أرادت بكين ذلك، وحينها سيكون وضعا مأساويا".

وتأتي التحذيرات من شركات الأدوية، في ظل تصاعدت التوترات في السنوات الأخيرة بشأن وضع تايوان، حيث تتمتع الدولة الجزيرة بالحكم الذاتي، لكن الصين تعتبرها جزءًا من أراضيها وتجري تدريبات عسكرية كبيرة في المنطقة، مع وعد الولايات المتحدة بالدفاع عن الجزيرة في حالة حدوث غزو.

مضيق تايوان رئة الأدوية 

وترصد الصحيفة الأمريكية، التساؤل الدائم داخل أروقة صناعة القرار بأوروبا، وهو إلى أي مدى يمكن أن تتورط أوروبا في أي صراع، فهو سؤال مفتوح، ولذلك فإن سلاسل التوريد في القارة من غير المرجح أن تظل سليمة، وهنا يعد مضيق تايوان البالغ عرضه 180 كيلومترًا والذي يفصل بين البلدين أحد أكثر ممرات الشحن ازدحامًا في العالم وطريقًا لنقل الأدوية والمكونات الصيدلانية، ولذلك الخلاف الصيني الغربي حول ملف تايوان يعد التسائل والتخوفات الحالية مشروعة.

ويقول جيان باولو نيجريسولي، الرئيس التنفيذي لشركة “فلاما جروب” المصنعة للأدوية: "إذا هاجمت الصين تايوان، وفرضنا عليها العقوبات مثلما فعلنا مع روسيا، فإن سوق الأدوية سينقلب رأسًا على عقب، والجميع يعرف ذلك، ولكن ربما لا يقولون ذلك، لذلك حاليا ليس لدينا بدائل كثيرة، وعلينا أن نتحرك في هذا الملف بقوة".

التنين الصيني يهيمن على صناعة الأدوية 

وتقول صحيفة “بوليتيكو”، إن الصين أصبحت قوة دوائية على مدار العشرين عامًا الماضية، حيث سمحت التشريعات البيئية المتساهلة والعمالة الرخيصة ووفورات الحجم بالسيطرة على التصنيع، وهذا يمنحها نفوذاً على منافسيها الأوروبيين، فالصين منتج رئيسي للأدوية القديمة التي لا تحمل علامة تجارية والتي تستخدم بشكل روتيني في المستشفيات، كالمضادات الحيوية، على سبيل المثال، وهذا جعلها مسيطرة وبشكل متزايد بآسيا، ومع سيطرة الصين احتلت بكين السوق للمكونات الرئيسية التي تدخل في صنع البنسلين، حيث تعد الصين أيضًا مُصدرًا رئيسيًا في فئات أخرى مثل أدوية ضغط الدم أو مسكنات الألم.

كما أنها تزود صناعة الأدوية في أوروبا بالمكونات الأساسية المستخدمة في صنع مجموعة متنوعة من الأدوية، وتظهر أرقام الصناعة أن أوروبا تنتج الآن فقط ربع المكونات الصيدلانية النشطة في العالم، بانخفاضًا من النصف في عام 2000 ، وتعتمد بشكل متزايد على الواردات، وفي غضون ذلك، تنتج الصين والهند أكثر من النصف (وتعتمد الهند على الصين في مدخلاتها). 

الصين تتحكم في 70% من المكونات الطبية بأوروبا 

وقدرت دراسة أجرتها شركة أبحاث السوق IQVIA لصالح المجموعة الأوروبية للكيماويات الدقيقة أن أوروبا تعتمد، من حيث الوزن، على آسيا لثلاثة أرباع مكوناتها الصيدلانية والمواد الكيميائية الأولية - مع الصين المسئولة عن الجزء الأكبر (70 بالمائة) من ذلك، بينما تعمل شركات مثل Olon و Flamma Group الآن على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها، فإن هذا ليس ممكنًا دائمًا.

وقال بيزوكارو إن العديد من المكونات الصيدلانية يتم إنتاجها الآن فقط في آسيا وبعضها حصريًا في الصين، وذكرت أن شركتها يمكن أن تدوم بعض الوقت على الأسهم الحالية، لكن لن يمر وقت طويل قبل أن يبدأ النقص في التأثير، وفي مجالات أخرى، مثل المواد الخام أو الرقائق ، بدأت أوروبا بالفعل في التحرك لتعزيز قدراتها التصنيعية، ولم يتم بذل جهود مماثلة في مجال إنتاج الأدوية.

قانون الأدوية الحرجة 

ومع ذلك، اقترحت بلجيكا الشهر الماضي إنشاء "قانون الأدوية الحرجة" على غرار قانون الرقائق في أوروبا، وبالفعل قالت 21 دولة إنها تدعم هذه الفكرة، والآن يعود الأمر للمفوضية الأوروبية لتقديم اقتراح ملموس.

وقالت ماجي سايكالي، رئيسة المجموعة الأوروبية للكيماويات الدقيقة، والتي تمثل صانعي المكونات الصيدلانية، إنه إذا كنت تريد لمحة عن عالم تنقطع فيه واردات الأدوية الصينية، فإن الوباء يقدم فكرة، ويعد قرار الهند بحظر تصدير الباراسيتامول ردًا على موجة عدوى COVID-19 مثالًا على مدى صعوبة حل الأزمات، حتى مع الحكومات الصديقة.

وأوضح سايكالي: "كنا محظوظين جدًا لأن الوباء لم يستمر طويلًا وأن لدينا بعض المخزون وتمكنا من التوفيق بين الأشياء، ونتذكر جميعًا كيف تم حل أزمة الباراسيتامول، و كان لا بد من تدخل دبلوماسي مع الهند".

وضع صناعة الأدوية بالصين 

وتعد الصناعة الدوائية إحدى الصناعات الرائدة في جمهورية الصين الشعبية، وتغطي المواد الكيميائية الاصطناعية والأدوية، والأدوية الصينية الجاهزة، والأجهزة الطبية، والأجهزة والأدوات، ومواد النظافة، ومواد التعبئة، وآلات صناعة المستحضرات الدوائية، حيث يوجد بالصين، منذ عام 2007، حوالي 3000 إلى 6000 مصنع دوائي محلي وحوالي 14000 موزع دوائي محلي. 

ومن أكثر العوامل السلبية شيوعًا في السوق التجارية، الافتقار إلى حماية حقوق الملكية الفكرية، وعدم الوضوح فيما يخص إجراءات الموافقة على الأدوية، وغياب الرقابة الحكومية الفعالة، والضعف في دعم الشركات للبحوث الدوائية، والفروقات في العلاجات في الصين والتي مُنحت إلى شركات محلية وأجنبية، ومع ذلك، تفيد التقارير أنه من المتوقع أن تصبح الصين ثالث أكبر سوق للأدوية في العالم بحلول عام 2011.

ومع ازدياد عمليات البحث والتطوير، فقد أصبحت شنغهاي واحدة من أهم مراكز البحوث الدوائية العالمية. 

ومن الجدير بالذكر، أنه كان من المتوقع أن شركة نوفارتس ستنشئ قاعدة بحث وتطوير كبيرة في شنغهاي لتكون ركيزة من أجل تطوير أدويتهم. 

وتشكل الآلاف من الشركات المحلية في الصين 70% من السوق، وتشكل أكبر عشر شركات حوالي 20%، وفقًا لبزنس شاينا، في المقابل، في معظم البلدان المتقدمة تسيطر أكبر 10 شركات على نصف السوق تقريبًا، ومنذ 30 يونيوعام 2004، قامت إدارة الغذاء والدواء الحكومية (إس إف دي إيه) بإغلاق الشركات المصنعة التي لا تحقق معايير جي إم بّيGMP/ الجديدة، وتمثل الأطراف الفاعلة الأجنبية نسبة 10% إلى 20% من إجمالي المبيعات، اعتمادًا على أنواع الأدوية والمشاريع المدرجة في الحساب، ومع ذلك، تنمو مبيعات أهم الشركات الصينية بشكل أسرع من الشركات الغربية.