الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ماذا تريد إثيوبيا من إقليم أوروميا؟.. اشتباكات تخلف قتلى وجرحى بعد هدم 19 مسجدًا| القصة الكاملة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

تسببت الحكومة الإثيوبية الحالية برئاسة أبي أحمد، في العديد من المشاكل العرقية، والدينية خلال السنوات الماضية، وكان أحدث تلك الأزمات هو ما حدث مع مساجد المسلمين، حيث قامت الجهات الحكومية بهدم 19 مسجدا حتى الآن في فترة زمنية وجيزة، وهو ما دفع لخروج الآلاف من المسلمين في مظاهرات حاشدة عقب صلاة الجمعة الماضية، وهو ما أدى إلى وفاة اثنين، وإصابة المئات من الشرطة والمتظاهرين.

وتأتي تلك الأحداث، بعد أقل من أسبوعين على هجوم مسلح، شنته القوات الإثيوبية على مناطق قبائل الـ أوروميا، ما أثار مخاوف من اندلاع حرب أهلية، خاصة وأن الهجوم جاء في أعقاب فشل المباحثات بين الطرفين في العاصمة زنجبار، وهنا نرصد تفاصيل أزمة مساجد إثيوبيا.. ولماذا جاءت تلك القرارات. 

 

الغضب ينفجر يوم الجمعة 

 

بدأت موجة الغضب يوم الجمعة الماضي، حيث اندلعت احتجاجات حاشدة في أديس أبابا عقب صلاة الجمعة نتيجة الغضب من هدم المساجد في مدينة شيغر المجاورة، وخرجت المظاهرات حول المساجد في العاصمة بما في ذلك مسجد الأنور الكبير، ودعا المتظاهرون إلى وقف فوري لعمليات الهدم وإعادة بناء 19 مسجدا تم هدمها بالفعل خلال الأسابيع القليلة الماضية.

وقد تصاعدت الاحتجاجات على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب عمليات الهدم، حيث انتشرت مقاطع فيديو تظهر ضباط شرطة يرتدون معدات مكافحة الشغب وهم يصدون المتظاهرين الغاضبين على نطاق واسع، حيث كانت الجالية المسلمة تطالب بردود من ولاية أوروميا الإقليمية ومكاتب الحكومة الفيدرالية خلال الأسابيع القليلة الماضية لكنها لم تتلق ردًا إيجابيًا.

 

قتلى وإصابات واعتقالات 

 

ووفقا للأنباء الواردة من أديس أبابا، فقد أفادت لجنة شرطة أديس أبابا يوم أمس بسقوط شخصين في أعقاب الاحتجاج حول مسجد الأنور الكبير، كما أفادت اللجنة بأن 37 شرطياً و 15 مساعداً أصيبوا خلال الاحتجاج، كما ذكرت الشرطة أن حوالي 114 مشتبهاً تم اعتقالهم بزعم لعبهم "دورًا رئيسيًا في تنسيق الاحتجاج".

فيما أعرب النشطاء المسلمون والزعماء الدينيون عن استيائهم العميق مما حدث خلال الاحتجاج، وكتب أحمدي جبل- شخصية إسلامية بارزة هناك- عبر حسابه على “فيس بوك”، الذي يضم أكثر من 979 ألف متابع: "إنه لأمر مفجع أن الحكومة نشرت القوة ضد المتظاهرين السلميين الذين أعربوا عن معارضتهم لهدم المساجد الكاسح".

ووصفت شخصية مسلمة أخرى، يدعى “بدرو حسين”، الوضع، بأنه محبط، وقال عبر حسابه على “فيس بوك” الذي يضم أكثر من 400 ألف متابع: "الحكومة بحاجة إلى الجلوس والمناقشة مع المؤسسات التي تمثل الجالية المسلمة، بدلاً من محاولة إسكاتهم باستخدام القوة".

تحيز عرقي داخل الإقليم

وبعد بضعة أشهر من إنشائها حول أديس أبابا، اتهمت جماعات حقوق الإنسان، مديري مدينة شغار وولاية أوروميا الإقليمية، بهدم العديد من المنازل السكنية وإظهار التحيز العرقي أثناء العملية، وهو ما نفته إدارة المدينة.

وفي السابق، أعرب المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الإثيوبي ومجلس الشؤون الإسلامية لإقليم أوروميا عن معارضتهما لعمليات الهدم ودعوا الحكومة إلى اتخاذ إجراءات فورية.

 

كما كتب المجلس الإسلامي الإثيوبي، رسالة إلى رئيس الوزراء أبي أحمد، الأسبوع الماضي، بخصوص تدخل من مكتبه، يطالب بإعادة بناء المساجد.

ومن جهته ، كشف مجلس أوروميا عن هدم ما لا يقل عن 19 مسجدًا في مدينة الشغار.

 

رد غير دستوري

 

ودعا المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في أديس أبابا، إلى بدء ملاحقات بعدما اعتبره "ردا غير دستوري وغير إنساني" من جانب قوات الأمن ضد المسلمين "الذين يدافعون سلميا عن حقوقهم"، وأطلقت السلطات الفدرالية ومنطقة أوروميا، العام الماضي، مشروعا مثيرا للجدل يسمى "شيغر سيتي" يقضي بدمج 6 بلدات تحيط بالعاصمة في قوس غربي واسع.

 

وفي هذا الإطار، تدمر السلطات منذ أشهر، عددا من المباني والمنازل والمساجد التي تعتبرها مبنية بشكل غير قانوني، ويدين معارضو المشروع هذه العمليات التي يعتبرونها تمييزية، وتستند برأيهم إلى معايير عرقية ودينية، ويشار إلى أن إثيوبيا ذات أغلبية مسيحية وخصوصا أرثوذكسية، لكن المسلمين يشكلون أغلبية في ثلث البلاد تقريبا.

 

من هم الأورومو؟

 

"الأورومو" كبرى القوميات الإثيوبية، يمثل المسلمون أغلبيتها الساحقة، وتحتج منذ عشرات السنين بسبب "انتهاك" حقوقها والتمييز الاقتصادي والمجتمعي الذي تمارسه الحكومة ضدها، وتناضل لإنصافها عبر مجموعة من المنظمات بعضها فصائل مسلحة، وتحتل منطقة "أوروميا" معظم أراضي وسط إثيوبيا محتلة كبرى ولاياتها الـ 9، وتتكون من 10 أقاليم من أشهرها إقليم "شوا" الذي تقع في قلبه عاصمة البلاد أديس أبابا، وإقليم "هرر" الذي كان مملكة إسلامية طوال قرون عدة.

 

وتقدر مساحة منطقة "أوروميا" -التي يطالب أهلها بالاستقلال- بنحو 600 ألف كلم مربع، وتحد أراضيها شرقا صحراءُ أوغادين (الصومال الغربي)، وغربا جمهورية السودان، وشمالا أقاليمُ قوميتيْ "التغراي" و"العفر" ودولة إريتريا، وجنوبا كينيا التي للأورومو امتدادات بين سكانها، ويبلغ تعداد قومية الأورومو زهاء 40 مليونا، وتشكل أغلبية سكان البلاد البالغ عددهم نحو 94 مليون نسمة (حسب إحصاءات 2013) والمكونين من نحو 80 عرقية، ثم تأتي بعدها عدديا قومية "الأمهرية" -المهيمنة على حكم البلاد- بنسبة تقدر بـ27%.

 

تنتمي الأورومو في الأصل السلالي إلى "العنصر الحامي" (الشعوب الكوشية) إلى جانب القومية "الصومالية" و"العفرية"، في حين تعود أصول قوميتيْ "الأمهرية" و"التغراي" المتحكمتين في البلاد إلى "العنصر السامي"، وللأورومو لغتها الخاصة بها والمختلفة عن "الأمهرية" التي هي اللغة الرسمية في إثيوبيا، وتتراوح نسبة المسلمين في قومية الأورومو بين 50% و80% حسب تباين مصادر الإحصاءات، والنسبة الباقية تتوزع بين المسيحيين الأرثوذوكس والبروتستانت وبعض النِّحَل الأفريقية المحلية. ومن كبريات قبائلها "برينتوما" و"بورانا"، ويعتمد اقتصادهم أساسا على الزراعة والرعي لكون أرضهم من أخصب أراضي أفريقيا.

 

التاريخ والسياسة

 

يأتي شعب الأورومو في مقدمة الشعوب التي استوطنت منطقة القرن الأفريقي منذ القدم (ما يقارب 7000 سنة)، وقد خضعوا على مر التاريخ لدول وممالك عديدة، من أواخرها الممالك الإسلامية التي حكمت المنطقة قرونا إثر دخولها الإسلام إليها، وفي العصر الحديث تعود بداية تكون الدولة الإثيوبية إلى منتصف القرن الـ19 الميلادي، حين اتسمت سياسات الأباطرة الإثيوبيين بالتوسع على حساب الأقاليم الإسلامية المجاورة وقومياتها، فتشكلت الدولة من عرقيات مختلفة تحت هيمنة عرقيتيْ  الأمهرية والتيغراي اللتان تنتميان في معظمهما إلى المسيحية.

ومن هنا ترى الأورومو أن إثيوبيا ليست دولة موحدة من حيث التاريخ والثقافة واللغة المشتركة، وإنما تشكلت عبر حروب قادها "الغزاة الإثيوبيون" بمساعدة من الأوروبيين، بدافع تصورهم أن إثيوبيا "جزيرة مسيحية تعيش في بحر إسلامي"، ومنذ ستينيات القرن العشرين حاولت جماعات من ناشطي الأورومو إعادة صياغة مفهوم هويتهم الوطنية برفض الهوية الوطنية الإثيوبية "المفروضة على الجميع"، لكن الانشقاقات التي اتسمت بها صفوفهم ساهمت في إضعاف قدرتهم على تحقيق أهدافهم.

وقد شكلت الأورومو منظمات قومية عديدة منها "جبهة تحرير أورومو الإسلامية"،  و"الرابطة الدولية لشعب الأورومو"، و"جمعية المرأة الأوروموية"، و"شباب مسيرة الأورومو"، لكن أبرز وأكبر هذه المنظمات هي "جبهة تحرير الأورومو" التي نشأت عام 1973، فحققت شعبية عظيمة في مناطق قوميتها، وفي عام 1991 شاركت الجبهة -مع "الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية"- في تشكيل حكومة انتقالية للبلاد إثر إسقاط حكم منغستو هيلا مريام، الذي استولى على حكم البلاد عام 1974 وكان مدعوما من الاتحاد السوفياتي.

 

لكن الجبهة -التي لا تزال ينظر إليها بوصفها الصوت المعبر عن مظالم الأورومو- خرجت من التحالف الحاكم إثر انتخابات صيف 1992، وشنت بدءا من 1993 "كفاحا مسلحا" ضد الحكومة الإثيوبية التي تقودها قوميتا الأمهرية والتغراي، ولم تشارك في الحكم منذ ذلك التاريخ بل أصبحت تطالب بالحكم الذاتي أو الانفصال.

وبعد ابتعاد جبهة تحرير أورومو عن العملية السياسية أصبحت "المنظمة الديمقراطية لشعب الأورومو" المشاركة في الحكومة هي المسيطر على المقاعد النيابية المخصصة لولاية أوروميا، وأصبحت هذه المنظمة تحتكر بصورة شبه كاملة السلطة السياسية في الولاية منذ 1992.

 

وفي العموم، تتهم الأورومو السلطات الإثيوبية بأنها تعتمد تجاهها سياسة القتل والتنكيل والاعتقال العشوائي، واغتصاب النساء والتهجير القسري والاستيطان المنظم والإبادة الجماعية ومحاربة الثقافة الخاصة لقوميتها، وباعتمادها سياسة تكرس انتشار الفقر والتخلف والجهل ومحاربة التنمية والتطور في مناطقها.

 

وتعتبر برامج الحكومة المركزية التي تنفذها في مناطقها تحت مسميات الإغاثة والتنمية ومحو الأمية في القرى "تضليلا للرأي العام العالمي"، وتتهمها كذلك باستخدام سياسة تقسيم الأراضي والاستيطان بغرض الإخلال بالتركيبة السكانية لصالح "الاحتلال".

 

كما تشتكي هذه القومية من منع السلطات أبناء الأورومو من استخدام لغتهم في التعليم، حيث يُشترط في من يلتحق بالمدارس والجامعات إتقان اللغة الأمهرية التي يرون أنها "لغة استعمارية"، الأمر الذي أدى إلى انتشار الجهل وسط أبناء القومية بنسبة 80%.

 

وتعاني الأورومو فقدان الحقوق الأساسية كحرية التعبير والحركة والتجارة، وحرية تأسيس الأحزاب والجمعيات، إضافة إلى ما تسميه "المستقبل المجهول" الذي ينتظر أطفالها المحرومين من مقومات الحياة الأساسية من تعليم وصحة، ويقول ناشطو الأورومو إن أغلبية أبناء القومية اضطروا إلى ترك مدنهم وقراهم إما إلى المناطق الداخلية أو إلى الخارج بنسبة 75% منذ 1992، نتيجة "السياسات العدوانية" التي تنتهجها أديس أبابا ضدهم.

 

ويؤكدون أن 45% من النازحين هربوا إلى دول السودان واليمن وإريتريا والصومال وكينيا وأوغندا ومصر وجنوب أفريقيا ودول الخليج العربي، وبعضهم هاجر إلى أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا، ويرجعون أسباب استهداف الحكومة الإثيوبية لقوميتهم إلى ثلاثة عوامل، أولها هو خوفها من كثافتها السكانية إذ تشكل 40% من مجمل سكان الدولة، وثانيها يتمثل في الديانة الإسلامية حيث تقدر نسبة المسلمين فيها بنحو 80%، في حين يتجسد الثالث في تمسك القومية بمبدأ حق تقرير المصير والاستقلال عن إثيوبيا.

وقد وجهت كل من منظمة العفو الدولية والمفوضية الدولية لحقوق الإنسان انتقادات حادة ومتكررة في مناسبات مختلفة إلى السلطات الإثيوبية بسبب اضطهادها للأورومو، بينما تصدر منظمة هيومن رايتس ووتش منذ 1992 تقارير سنوية عن إثيوبيا تؤكد تدهور أوضاع حقوق الإنسان في مناطق هذه القومية.