الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عشر ذي الحجة أفضل الأيام

صفوت عمارة
صفوت عمارة

أقبلت علينا العشر الأوائل من ذي الحجة، أكثر مواسم الطاعات ثوابًا وأعظمها أجرًا؛ لأن أمهات العبادات تجتمع فيها كالصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يكون ذلك كل عامٍ إلَّا مرةً واحدةً، في غير العشر من أيام العام، والتي أقسم اللَّه بها في كتابه الكريم؛ فقال تعالى: {وَالْفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 2،1]، وجمهور المفسرين قالوا أن الليالي العشر هي عشر ذي الحجة، وإذا أقسم اللَّه بشيء دل هذا على عظم مكانته وفضله، إذ العظيم لا يقسم إلا بالعظيم، وهذا وحده يكفي عشر ذي الحجة شرفًا وفضلًا.

أشار الرسول صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إلى أهمية العمل الصالح في العشر الأوائل من ذي الحجة، وحثنا على اغتنامها والاكثار من الطاعات في أفضل أيام الدنيا، كما ورد في حديث عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما، قال: قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: «ما العملُ في أيامٍ أفضل منها في هذه» يعني العشر، قالوا: ولا الجهادُ؟ قال: «ولا الجهادُ، إلَّا رجلٌ خرج يُخاطرُ بنفسه وماله، فلم يرجِع بشيءٍ» [رواه البخاري]؛ ففي هذا الحديث بيَّن لنا النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم عظم مكانة العشر الأوائل من ذي الحجة وفضلها على غيرها من أيام العام، وأجر العمل الصالح فيها يتضاعف ما لا يتضاعف في سائر الأيام، فكل ما فعل من فرضٍ في العشر فهو أفضل من فرضٍ فعل في غيره، وكذا النفل في العشر أفضل من النفل في غيرها، كما يشمل أيضًا ترك المنهيات والمنكرات؛ فمن ترك المعصية في هذه الأيام فلا شك أن أجره أفضل من تركه للمعصية في غيرها، إلَّا رجلٌ خرج مخاطرًا بنفسه وماله في سبيل اللَّه، ففقد ماله وفاضت روحه في سبيل اللّه.

بيّن العلماء أنَّ أيام العشر الأوائل من ذي الحجة أفضل الأيام، وليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل الليالي؛ ففرق العلماء في الأفضلية وقالوا إن نهار ذي الحجة أفضل من نهار رمضان بسبب مناسك الحج، وليل رمضان أفضل من ليل ذي الحجة بسبب القيام وليلة القدر، ويستحب صيام التسع من ذي الحجة، لأنه ثبت عن النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، أنه كان يصوم التسع من ذي الحجة؛ فعن بعض أزواج النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قالت: «كان رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيامٍ من كل شهر» [أخرجه أبو داود]، ويستحب كثرة الذكر في هذه الأيام لقوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28]، وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة، كما ورد في حديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما، قال: قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: «ما من أيامٍ أعظمُ عند اللّه ولا أحبُّ إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد» [رواه أحمد]، والتهليل هو قول لا إله إلَّا اللّه، والتكبير هو قول اللّه أكبر، والتحميد هو قول الحمد للّه.

يوم عرفة يُكفر ذنوب سنتين؛ كما ورد في صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي اللَّه عنه، قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، عندما سئل عن صيام يوم عرفة قال: «أحتسب على اللَّه أن يكفر السنة التى قبله والسنة التى بعده»؛ ففيه تكفير سنة سابقة، وسنة لاحقة، ويشرع صيامه لغير الحاج ممن لا يقف بعرفة؛ أما الحاج يُكره له صيام يوم عرفة لأنه يوم عيد لأهل الموقف، ولفعل رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في حجة الوداع؛ فعن أم الفضل بنت الحارث رضي اللَّه عنها: «أنَّ ناسًا تماروا :أي اختلفوا عندها يوم عرفة، في صيام رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائمٍ، فأرسلت إليه بقدح لبنٍ، وهو واقفٌ على بعيره بعرفة، فشربه» [متفق عليه]، وإذا وافق يوم عرفة يوم الجمعة فيجوز إفراده بالصوم منفردًا إذا كان هناك سببٌ لهذا الصوم بغير كراهة؛ كمن يصوم يومًا ويفطر يومًا، أو إذا وافق يوم عرفة أو يوم عاشوراء، وكذلك كافة الأيام التي يُستحب صيامها، إذا وافقت صومًا مُعتادًا للمسلم.

أفضل الدعاء هو دعاء يوم عرفة؛ فعن طلحة بن عبيد اللَّه أن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قديرٌ»، ويوم عرفة يوم الحج الأكبر، الذي ينزل اللَّه فيه إلى السماء الدنيا، ويباهي بأهل عرفة أهل السماء؛ فتُغفر فيه الذنوب والخطايا، وتُعتق فيه الرقاب من النار،؛ فعن عائشة رضي اللَّه عنها، أنّ النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟» [رواه مسلم].