قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

خطفوا 100 ألف من أطفالهم| المستعمر الأبيض لأستراليا يتجه لمنح السكان الأصليين حقوقهم بعد 120 سنة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

في سنة 1909، قرر البرلمان الذي تم تشكيله داخل أستراليا بعد دستور 1901، بإصدار قانون يسمح للسلطات بنزع أطفال السكان الأصليين داخل القارة الأسترالية، وغير المعترف بهم داخل دستور المستمعر الأبيض البريطاني الذي تم فرضه على مستعمرة بريطانيا العظمى.

مهد هذا القانون لأحد أكبر الجريمة العرقية عبر التاريخ بنزع 100 ألف طفل من أصحاب الأرض الأصليين، وهي الجريمة المعروفة بإسم "الأجيال المسروقة"، وبعد مرور ما يقارب الـ120 عاما، قرر برلمان المستعمر الأبيض بتنظيم استفتاء شعبي – لا يشارك فيه السكان الأصليين – والذي يكون بموجبة أن يمنح السكان الأصليين حق التصويت في البرلمان إذا تم الموافقة عليه.

وتأتي تلك الخطوة، بعد أن وافق البرلمان الأسترالي بإجراء الاستفتاء قبل نهاية العام، وهي ثان خطوة لمنح حقوق الشعب الأصلي لأستراليا بعد منحهم الحقوق المدنية فقط في 1967، وتأتي تلك الخطوة نتيجة تحركات الأجيال المسروقة التي قررت عدم التخلى عن أصولهم، والبحث عن حقوق آبائهم، وأبناء عائلاتهم الحقيقيين، وهنا نرصد التاريخ الأسود للمستعمر الأبيض البريطاني داخل أستراليا، وتفاصيل الخطوة الأخيرة.

من هم السكان الأصليون لأستراليا

سكان أستراليا الأصليين، كما يُعرفون باسم الأبورجيون، هم الشعوب التي انحدرت من المجموعات التي عاشت في أستراليا وعلى الجزر المحيطة بها قبل حِقبة الاستعمار البريطاني للبلاد، ويشمل المصطلح الشعوب الأسترالية الأصلية وسكان جزر مضيق توريس، ويُفضل كثير من الناس استعمال مصطلح الشعب الأصلي والجُزُري، أو الأمم الأسترالية الأولى، أو الشعوب الأسترالية الأولى، أو الأستراليون الأوليون، جميع هذه المصطلحات في استخدام متزايد، وما زال تعداد الأستراليين الأصليين وقت الاستعمار الأوربي محل جدل، لكن التقديرات تجعله بين 318 ألفاً ومليون بتوزّع يشبه توزع السكان الأستراليين اليوم، إذ تقطن الأغلبية في الجنوب الشرقي، حول نهر موراي.

وقد انحدرت أعدادهم بسبب الوباء بعد الاستيطان الأوروبي، وقد بدأ هذا مع انتشار وباء الجدري بعد ثلاثة أعوام من وصول الأوروبيين، وساهمت أيضاً المذابح والنزاعات الحدودية بينهم وبين الأوروبيين في تقليل أعدادهم، والآن يشمل التعداد السكاني في أستراليا الشعوب الأصلية بناءاً على اعتبار الفرد نفسه من السكان الأصليين أو من أهل جزر مضيق توريس أو أن أصله يعود إليهما معاً، وعلى ذلك كان تعدادهم في 30 يونيو عام 2016م نحو 798,365، أو 3.3% من السكان الأستراليين، ومنذ عام 1995م، صار علم الأستراليين الأصليين وسكان جزر مضيق توريس من الأعلام الرسمية لأستراليا.

حق التصويت بالبرلمان حق منتزع منذ 120 عاما

والآن وبعد 122 عاما من إقرار الدستور الذي لم يعترف بهم، أصبح رسميًا من المقرر إجراء استفتاء في أستراليا قبل نهاية العام على تعديل دستوري من شأنه أن يمنح السكان الأصليين حق التصويت في البرلمان، وذلك بعد أن وافق مجلس النواب الأسترالي بالفعل على الاستفتاء في نهاية مايو، حيث صوت مجلس الشيوخ في كانبيرا أيضًا لصالحه بأغلبية كبيرة أمس الاثنين، ويدور شعار "صوت إلى البرلمان" حول ما إذا كان ينبغي على مجموعة من السكان الأصليين الأستراليين تقديم المشورة للحكومة في المستقبل عندما يتعلق الأمر بأسئلة حول السكان الأصليين في البلاد.

وبعد التصويت، اندلع التصفيق في مجلس الشيوخ الأسترالي بحسب ما جاء بصحيفة فوكس الألمانية، وقالت وزيرة السكان الأصليين في أستراليا ، ليندا بورني، إن الاستجواب سيكون حول الاعتراف أخيرًا بتاريخ 65000 عام للشعوب الأصلية في الدستور، فيما غرد رئيس الوزراء أنطوني ألبانيز قائلاً: "معًا يمكننا أن نصنع التاريخ"، وكان قد دفع بـ "الاستفتاء الصوتي" منذ فوزه في انتخابات مايو 2022. وبحسب وسائل الإعلام ، فمن المحتمل أن يعقد في أكتوبر.

لا يزال السكان الأصليون مهمشين في أستراليا

وأستراليا حاليا منقسمة بشدة بشأن مسألة السكان الأصليين، ومن أجل جعل التغيير الدستوري ممكنا ، فإن الأغلبية "المزدوجة" ضرورية أيضا، فوفقا لما أعلنته لجنة الانتخابات، فإنه يجب تحقيق أصوات "نعم" أكثر من "لا" ليس فقط على المستوى الشعبي الوطني، ولكن يتطلب الأمر أيضا أغلبية الولايات الست والأقاليم، حيث يجب أيضًا أن تصوت لصالحها، لذا أربعة على الأقل.

والسكان الأصليون غير مذكورين في دستور البلاد الصادر عام 1901، وقد تم منحهم الحقوق المدنية فقط في عام 1967، حيث يستمر تهميش السكان الأصليين من قبل قطاعات كبيرة من الأغلبية البيضاء، وعلى الرغم من أنهم استقروا في البلاد لعشرات الآلاف من السنين، ولعقود عديدة ، بعد وصول الأسطول الأول إلى سيدني كوف في يناير 1788 والاستعمار اللاحق للقارة، وتشهد كتب التاريخ على جرائم المستعمر الأبيض داخل أستراليا، وخصوصا أحد أكبر جرائم الاستعمار وهي جريمة الأجيال المسروقة.

الأجيال المسروقة .. الجريمة الكبرى

منذ عام 1909، وخلال السنوات الأخيرة من القرن الـ20، أبعدت الحكومة الأسترالية العديد من أطفال السكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس قسراً من منازلهم وعائلاتهم، لتضعهم في مؤسسات وأسر حاضنة، وهو ما أطلق عليه في ما بعد «الجيل المسروق»، وكان الهدف من كل ذلك، هو صياغة «أستراليا بيضاء الهوية»، وسمحت السياسات التمييزية التي كانت سائدة طوال هذه السنوات، للحكومات الأسترالية المتعاقبة بنقل هؤلاء الأطفال قسراً، ودمجهم في عائلات ومؤسسات ليس لها علاقة بالسكان الأصليين، ولا بثقافتهم أو لغتهم أو معتقداتهم أو تراثهم، ولم يكن لهؤلاء الأطفال خلال الفترة التي مكثوا فيها هناك أي اتصال مع عائلاتهم، فقد قامت الحكومة على سرقتهم من ذويهم في سنّ مبكرة للغاية، للعمل والعيش في منازل أسر بيضاء، لكي يتشربوا «الثقافة البيضاء».

وبالفعل خلال الفترة بين 1910 و1970 أبعدت السلطات الأسترالية نحو 100 ألف من الأطفال الأصليين،عن أسرهم بالقوة، وكان هؤلاء الأطفال معروفين باسم «الجيل المسروق»، ومعظمهمدون الخامسة من العمر، وتم اقتيادهم من أسرهملأن الحكومة الأسترالية قررت أن عرقهم يفتقر إلى مستقبل قوي، وقبل 15 سنة، قدّم رئيس الوزراء الأسترالي آنذاك، كيفن رود، اعتذاراً رسمياً إلى جميع السكان الأصليين الأستراليين عما حدث، وعلى الأخص للأجيال التي تعرضت للإبعاد عن أسرها، واعتذر عن سوء معاملة الحكومات السابقة، وأخطائها تجاه السكان الأصليين الأستراليين، و«الحزن العميق والمعاناة والخسارة التي كان سببها الإبعاد القسري لهؤلاء الأطفال».

حكاية طفلة مسروقة

الفتاة الأسترالية، التي تنتمي إلى السكان الأصليين، أماندا فوثرينغهام، تقصّ بعض مرارات الماضي لقوميتها، وتأثيراته في حاضرهم، وتطلعاتهم للمستقبل حسب ما نشرته سابقا صحيفة الجاراديان البريطانية: «مر 50 عاماً على سرقة والدتي التي كانت تبلغ آنذاك ثلاثة أعوام من العمر، من أحضان والدتها في بلدة بورك، الواقعة شمال غرب نيو ساوث ويلز، ولقد مرت كل هذه المدة، لكن تلك اللحظة لايزال يتردد صداها على مدى العقود، وأعيش مع عواقبها كل يوم، فهناك الكثير من قصص أناس مثلي - أبناء الأبناء المسروقين - ولكن تلك القصص لم تر النور حتى اليوم. لكن دعني أقصّ عليك جزءاً يسيراً منها، وأخبرك كيف أن سرقة والدتي من والدتها كل تلك السنين قد أبعدتني تماماً عن ثقافتي وعائلتي ولغتي وتاريخي».

وتتابع: «لقد فاتني الكثير خلال حياتي بما في ذلك حقي في أم أتعلم منها كيف أحب، فعندما سرقت الحكومة والدتي، انفصلت هي عن أشقائها وشقيقاتها الـ11، الذين تعرضوا هم أيضاً للسرقة، وأُرسلوا إلى دور حضانة في جميع أنحاء البلاد، ولم تكن أمي قد حُرمت علاقاتها بأشقائها فحسب، بل إنها لم تنعم أبداً بحنان والدتها، وعندما حاولت أن تتعقب أمها البيولوجية، اكتشفت أنها قتلت قبل وقت، بعد إجبارها على الانفصال منها، ونتيجة للصدمة الهائلة التي مرت بها والدتي، وحرمانها حنان أمها الحاضنة، لم تعرف كيف تحبني أو تحب أختي بشكل صحيح».

لقاء عائلتي للمرة الأولى

وللقصة بقية كما ترويها أماندا وتقول: «كان عمري تسع سنوات عندما اتصلت بنا إحدى أخوات أمي، والتي تتبعت أيضاً بعض أشقائها الآخرين، وكان أمامنا أسبوع بأكمله للمّ شمل الأسرة، حيث تعرفت إلى عماتي وأعمامي وجداتي وأجدادي، وشعرت بنفسي أكثر رسوخاً على هذه التربة الحمراء من بلدتي، أكثر من أي وقت مضى في حياتي، فروحي تتوق للعودة إلى هذا المكان الذي كان تجول فيه أجدادي مرة واحدة، وفي العام الماضي تلقينا مكالمة هاتفية أخرى مفاجئة من امرأة تقول إنها ابنة أحد أشقائي الذين فرقت بينهم الحياة منذ زمن طويل، ومن خلال هذه المكالمة الهاتفية، حصلت على أربعة أبناء عمومة جدد في غضون أسبوع، وإنه لفخر لي أن أرى أناساً يحملون الدماء نفسها التي تجري في عروقي، والأجداد نفسهم».

«نتيجة للسرقة، فقدت أمي وأشقاؤها ارتباطهم بالبلدة، وهذا يعني أن أختي وابن أخي وأبناء عمومتي وأطفالهم قد حرموا هذا الارتباط أيضاً، وعندما كبرت عرفت أنني من السكان الأصليين، وأتذكر أن معلمة في المدرسة طلبت مني الصعود على خشبة المسرح في يوم من الأيام، لأنها اعتقدت أنني أعرف عن قومية دوغيريدو، لكن في الحقيقة أنني لم أكن أعرف شيئاً عن ثقافتي أو لغتي أو روحانيتي، فالأسرة التي نشأت بينها لا تشبهني، لون بشرتي وتقاطيع وجهي مختلفة عنهم بشكل ملحوظ، ولهذا أثر عميق في إحساسي بالانتماء، وشعرت كأنني منبوذة ولا يتناسب معي هذا المكان، وهناك من يعتقد أنه يجب علينا التحرك، وأن نتجاوز الماضي، ولكن من الصعب فهم الحقائق الصادمة التي حدثت في الماضي».