قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

أمير أبو رية يكتب: حنين الإنسان لنسخته القديمة

إن الحياة بطبيعتها متقلبة ذو وتيرة متجددة وأداء سريع متنامى، تدفع بالإنسان دفعاً للانخراط فى دوائرها والسير وفقا لاتجاهاتها ومقتضياتها المستحدثة، فكلما تقدم فى العمر كلما ازداد تغيراً عما مضى وكلما انخرط أكثر ووجد نفسه رويدا رويدا قد أصبح نسخة جديدة من نفسه شاء ذلك أم أبى، هذه النسخة يصعب أن تكون شبيهة لسابقتها لا شكلا ولا مضمونا ، فشكلا نجد التطور الطبيعي للإنسان يصحبه تغيرات صحية وجسدية متأثرا بتقدمه العمرى فى صورة علامات الكبر والشيخوخة، أما فيما يتعلق بالمضمون فتقدم الفرد بالعمر يكسبه خبرات حياتيه كثيرة تؤثر علي أفكاره أو خططه ونظرته للحياة بطريقة مختلفة عن سابقتها ، وتغير وضعه من شخص حر طليق لا يعبأ بمقتضيات الحياة ومتطلباتها إلى شخص ذو مسئولية قد تكبر أوتصغر لن نختلف فالنهاية واحدة إنه بات شخصا مسئولا، هذه الأمور مجملها هى ما تدفع كلا منا للنسخة الجديدة من نفسه.

فى الواقع الكثيرين يحاولون جاهدين التشبس بنسختهم القديمة ومقاومة التغييرات التى تطرأ عليها ولكنها غالبا محاولات بلا جدوى نهايتها الفشل ، فالتغيير المفروض عليهم وتأثرهم به لم يعد امراً يسهل التحكم فيه فارتم الحياة بات أقوى من أن يقاوم ، لذلك يجد الشخص نفسة من حين إلى أخر يتخطفة الحنين إلى الماضي حيث يجد فيه نسخته القديمة المفقودة ، هذا الحنين يكون مطلق غير مقيد بحالة معينة ، فهناك من يأخذه الحنين للأشخاص كذكرى أحاديث الأجداد المفقودة والأصدقاء المتفرقة أوالعواطف التى عصفت بها الأقدار أنتهت حيث لم يرضينا ، فيسبح فى بحور عاتية الأمواج من الذكريات ويستسلم لما هو كان وينسى ما هو كان ، وهنا تصبح المشاعر مخلوطة ما بين ابتسامة بتذكر موقف وحديث جميل وما بين دمعة لفقد عزيز وغالى كان يأنس معه كفيل بشحن طاقته الإيجابية لأيام وليالى ، ومنا من يأخذة الحنين للأماكن ذلك الحنين المنبعث من ارتباط الروح ببعض الأماكن والذكريات الماضية بها ، كحنين إلى بيت العائلة الكبير والمدرسة والجامعة والمسجد والكنيسة والنادى والشارع وكل الأماكن التى صحبتها الذكريات ، حتى من شدة تأثر الإنسان بروح المكان نجد أن من أروع ما غنى سلطان الطرب العربي محمد عبدة اغنية الأماكن هذة الأغنية التى إذا ما سمعها احدنا يجد نفسه تلقائيا يحلق فى سماء عالم من الذكريات القديمة وتخطفه لحنين الماضى وتنبش الذكريات بقلبة وعقلة بلا رحمة ، حنين الأماكن لا يختلف كثيرا عن الحنين للأشخاص فكلاهما ذو مشاعر مخلوطة متداخلة ما بين ابتسامة سعادة أو دمعة حزن.

كثيرون هم من يمتلكون ذكريات حنينية خلابة من شدة تأثرهم بها يودوا لو دامت العمر كله ولايزال الإشتياق إلى نسخة الماضى البسيطة بأحلامها البسيطة يشكل جزء من رغباتهم وأمنياتهم، حتى أولئك الذين لم تكن نسختهم الماضية أفضل حالا ، فالحياة بالطبع لم تكن تخلو من أولئك الذين عاشوا أيام صعبة فى طفولتهم أو شبابهم ولربما كانت الحياة قاسية عليهم ومريرة فمنهم من عاش حياة مادية أو جسدية أو عاطفية صعبة ومخيبة للأمال ، هؤلاء وإن باتت نسختهم الجديدة فى حياتهم الحديثة أكثر قوة وثراء وأفضل حالا إلا أنهم لا ينسون الفتات الجميل من تلك الذكريات القديمة والحنين إليها بحلوها ومرها ، الأمر يمكن تصنيفه نفسيا لا شعوريا يصعب التحكم به ، فى العموم نحن نرى الحنين إلى الماضى لا يعيب الفرد منا ولا يسوؤه كما توضحه نظريات علماء النفس والاجتماع والتى تؤكد بأن الحنين للماضى فى الغالب يشعر الفرد بالأمان النفسي والراحة والاطمئنان بالعيش فى الماضى الذى يألفه أحداثاً وأشخاصاً ، بينما قد يشعر بالخوف والتوجس من المستقبل ويبنى علية أحكام خاطئة قد تجعله فى حالة تحفظ وحذر دائم من المستقبل فالإنسان بطبيعته عدو م ايجهل.

عن الحنين للماضى والذكريات كُتبت الكثير من الحكم وذكرت كثير من المقتطفات فى روايات الكثيرين من الأدباء والحكماء ، الكاتب الكبير دوستفيسكى كتب فى أحد رواياته متحدثا عن أسباب الحنين للماضى فى روايتة الجميلة الليالى البيضاء يقول (وعلى الرغم من أن الماضى لم يكن أفضل فقد يشعر المرء وكأنه كان أفضل ، وان الحياه كانت أكثر هدوء ، وأن المرء كان مرتاحا من الأفكار السوداء التى تطارده الآن ، ومرتاحا من تأنيب الضمير ، التأنيب القاتم المتجهم الذى لا يعطيه راحه لا ليلا ولا نهاراً.) ونحن نتفق معه تماما فالحياة القديمة التى كانت أكثر هدوء، وراحة الإنسان النفسية وخلوها من الأفكار المتلاحقة واحدة تلو الأخرى عن صعوبة ومشاكل الحياة ، وتأنيب الضمير الذى لا يهدأ يزن كل حركة وهمسة وفعل للإنسان والذى ينازعه الراحة ليلا ونهارا ، كل هذة الأمور جعلت الفرد يشعر وكأن الماضى كان أفضل وأنه بلا إرادة يجد نفسة يحن إلى نسخته القديمة الهادئة.