قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

أمير أبو رية يكتب: الهروب من نفق التعلق

تمر بنا أوقات كثيرة نجد انفسنا نتجاوب مع مقتضيات الحياة ومتغيراتها ونواكب سير تقدمها ، لا نعانى من الصعوبات والضغوط ولا نخشى مواجهتها ، نسعد وننتشى بكل نجاح وانتصار ونتعلم من أى خيبة او إنكسار ونتأقلم مع أى حدث كان .

ننعم بالحاضر بكل تفاصيله ونجتهد ونكرث طاقتنا لمواجهة المستقبل بتقلباته والتعامل معه بأفضل الطرق التى تحقق لنا الراحة والأمان ، نعطى للأمور وزنها الحقيقي فتمر بنا ونمر بها إلى بر الأمان ونتأقلم ، وأحيانا أخرى تمر بنا أوقات نشعر وكأننا فى حالة ثبات وجمود ، فالعالم كله يتحرك حولنا فى كل إتجاة ونحن نقف موقف الثبات والتجمد .

لا نقدر على مواجهة التحديات والمستجدات الحياتية الجديدة نشعر وكأن الحياة قد توقفت عند هذه النقطة التى نقع بها ، لا قدرة لنا على المضى قدما ولا طاقة لنا علي إنتشال أنفسنا من الجمود والثبات المقيت ، وتزيد الأمور سوء وتعقيدا كلما مر الوقت ونحن على هذه الحالة ، هذه الحالة من الجمود عادةً تكون لها أسباب متعددة نرى أن منها بل أهمها هو التعلق ، نعم التعلق الذى أحاط بالشخص وتملكه فقيده فى هذه النقطة التى تعلق بها وأصبح أسيرها ومرتضيا وقانعا بالتوقف عندها وقد تبلغ به درجة التعلق أن يقاتل من أجلها ليظل بها ولا يحاول الهروب منها وتركها

لكى تبدو الأمور والمفاهيم اكثر وضوحاً فعلينا أن نفرق ما بين التعلق والحب فكلاهما ذو بداية واحدة وظروف نشأة متشابها ولكن مختلفان فى المضمون والنهاية ، الحب حالة صحية فى حياتنا ولا تخلو منه حياة الأشخاص الأسوياء فالأرواح تميل إلى حب الأشياء الجميلة وتتقبلها على مختلف أوضاعها وتدرك أن بداخل كل علاقة الخير والشر والجميل والسيئ .

ففى العلاقات المبنية على الحب نحن نرى الجزء الجيد وأيضا السيئ فى الأشياء والأشخاص الذين نحبهم ونتقبل الأمر ونتعايش معه ، لكن إذا ما شاب العلاقة أمور سيئة وغير مرضيه وبدت العلاقة غير مقبولة أو غير مرضية ولا تحقق الهدف منها فإنك بطبيعة الحال تتغير نظرتك إلى تلك العلاقة وتقل نسبه رضاك عنها وقد يتلاشى أو تنسحب منها بعد ذلك ، لأنك ترى بعين العقل ضرورة التوازن فى العلاقات وهذا هو أساس الحب ومع إنعدام التوازن تتغير نظرتك للعلاقات ونسبة تقبلك لها ورضاك عنها و استمرارها .

بينما التعلق ليس كذلك فالتعلق أفة تصيب الإنسان فتجعله يُعجبْ بالأشياء او الأشخاص ويعشقها بطريقة جنونية لا يرى فيها أى عيوب تذكر حتى وإن كانت تلك العيوب ظاهره عيانا للأخرين كوضوح الشمس ، بل على النقيض تراه أحيانا يدافع عن عيوب تلك العلاقة أكثر من إعجابه بمميزاتها ، وهذا هو أساس مشكلة التعلق فإنه يخطف الروح ويأسر العقل فلا ترى الأشياء وفقا لحقيقتها ولا تحكم على العلاقات وفقا لمبادئ المصالح المتبادلة ولا مبادئ الخير والشر ولا أى مبادئ سوى ما يوافق الهوى ، التعلق مقيت ومميت على كل الجوانب بلا جدال ، وهذا جوهر الخلاف بين الحب والتعلق ، فالحب حالة صحية نفسياً بينما التعلق حالة مرض نفسى خفى لا يشعر به المتعلق

إن التعلق سواء بالأشياء أو الأشخاص يعتبر رأس كل ذنب و خطيئة كما إنه سبب للكثير من المشكلات ، وبالنظر إلى التاريخ نجد أن هلاك فرعون وهامان كان من ضمن أسبابه بل واهمها هو تعلقه ، فتعلقه بالحكم والملك والجاه والسلطان قادة إلى عصيان إتباع نبى الله موسى فحاربه وظل يطارده حتى وصل إلى البحر فعبر نبى الله موسى ومن أمن معه إلا إن تعلق فرعون أعمى قلبه عن الإيمان وعقلة عن التفكير فلما أراد أن يعبر البحر فأنطبق البحر عليه هو وجنوده فهلك ومن معه جميعا ، تعلق المشركين فى مكة بجاههم وسلطانهم فى وقت بعثة نبى الله محمد (صل الله عليه وسلم) قادهم إلى العصيان وعدم إتباع الهدى النبوى والرسالة المحمدية فكانت نتيجة تعلقهم أن قتلوا وشردوا وفقدوا جاههم وسلطانهم وماتوا على الكفر والشرك فخسروا الدنيا والأخرة .

وفى العصر الحديث نجد تحول معظم علاقات الحب والإعجاب الى تعلق مقيت ففى حاله حدوث اى توتر او إنتهاء وتغير فى علاقه الحب والإعجاب تجد الشخص يتحول فجأة إلى السلوك العدواني تجاه الأخر وقد لاحظنا فى الأونة الأخيرة الكثير من جرائم القتل كان الدافع لها هو التعلق بالأشخاص وأنه لا يستطيع العيش دون من تعلق به وهكذا وليست جريمة مقتل الطالبة نيرة أشرف وغيرها منا ببعيد ، كما أن معظم التقارير الصادرة عن مؤسسات معالجة الإدمان تشير إلى أن أهم أسبابه هو تعلق المدمن بالمخدر حيث يربط سعادته وقوته وسير أمور حياته كلها بإدمان المخدرات فتعلقه بالشيء جعل منه مدمنا له ، هذه الأمثلة وغيرها تشير إلى مساوئ التعلق ونتائجه الوخيمة.

التعلق من الأشياء التى لا يرتضيها الخالق عزوجل لعبادة فكل ما فى الدنيا مؤقت وزائل ولأشيء دائم ، والله تبارك وتعالى لا يرضى لقلب عبادة التعلق بأى زائل ، وقد وضح ذلك جاليا فى مثالين لأثنين من أنبياء الله عزوجل حينما دب التعلق بقلوبهما فابتلاهم الله لينزع التعلق من قلوبهم ويطهرها منه ، فحينما رُزقْ سيدنا يعقوب بإبنه يوسف عليهما السلام وقد أحبه حباً شديد أكثر من إخواته وبلغ الحب منه مبلغ التعلق فكانت حكمة الله أن تحدث مكيدة أخوه يوسف له وتتم التفرقة بين يعقوب ويوسف عليهما السلام فترة من الزمن ليست بقليلة فالأقوال فيها مختلفة أقلها ثمانية سنوات وأكثرها أربعون سنة ومن شدة التعلق كانت شدة الحزن حتى من كثرة البكاء يقال أنه قد فقد البصر جزئيا أو كليا الأقوال مختلفة فى ذلك .

هذا الفراق كان كرساله من الله ليعقوب عليه السلام أن لا يتعلق قلبه بغير الله فكل ما دون الله زائل والتعلق بزائل يزيد من حزن القلب والنفس معا وعواقبه غير محمودة ، فحينما توجه بحزنه الى الله مدركا الحكمة من الفقد وترك تعلقه فكانت مكافأة الله عزوجل لهما بجمع الشمل مرة أخرى بعد غياب طويل ، موقف أخر من حياة نبى الله إبراهيم عليه السلام حينما رزقه الله بالولد (سيدنا إسماعيل عليه السلام ) من بعد عمر طويل من الانتظار ، وقد أحب إبراهيم ولدة إسماعيل عليهما السلام وتعلق به قلبه بشكل كبير فأراد الله أن ينزع من قلبه التعلق فأوحى إليه أن يذبحه فغير أنه أمر لاختبار صبر سيدنا إبراهيم فإنه بداخله رساله من الله عز وجل لإبراهيم عليه السلام بألا يتعلق قلبه ببشر.

فالبشر زائلون وتعلق القلب بزائل يرهقه ويشغل فكرة فيفسد عليه حياته ، فلما أستجاب سيدنا إبراهيم للأمر الإلهى ونزع من قلبه التعلق وذهب بإبنه ليذبحه فكافأه الله بصبرة وتركة للتعلق بأن نجا سيدنا إسماعيل من الذبح وفداه الله بكبش عظيم ، وهنا تحضرني مقولة للأمام الشافعي تكتب بماء الذهب فيقول " إن الله يغارعلى قلبك من التعلق ، فيصدك عنه ويذيقك مرارة الفقد ، حتى ترجع إليه " وهو ما تم فعليا فى الموقفين لأنبياء الله فحينما إنتزعا التعلق من قلوبهما وعلقوا الأسباب بالباقي وهو الله عزوجل فكافأهم الله بذلك خيرا ونجاة.

فالتعلق يا سادة آفة النفس وهو أيضاً نفق مظلم وطريق موحش من يسلكه فلا يأمن على نفسه سوء العواقب ويجب عليه الخروج والهروب منه بكل ما أوتي من قوة وقدرة على التحمل ، وخير طريق للهروب بالنفس من هذا النفق المظلم هو الترك والتخلى .

حكمة قالها السلف لخصت طريق الهروب من نفق التعلق تقول " إحتج إلى من شئت تكن أثيره -وأحسن إلى من شئت تكن أميرة -وأستغن عمن شئت تكن نظيرة " ونظيرة أى مقابلا أو نداً له بمعنى القدرة على الاستغناء ، أمر أخر يساعد على الهروب من نفق التعلق وهو إدراك الشخص بأن كل ما دون الله زائل ومادام الشيء زائل فلا قيمة ولا داعى للتعلق به .

كما أن معرفة الشخص بفوائد ترك التعلق ومساوئ التمسك بالتعلق من خلال قراءة أخبار السابقين لهى من الأمور المحفزة للترك كما ذكرنا خلال المقال ، نهاية القول أن الشخص الواعى لا يجب عليه أن يتعلق لا بالأشياء ولا الأشخاص حتى لا يقيد نفسة ويفقد حريته .