شهدت السوق المصرية خلال الفترة الأخيرة، تغيرات متتالية في أسعار الدواء؛ وذلك بسبب نقص المواد الخام، وعدم توافر الحصيلة الدولارية اللازمة للاستيراد.
ارتفاع أسعار الدواء
وتعمل الدولة جاهدة للتدخل والسيطرة على أسعار سوق الدواء؛ حيث قال علي عوف رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية، إن مصر شهدت منذ بداية العام الجاري، ارتفاعا بنسبة 15% لعدد 2000 نوع من الأدوية، بسبب ارتفاع الخامات في العالم، وارتفاع تكاليف النقل والشحن، حسبما ذكرت وكالة "بلومبرج".
وأضاف رئيس شعبة الأدوية، أن مصر، بسبب كونها بلد مرتفعة الكثافة السكانية؛ تغطي احتياجها من السوق المحلي بنسبة 92%، فيما تستورد 8% من الخارج.
وأوضح أن مصر تستورد نحو 90% من مدخلات إنتاجها من الأدوية من الخارج، فيما يكون هذا الاستيراد من الهند والصين؛ لانخفاض التكلفة، مشيرا إلى أن هناك 180 مصنعا تعمل في مصر في قطاع تصنيع الأدوية، وتُشغل حوالي نصف مليون عامل.
وكانت هيئة الدواء المصرية قد وافقتعلى رفع الأسعار، وأخطرت الشركات والموزعين والصيدليات بتلك الزيادة.
وكانت آخر الأدوية التي تم الموافقة على زيادة سعرها، الأنسولين؛ لعلاج مرضى السكر، من 141.5 جنيه، إلى 162.5 جنيه، ودواء آخر لعلاج سرطان البروستات المقاوم للإخصاء، من 32480 جنيهًا إلى 37352 جنيهًا، وبعض الأدوية التي تستخدم كموسع للشعب الهوائية وطاردة للبلغم ولعلاج ضيق النفس من 80 جنيهًا إلى 100 جنيه.
وتأتي تلك الزيادات مؤخرًا في عدد من الأصناف الحيوية؛ في محاولة لاستمرار توفيرها للمرضى دون نقص، بعد تقدم الشركات بطلبات لهيئة الدواء المصرية لمراجعتها في أعقاب زيادة سعر صرف الدولار.
وجرت زيادة أسعار بعض الأدوية التي تستخدم كمهدئ موضعي للجهاز الهضمي وتقليل الحموضة وإزالة عسر الهضم إلى 28.5 جنيه بدلا من 21 جنيهًا.
كما سبق أن وافقت هيئة الدواء على زيادة سعر دواء لعلاج حالات السعال، ويستعمل لتخفيف الكحة الناتجة عن نزلات البرد، من 9.5 جنيه، إلى 12 جنيهًا، وزيادة دواء لعلاج التهابات الأذن الوسطى وحساسية الأنف، من 10 جنيهات إلى 12.50 جنيه، وزيادة سعر بخاخ للربو وأمراض الرئة المزمنة، من 36 جنيهًا إلى 41.50 جنيه.
أسباب ارتفاع الأسعار
حول هذا الأمر، قال الدكتور جورج عطا الله، عضو مجلس نقابة الصيادلة، إن تحريك أسعار الدواء يتم بطريقة منظمة، وهيئة الدواء تتعامل بحكمة فائقة بخصوص ملف زيادة أسعار بعض الأدوية، فالزيادة تكون في أعداد محدودة للغاية وعلى فترات، رغم أنه من الطبيعي أن تزيد كل الأدوية لأن سعر الصرف تحرك، مشيراً إلى أن مصر لديها حوالي ما يقرب من 90 إلى 95% من مدخلات صناعة الأدوية يتم استيرادها من الخارج.
وأضاف عطا الله، في تصريحات لـ"صدى البلد"، أن استيراد مدخلات صناعة الدواء من الخارج يؤثر على أسعار الأدوية بصورة مباشرة، مع العلم أن مصر تعد من أقل 10 دول في العالم تسعيرًا للدواء حتى هذه اللحظة، كما تعد من الدول القليلة جدا في العالم التي يسعر فيها الدواء جبريا.
وأضاف: "في السعودية والإمارات وعدة دول أوروبية الدواء لم يسعر جبريا، ولكن مصر تعلم أن الدواء سلعة استراتيجية ذات طبيعة خاصة، لذلك قامت لجان تسعيرة بتحديد سعر الدواء بأقل سعر في العالم"، مؤكدا أن "سعر الدواء مثله مثل أي سلعة أخرى في مصر، ومن الطبيعي أن يتغير، وهذا التغير مقابل سعر الصرف".
ونوه بأن كل شركة لها 100 صنف دواء، ورغم ذلك وزارة الصحة وهيئة الدواء لم ترفعا سوى أسعار 5 أصناف فقط، وما زالت أغلب الأدوية لم يتم تحريك أسعارها.
وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي، افتتح مدينة الدواء "جيبتو فارما" بمنطقة الخانكة؛ في أبريل 2021، والتي تعد من كبرى المدن المتخصصة في صناعة الدواء على مستوى الشرق الأوسط، وهي مزودة بأحدث التقنيات والنظم العالمية في إنتاج الدواء.
وتعمل المدينة على إنتاج أدوية الأمراض المزمنة، إلى جانب إنتاج المضادات الحيوية، بالإضافة إلى الأدوية التي تستخدم في بروتوكولات علاج فيروس "كوفيد 19".
وأقيمت المدينة على مساحة 180 ألف متر مربع، وتحتوي على 15 خط إنتاج، كما تبلغ الطاقة الإنتاجية لها 150 مليون عبوة سنويا، وهي مزودة بأحدث التقنيات العالمية، حيث تعمل ماكينات "مدينة الدواء" بشكل إلكتروني بالكامل، ويقتصر دور الكوادر البشرية على وضع بيانات ومعلومات التشغيل على الماكينات الحديثة فقط.
والمشروع مزود بماكينات مجهزة بكاميرات؛ لفرز أي نوع من الأقراص غير المطابقة للمواصفات من ناحية الوزن أو اللون بشكل "أوتوماتيكي"، فيما تطبق المدينة ما يعرف بـ"ممارسات التصنيع الجيد للدواء"؛ من خلال تطبيق أعلى معايير الجودة مع توفير نظام حوكمة إلكتروني، والاهتمام بتدريب العنصر البشري لرفع كفاءته.
مشروع مدينة الدواء
ويهدف هذا المشروع إلى تحقيق الأمن الغذائي والحد من الممارسات الاحتكارية وضبط أسعار الدواء، وتوفير دواء آمن وفعال وعالي الجودة، وتوطين صناعة الدواء في مصر، وأيضاً إنشاء مركز إقليمي لصناعة الدواء لجذب شركات الدوية العالمية، وفتح آفاق التصدير للدول الإفريقية بالإضافة إلى دول الشرق الأوسط والدول العربية وأوروبا في وقت لاحق، بجانب دعم مبادرات الدولة في تقديم الخدمات الطبية والصحية المتنوعة للمواطنين.
وستشهد مدينة الدواء توسعات مستقبلية، تشمل إنتاج الأمصال واللقاحات في وقت لاحق، ومن المخطط أن تتراوح نسب التصدير ما بين 25% إلى 30% من إنتاج المدينة.
وتسعى المدينة إلى الحصول على شهادات الاعتماد الأوروبية لتصدير الأدوية المصرية إلى الأسواق الأوروبية، إضافة إلى نشر الثقافة الدوائية السليمة وترشيد الاستخدام الخاطئ للدواء، ليقتصر استخدامه على حالات الضرورة فقط؛ بهدف الحد من الإسراف في تناول الأدوية، وتعزيز التعاون بين مدينة الدواء وهيئة الدواء المصرية؛ لتوفير الأدوية الاستراتيجية عالية التكلفة وإتاحتها للمواطن بأسعار مقبولة، بالإضافة إلى تصنيع أي أدوية بها نواقص بالسوق المحلية.
كما أنه من المخطط أن تضم المدينة، معامل بحث وتطوير وتوكيد جودة، مع تبني خطط تسويقية؛ عبر دعوة الأطباء لزيارتها، ونشر ثقافة "التحكم في الأمراض".