قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

العرب والصمت


قال تعالي " فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما ولن أكلم اليوم أنسيا ".
إن الحق سبحانه وتعالي يأمر السيدة مريم عليها السلام بالأكل والشرب وأن تنام قريرة العين مطمئنة آمنة فإن رأت بشرا أو رآها بشر فسألها عن ولدها عيسي عليه السلام فعليها أن تقول بلسان الحال أو بلسان المقال علي خلاف بين المفسرين (إني نذرت للرحمن صوما) فقال عباس وأنس بن مالك :أي صمتا وروي عن أبي بن كعب وأنس بن مالك : إني نذرت للرحمن صوما وصمتا . يقول القرطبي: والذي تتابعت به الأخبار عن أهل الحديث ورواة اللغة أن الصوم هو الصمت أي في آية مريم ـ لأن الصوم إمساك والصمت إمساك عن الكلام ، وقيل هو الصوم المعروف وكان يلزمهم الصمت يوم الصوم ، إلا بالإشارة.
إن العرب عرفت الصمت عرفته صمتا مطبقا يستغرق اليوم كله أو أكثر وظلو بما يمارسونه حتي جاء الإسلام فإن قلت فما موقف الإسلام منه ؟ قلت : أبطل الإسلام هذا الأمر فلم يعد الصمت يوما كاملا عبادة يتقرب بها إلي المرء إلي الله تعالي قال ابن قداته الحنبلي : ليس من شريعة الإسلام الصمت عن الكلام وظاهر الأخبار تحريمه.
والصمت من حيث هو سلوك اجتماعي بعيد عن التقيد بيوم أو أكثر أعني لا يلتزم الإنسان فيه بنظام محدد بل غاية ماجاء به الإسلام هو حفظ اللسان عن الحرام وكفه عن جميع الآثام من لغو وكذب وغيبة ونميمة وشهادة زور وإيمان باطلة ونحو ذلك . إن الصمت من حيث هو نوع من السلوك الاجتماعي يحفظ الإنسان من الذلل والخطيئة والحديث فيما لا يفيد.
ولهذا حرص الإسلام علي التحلي به ورغب الناس فيه إبقاء علي المحبة بين الناس ودفاعا عن أعراضهم وحرصا علي إشاعة الكلمة الطيبة فقال صلي الله عليه وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت "إن حفظ اللسان عن الخوض في أعراض الناس وخصوصياتهم تقطع نصف الطريق إلي الجنة . قال صلي الله عليه وسلم : من يضمن لي مابين لحييه ومابين رجليه أضمن له الجنة " .
ورحم الله عمر ابن خطاب حينما قال :" من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه قل حياؤه ومن قل حياؤه قل روعه ومن قل روعه مات قلبه " إنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاما ظهرت فيه المصلحة ومتي استوي الكلام وتركه في المصلحة فالسنة الإمساك عنه لأنه قد ينجر الكلام المباح إلي حرام أو مكروه كذا قال الإمام النووي . هذا كله في غير شهر الصيام وأما في شهر الصيام . وأما في شهر الصيام فيتأكد الالتزام بهذه الأخلاق ويتأكد وجوب التحلي بها وإلا التهاون بها يفسد الصيام ، وأننا نعلم جميعا أن الصيام في اللغة هو مطلق الامتناع والإمساك وفي الشرع هو الامتناع عن كل المفرطات ، الامتناع عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر إلي غروب الشمس وهذا الصيام لا يتحقق علي الوجه الأمثل إلا بكف الجوارح عن الآثام فليس الصيام من الطعام والشراب إنما الصيام من اللغو والرفث فقال صلي الله عليه والسلام " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
إذا فالصيام يقتضي من المسلم أن يغض البصر عن الحرام وعن كل ما يشغل القلب وأن تحفظ لسانك عن الهذيان واللغو والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والسباب والبذاء بل عليه أن يشغل قلبه ولسانه بذكر الله وأن يكف السمع عن الإصغاء إلي كل مكروه وأن يحفظ الجوارح من كل حرام ومكروه ، وهناك نوعان من الصيام : صوم العموم وهو الامتناع عن شهوتي البطن والفرج فقط وأما صوم الخصوص فهو زيادة علي ما سبق أي صوم الجوارح كلها عن الحرام وأما صوم خصوص الخصوص فهو فضلا عن ما سبق صوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عن ما سوي الله بالكلية.