قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

د.محمد عسكر يكتب: انتهاك التطبيقات لخصوصية المستخدمين

دكتور /محمد عسكر مستشار التكنولوجيا وخبير أمن المعلومات
دكتور /محمد عسكر مستشار التكنولوجيا وخبير أمن المعلومات

في ظل تسارع التطور التكنولوجي وتغلغل الهواتف الذكية والتطبيقات في تفاصيل حياتنا اليومية، أصبحت الخصوصية الرقمية من أكثر القضايا إثارة للجدل والمخاوف. فبينما يستمتع المستخدمون بخدمات مجانية أو شبه مجانية تقدمها التطبيقات المختلفة، يتم في الخلفية جمع كمّ هائل من بياناتهم الشخصية دون وعي أو موافقة صريحة منهم في كثير من الأحيان.

تتنوع الأسباب التي تدفع الشركات المطورة للتطبيقات إلى جمع بيانات المستخدمين. فمن منظور تجاري، تُعد هذه البيانات مورداً إستراتيجياً بالغ الأهمية، تُستخدم لتحسين تجربة المستخدم، وتطوير الخدمات، والأهم من ذلك، لتحقيق الأرباح من خلال الإعلانات الموجهة أو بيع البيانات لطرف ثالث.
لا تقتصر البيانات التي تُجمع على المعلومات السطحية كالبريد الإلكتروني أو الاسم فحسب، بل تمتد إلى بيانات دقيقة تشمل الموقع الجغرافي، عادات التصفح، تفضيلات الشراء، وحتى الأنشطة اليومية. وغالباً ما تُجمع هذه البيانات بصيغة لا يشعر بها المستخدم، كأذونات غير مبررة عند تثبيت التطبيق، أو أدوات تتبع خفية تعمل في الخلفية.

ورغم أن العديد من الشركات تتبع ممارسات مشابهة، إلا أن شركة جوجل، بإعتبارها إحدى أضخم شركات التكنولوجيا عالمياً، وجدت نفسها في مرمى النيران القانونية أكثر من مرة بسبب ما اعتُبر انتهاكاً صريحاً لخصوصية المستخدمين.

•    في عام  2022، دفعت جوجل 391.5 مليون دولار لتسوية قضية في 40 ولاية أمريكية بسبب تتبع الموقع الجغرافي للمستخدمين دون إذن مسبق وحتى بعد تعطيلهم لهذه الخاصية.
•    وفي عام 2023، وافقت الشركة على تسوية دعوى قضائية جماعية بمبلغ تجاوز 5 مليارات دولار، بعد اتهامها بتتبع أنشطة المستخدمين أثناء استخدامهم وضع التصفح الخفى (incognito mode)  في متصفح كروم.

•    غرامات أخرى طالت جوجل في دول مثل فرنسا، ألمانيا، وكوريا الجنوبية، لأسباب مشابهة تتعلق بعدم الشفافية في جمع البيانات وإستخدام "الأنماط المظلمة" لدفع المستخدمين إلى مشاركة بياناتهم دون وعي.
هذه العقوبات لم تكن مجرد غرامات مالية، بل تسببت في أضرار كبيرة لسمعة الشركة، كما دفعت المستخدمين ومؤسسات حقوق الإنسان الرقمية إلى المطالبة بقوانين أكثر صرامة وشفافية.

ما تكشفه هذه القضايا هو أن إستخدام التطبيقات "المجانية" ليس مجانياً في الحقيقة، بل يُدفع ثمنه من خلال الخصوصية. ويثير ذلك تساؤلاً جوهرياً: هل يمكن الوثوق بالشركات التكنولوجية في حماية بياناتنا؟ وإذا لم يكن بالإمكان، فهل نمتلك الوسائل للدفاع عن أنفسنا؟
في المقابل، هناك صحوة قانونية وتشريعية بدأت تتبلور، مثل قوانين "اللائحة العامة لحماية البيانات" (GDPR) في أوروبا، وقوانين خصوصية المستهلك في كاليفورنيا، والتي تمنح المستخدمين مزيداً من التحكم في بياناتهم، وتفرض على الشركات الإفصاح الكامل والشفاف عن كيفية إستخدام المعلومات الشخصية.

وأنصح المستخدمين باتباع عدة خطوات عملية لحماية بياناتهم، منها:
•    قراءة أذونات التطبيقات بعناية قبل الموافقة عليها.
•    تقييد الوصول غير الضروري إلى الموقع الجغرافى أو الكاميرا أو الميكروفون.
•    استخدام متصفحات ومحركات بحث لا تنتهك الخصوصية، مثل DuckDuckGo أو  .Brave
•    ضبط إعدادات الخصوصية بانتظام داخل التطبيقات وحسابات جوجل أو فيسبوك.
•    استخدام أدوات حظر التتبع أو شبكات VPN موثوقة.

ختاماً أُؤكد أن انتهاك الخصوصية الرقمية لم يعد افتراضاً أو نظرية مؤامرة، بل واقع مدعوم بالأدلة والبراهين والأحكام القضائية، كما يظهر جلياً في قضايا جوجل الأخيرة. ومع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا، بات من الضروري أن يكون المستخدمون أكثر وعياً، وأن تتحمل الشركات مسؤولية أكبر، مدفوعة بتشريعات واضحة وعقوبات صارمة.

الخصوصية ليست رفاهية، بل حق أساسي لا يجب التنازل عنه مقابل "تطبيق مجاني".