من هو سيدنا داود عليه السلام؟ وبما خصه الله تعالى من الخصال؟

ينتهي نسب نبي الله داود إلى النبي يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل -عليهم جميعا السلام -، وكان عليه السلام قصيرًا، أزرق العينين، قليل الشعر، طاهر القلب، وقد جمع الله تعالى له بين الملك والنبوة، وفي هذا قال جل شأنه: "وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ".
ورزقه الله تعالى صوتا عذبا ساحرا، فكان إذا ترنم بالدعاء لله تعالى ، تردد الجبال والطيور تسبيحه، وتردد معه دعاءه. قال تعالى: "وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ".
ويذكر المؤرخون أن داودا - عليه السلام - عمل في حرفة "الحدادة"، حيث كان أول حداد في التاريخ، فقد اختصه الله تعالى بقدرة عجيبة تجعل الحديد يلين في يديه، وأعانه الله على عمل الدروع من الحديد ليحصن المقاتلة من الأعداء، وأرشده إلى صنعتها وكيفيتها، فقال الله تعالى: "وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ".
ويقول النَّسَفيُّ في تفسيره لهذه الأية: "أي: جعْلنا الحديد له ليِّنًا كالطين المعجون، يصرف بيدِه كيف يشاء مِن غير نار ولا ضَرْب بمطرقة، وقيل: لأنَّ الحديدَ لانَ في يدِه لِمَا أُوتي مِن شِدَّة القوَّة، ويصنع الدروع التامَّة التي تُستعمل في الحروب، وهو أوَّل مَن استخدمها في الحَرْب، وكان يبيع الدرعَ فيُنفِق منها على نفْسِه وعياله، ويَتصدَّق على الفقراء، وقيل: كان يخرج متنكِّرًا فيسأل الناسَ عن نفْسِه، ويقول لهم: ما تقولون في داود؟ فيُثنون عليه. فقيَّض الله له مَلَكًا في صورة آدمي على عادتِه، فقال له: نِعمَ الرجل، لولا خَصلةٌ فيه، وهو أنَّه يُطعِم عيالَه مِن بيت المال، فسأل عندَ ذلك ربَّه أن يُسبِّب له ما يَستغني به عن بيتِ المال، فعَلَّمه صنعةَ الدروع.
ويؤكد بعض المؤرخين أن داود عليه السلام هو أول من اكتشف خواص جديدة للحديد بفضل الله وإلهامه له، وكان يمكنه تليينه وتسخيره للصناعات المدنية والحربية ، فصنع منه الدروع وآلات الحرب على أتم النظم وأحكم الأوضاع، وروي أن الدروع قبله كانت تُصنع مصفَّحة، فكانت تصلب الجسم وتثقِّله، فألهم الله داوود أن يصنِّعها رقائق، أو حلقات متداخلة متموجة ليِّنة، يسهل تشكيلها وتحريكها بحركة الجسم، وأمره بتضييق هذه الرقائق والحلقات لتكون محكمة لا تنفذ منها الرماح والسهام، وكان الأمر كلُّه إلهاما وتعليما من الله عزَّ وجل.
وأما وفاته عليه السلام فقال الإمام أحمد في مسنده: عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان داود عليه السلام فيه غيرة شديدة فكان إذا خرج أغلق الأبواب فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع.
فخرج ذات يوم وغلقت الدار فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار، فإذا رجل قائم وسط الدار، فقالت لمن في البيت: من أين دخل هذا الرجل والدار مغلقة؟ والله لنفتضحن بداود فجاء داود فإذا الرجل قائم في وسط الدار فقال له داود: من أنت؟ فقال: أنا الذي لا أهاب الملوك ولا أمنع من الحجاب.
فقال داود: أنت والله إذاً ملك الموت، مرحباً بأمر الله. ثم مكث حتى قبضت روحه فلما غسل وكفن وفرغ من شأنه طلعت عليه الشمس، فقال سليمان للطير: أظلي على داود فأظلته الطير حتى أظلمت عليه الأرض، عن قتادة، عن الحسن، قال: مات داود عليه السلام وهو ابن مائة سنة ومات يوم الأربعاء.