الأوقاف في مواجهة "المدخلية"

ظهرت
على مر التاريخ الإسلامي كثير من الفرق والملل والمذاهب، تحمل أفكاراً
شاذة ومنحرفة عن الخط المعتدل لدين الإسلام، وفي تاريخها عاصرت مصر الكثير
من هذه الفرق وكان آخرها "المدخلية" التي بدأت تجد لها متنفسا هذه الأيام
عبر منابر مساجد الأوقاف، التي نفت منذ شهرين وجود أئمة لها يتبنون فكر"
المدخلية" إلا أن وزارة الأوقاف – نفسها – ومن خلال وكيل الوزارة في المنيا
قرر مؤخرا وقف اثنين من خطباء محافظة المنيا عن العمل بسبب محاولتهما نشر
الفكر المدخلي المتطرف من خلال خطب ودروس بمساجد المنيا.
والفكر المدخلى هو من الأفكار المتطرفة، انتهجته الجماعات التكفيرية
المتسلطة وكان من أبرز شيوخه "ربيع المدخلى"، والمداخلة – كما يطلق عليهم
بين علماء الدين الإسلامي- تيار منحرف ومتطرف يعتبره البعض مذهبا من مذاهب
أهل السنة السلفية كما يصنفه البعض ضمن التيارات السلفية المتشددة. ورغم
كونه يحمل بين طياته معاني يراها البعض رمزا للوحدة إلا أنه يغالي لدرجة
التطرف في تطبيقها. فهذا التيار المدخلي يقوم على أفكار أساسها المنهجي رفض
الطائفية والفرقة والتحزب، ومن أدبيات وأفكار المداخلة الأساسية ومعتقدهم
في العلاقات بين الأمة الإسلامية عدم جواز معارضة الحاكم مطلقاً، وعدم
إبداء النصيحة له في العلن. ويعتبر جماعة المداخلة أن هذا المبدأ أصلاً من
أصول الفقه بل وعقيدة أهل السنة والجماعة، كما يعتبرون أن مخالفة هذا
المبدأ أو الأصل يعتبر خروجاً على الحاكم المسلم كما يعتقدون في مذهبهم.
ولعل
هذه الرؤية المتطرفة للتعامل مع الحاكم تصل بهم إلى حد التقديس لولي الأمر
وربما لكل ما يتصل به من رجاله وأبنائه وربما زوجاته أيضا، وتضعنا هذه
الرؤية أمام طريق لا نهاية له من الفساد والتسلط وتسارع نمو قيم أخرى
كالمحسوبية والنفاق والصمت على الظلم.
فالتيار
الفكري للمداخلة يميزه عن غيره من التيارات السلفية المعتدلة أو المتشددة
في اعتباره ضمن منهجه أن الجماعة المسلمة هي الدولة والسلطان، ومن هذا
الأصل والمنطلق تشن هجومها الحاد على الجماعات الأخرى سواء الدينية
أوالحزبية لأنها ضد مفهوم الجماعة، ومن ثم يعتبرونهم خوارج على النظام بل
ومن المبتدعين في الدين، وإن كان المداخلة يرفعون شعارا وهدفا رئيسيا
لديهم يتمثل في إنهاء الفرقة في الأمة والتفافها حول سلطانها.
خطورة
ظهور هذا التيار في مصر تصل بنا إلى قمة الديكتاتورية، بكل معانيها وفي
كل المستويات الفكرية والسياسية وتجعل من كل ولي أمر "الحاكم بأمره"، لكن
رفض وزارة الأوقاف وجود أصحاب هذا المنهج نقطة تحسب لهم ولسياستهم في
مواجهة الفكر المتطرف.
حقيقي
أن الوزير أعلنها كثيرا – أنه لا مكان لمتطرف أو مغال على المنابر – لكن
الأمر لا يجب أن يقف عند منع هؤلاء من صعود المنابر أو إحالتهم لأعمال
إدارية فقط ، فالمسئولية المجتمعية والدينية تستوجب علاج فكري للاستفادة من
طاقات هؤلاء الأئمة في نشر الفكر المستنير، فالأفكار لها أجنحة لا أحد
يمنعها من الطيران.