كيفية محاسبة «المرائى» فى الآخرة

حذرنا سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الرياء الذى هو بمثابة الشرك الخفى فى قلب الإنسان، وبين لنا النبى أن عن عاقبة من يرائى بعمل العبادات سواء أكان عبادة أقوال مثل ذكر الله أو قراءة القرآن أو عبادة أفعال مثل الصلاة أو الزكاة أو الصيام فإن الله تعالى يفضحة يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، وذلك لما ورد عن سيدنا جُنْدَب يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ»، رواه البخارى.
قال الإمام ابن حجر العسقلانى فى كتابه فتح البارى لشرح صحيح البخارى، إن معنى قول النبى: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ»، أى أن من أظهر عمله للناس رياء أظهر الله نيته الفاسدة فى عمله يوم القيامة وفضحه على رؤوس الأشهاد فإن الجزاء من جنس العمل فإن من شهر عمله سمعه الله ثوابه ولم يعطه إياه فكان ذلك حظه من الثواب.
وقيل: أن من قصد بعمله الجاه والمنزلة عند الناس ولم يرد به وجه الله فالله يجعله حديثاً عند الناس الذين أراد نيل المنزلة عندهم ولا ثواب له فى الآخرة، وقيل: من سمع بعيوب الناس وأذاعها أظهر الله عيوبه وسمعه المكروه، وقيل: من نسب إلى نفسه عملا صالحا لم يفعله وادعى خيرا لم يصنعه فإن الله يفضحه ويظهر كذبه.
وأوضح ابن حجر فى شرحه للحديث الشريف أن النبى -صلى الله عليه وسلم-: «وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ»، أى أن من يرائى فإن الله تعالى لا يظهر من ريائه إلا بفضيحته وإظهار ما كان يبطنه من سوء الطوية، وقيل: المعنى من يرائي الناس بعمله أراه الله ثواب ذلك العمل وحرمه إياه نعوذ بالله من ذلك.
وأضاف الإمام أن حكم الرياء فى غير العبادات كحكم طلب المال والجاه، وأما حكم الرياء فى العبادة هو إبطالها، وإن اجتمع قصد الرياء وقصد العبادة أُعطى الحكم للأقوى فيحتمل وجهين فى إسقاط الغرض به والمسرة على اطلاع الغير على عبادته فإن كان الغرض دنيوياً كإفضائه إلى الأحترام فهو مذموم، وإن كان لغرض أخروى كالفرح بإظهار الله جميله وستره قبيحه أو لرجاء الاقتداء به فهو ممدوح وعليه يحمل ما يحدث به الأكابر من الطاعات وليس من الرياء ستر المعصية بل هو ممدوح.
واستطرد: «أنه لو طرأ شىء من الرياء فى أثناء العبادة ثم زال قبل فراغها لم يضر، ومتى علم من نفسه القوة أظهر القربة فإن لم يمكن من دفع الرياء عن نفسه لا يترك العبادة فقد قيل "اعمل ولو خفت عجباً مستغفراً منه"».