الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تعرف على «عبادة» يجزي الله فاعلها بغير حساب

صدى البلد

قال أهل العلم إن الله سبحانه وتعالى اختص الصيام وأضافه إلى نفسه الكريمة، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «كلُّ عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف»، وقال عز وجل في الحديث القدسي: «إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحةٌ عند فطره، وفرحةٌ عند لقاء ربه، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك» رواه مسلم (1151).
وأوضحوا أن هذا حديث جزء منه حديث نبوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم - والآخر حديث قدسي أضافه النبي إلى ربه عز وجل: «إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» إلى آخره، منوهين بأن المقصود بالعمل الذي يضاعفه الله لابن آدم هو العمل الصالح، - الحسنات - والمضاعفة لتلك الأعمال الصالحة إلى أن تكون الحسنة الواحدة: «بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف» إلى ما يشاء الله عز وجل.
ونظير هذا في كتاب الله قوله عز وجل: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسعٌ عَلِيمٌ}[البقرة: 261]. وقال عز وجل: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}[الأنعام: 160].
وأما العمل الفاسد - السيئات - فإن الله لا يضاعفه لصاحبه، وإنما يحصيه له ثم يوفيه إياه، قال عز وجل: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}[الأنعام: 160]. ولكن السيئة قد تعظم أحياناً بسبب شرف الزمان كرمضان، أو المكان كمكة والمدينة.
وروى البخاري (6126) ومسلم (131) أن الدليل من السُنة جاء على أن الله يضاعف الحسنات، ويحصي السيئات ولا يضاعفها؛ رحمة منه بعباده، فعن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنه عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فيما يرْويه عن ربه تبارك وتعالى قال: «إنَّ اللهَ كتَب الحسنات والسَّيئات، ثم بيَّن: فمن هَمَّ بحسنة فلمْ يعْملها كتبها اللهُ عنْده حسنة كاملةً، وإنْ همَّ بها فعملها كَتَبَها اللهُ عنْده عشْر حسنات إلى سبعِ مئة ضعْفٍ إلى أضْعافٍ كثيرةٍ، وإن هَمَّ بسيِّئةٍ فلمْ يعْملْها كتبها اللهُ عنْده حسنةً كاملةً، وإن هَمَّ بها فعملها كتبها اللهُ سيئّةً واحدة». وهذا من كمال عدله، ورحمته بعباده، وجزيل إنعامه.
وأشاروا إلى أن هذه المضاعفة للإعمال الصالحة إلى عدد معين، ولكن هناك عمل صالح لم يعين الله له أجراً، وإنما أضافه إليه، وجعل جزاء عامله أنه يعطيه من غير عد ولا حساب: «إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي»، وهو سبحانه كريم جواد، فلا شك أنه سيعطي الصائمين أجرهم بغير حساب، كما أعطى الصابرين قال عز وجل: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر: 10].
ولفتوا إلى سر عجيب في كون الصابر أجره بغير حساب، وكذا الصائم أجره على الله من غير تحديد، وهو أن الصوم نوع من الصبر، فهو صبر على ترك الأكل والشرب والجماع، فاتفق أن يكون الصيام من الصبر الذي تجد فيه كثير من النفوس مشقة في ترك مألوفاتها، فلهذا كان جزاؤه من جنس جزاء الصبر.
وشرحوا قوله: «للصائم فرحتان»، بأن الفرح هو ما يجده الصائم في قلبه من الراحة والسرور والانبساط، وأولى هاتين الفرحتين: «فرحة عند فطره» وتتم بأمرين: الأول، بما أنعم الله عليه بعدم أخذ روحه قبل مجيء رمضان، وإنما أبقاه ليصومه، وليفوز بالأجر العظيم من الكريم المنان، وكذلك أبقاه حتى أكمل صوم ذلك اليوم، وكذلك فرح بتوفيق الله له بعمل الطاعة، والثاني: فرحه بما أباحه الله له من تناول الطعام والشراب، وممارسة الجماع مع أهله، بعد ما كان كل ذلك محظورًا عليه.
أما الفرحة الثانية: «وفرحة عند لقاء ربه»، فذلك بما يجده مدخرًاً له من الأجر العظيم، الذي لا حد له، في وقت أحوج ما يكون فيه إلى حسنة واحدة، في {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء: 88-89]، وكذلك فرحه بلقاء ربه، وفوزه بجنته، والنظر إلى وجه الله الكريم، فهذا أعظم الفرح على الإطلاق.
فيما فسروا قوله: «ولخلوف فيه »، وهو الرائحة الفم الكريهة المنبعثة من المعدة بسبب خلوها من الطعام، وقوله: «أطيب عند الله من ريح المسك»، أي ريح فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك عند الناس، وقيل: المراد أن الله يجزيه في الآخرة فتكون نكهته أطيب من ريح المسك، وقيل: المراد أن صاحبه ينال من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك.
ورجح الإمام النووي في تنقيح القول الحثيث في شرح لباب الحديث (ص: 64) أن معنى ذلك أن الخلوف أكثر ثوابًا من المسك المندوب إليه في الجمع، ومجالس الذكر، وهو حمل معنى الطيب على القبول والرضا.
ومن هنا تتضح فوائد هذا الحديث فيما يلي، رحمة الله بعباده حيث ضاعف لهم الحسنة إلى عشر أمثالها، وأما السيئات فلا يضاعفها، وإنما السيئة بسيئة واحدة، وأن الله يبحانه وتعالى اختص الصيام وأضافه إليه تشريفاً له، دون سائر العبادات «إلا الصوم فإنه لي»، لأنه الصوم سرّ بين العبد والمعبود، لا يطلع عليه أحد إلا الواحد الأحد، وأن جزاءه غير محدد بعدد معين، وإنما يوفى الصائم أجره بغير حساب.
وكذلك أن للصائم فرحتين، فرحةٌ عند فطره، وذلك لقيامه بطاعة خالقه، وإكمال صوم يومه، وتناوله ما أباحه الله له من الطعام والشراب، وهذا الذي ينبغي أن يفرح به، قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس: 58]، وفرحة عند لقاء ربه، وذلك بما يجد من الأجر الوفير، والثواب العظيم الذي لا حد له، والأعظم وهو لقاء رب العالمين، والنظر إلى وجهه الكريم، فضلاً عن أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.. فهذا التغير لما كان ناشئاً عن طاعة الله كان عند الله كذلك، وإن كان ذلك مكروهاً عند الناس.