قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

سكان دولة الفيس بوك


عندما نتحدث عن دولة معينة من دول العالم بقاراته السبع، فنبدأ بشرح وافٍ – بروفايل - يشمل عدد سكانها، نظامها السياسى والحكم، وصف منهجها الاقتصادى، حدودها الجغرافية ونقوم بتصنيف تلك الدولة، فإذا وقعت على خط طنجة – جاكرتا كانت نامية بتفاوت شحوب ألوانها؛ كدلالة على مستويات الفقر على الخرائط التنموية، وإذا كانت على خط واشنطن - موسكو كانت دولًا متقدمة بدرجات داكنة من الثراء المتباين، وأيا كانت الدولة التى سيقع الاختيار عليها حتمًا يمثل حاصل ضرب مكونات الوصف السابق لمناحى الاجتماع والاقتصاد والسياسة...الخ ثِقلها وتأثيرها وفاعليتها فى محيطها العالمى وصنع واتخاذ القرار الدولى وتوجيهه وفرضه حال قوتها (الفيتو يشهد)، والإذعان بقبوله حال ضعفها، والحياد (الرمادية) حال لا يعنيها الأمر.

المقدمة السابقة تكون سارية عند الحديث عن الجغرافيا الطبيعية (الحقيقية) فى دولة ما بكل مقوماتها، ولا تسرى عندما نتحدث عن – دولة افتراضية – (دولة الفيس بوك) بعدد سكانها الذى يقترب من مليار ونصف وهو ما يساوى عدد سكان الصين، وهى دولة قابلة للتمدد؛ لأنها لا توجد عليها قيود ديموجرافية كما فى الصين، ففى حالة الصين نحن بصدَد مجتمع ذي تاريخ وله مقوماته وقوانينه وعاداته وتقاليده وموروثه الشعبى...إلخ ما يجعله أهلًا لكلمة مجتمع إنسانى مُتحد ومنتج فهو بتلك المقومات يصب فى البناء الإنسانى كأحد لبِناته ومادته البشرية المتفردَة، وعلى النقيض من هذا تمامًا نجد دولة افتراضية (كدولة الفيس بوك) ماذا أنتجت للبشرية؟ هذا سؤال يُرجى الإجابة عليه بصدق؟ فتلك الدولة الافتراضية أغلب انتاجها يتمثل فى الشائعات والأكاذيب بتداولها واعادة انتاجها بكثافة حتى يمتزج الصدق بالكذب؛ ونظرًا لسيطرة منطق الكره بديلًا عن الحب فلا يتم ادراك الصدق، مما هدد الإنسان محليًا وعالميًا تهديدًا لذاته بذاته.

هذا، ويتباهى العالم الأول صناع هذا النوع من المعرفة بصنيع أيديهم، وبعد رؤية نتائج ما زرعته أيديهم بتأييد كل العالم أو بقابليته للتبعية من وضع منهج تدويل للأفكار المغلوطة - بألوانها المختلفة (تاريخية، اقتصادية، اجتماعية، دينية ...الخ) - وبالتبعية تسهيل وترويج العنف والارهاب لينتشر من الدولة الافتراضية ليصيب الدول على الجغرافيا الطبيعية مستخدمًا مواردها البشرية – الشباب – وهم فى قمة حيويتهم، ويتسنى لى الآن أن أجتهد وأقول مطمئنا أن هذه ليست معرفة إنما (ضد معرفة) فليست العبرة بكمية المواد المعروضة، إنما تبدو لى العبرة بقابلية المجتمعات البشرية – الحقيقية - بفطريتها السوية السليمة بامتصاص النافع منها فقط، فالمطلوب ليس المنع والحظر لتلك (الفيضانات المعلوماتية)، لا أحد يستطيع إنما يكون فى تحرّى انتماء ذلك المعروض للمعرفة الحقة وليس لضدها الهدام، وهذه الفلترة ليست مهمة رجل الشارع، إنما هى من صميم واجبات المثقف الذى يقود مجتمعه بخلق تيار مؤيد لأفكاره؛ لضمان الاستدامة لتلك القيادة وتسليمها لقادة جُدد مستقبلًا...تلك هى المجتمعات الراشدة.

وأدت كثافة استخدام وانتشار الفيس بوك وتوسع دولته وتمددها ومحاكاة المجتمع الحقيقى، لميلاد أثار سلبية على ذاك المجتمع الحقيقى بظهور ما يمكننى تسميته بظاهرة (العزل الاجتماعى) بناءً على أفكار افتراضية، وهمية ... بدءًا من عزل الأفكار التى يمارسها المثقف عن مجتمعه بتعاليه عليه، ببساطة فإجمالى ما يتبناه المثقف من أفكار تكون قيدًا – فى الأغلب - عليه وليست ميزة ، فتعزله عن رجل الشارع ليعيش فى (كمباوند) تحيطه أسوار عالية ليتحقق له العزلة الاجبارية / الاختيارية عن التيار المجتمعى، فيفقد فاعليته وتأثيره فى قيادة هذا التيار وكأن صفة الثقافة انتُزعَت عنه رغمًا عنه أو تنازل عنها ... النتيجة واحدة؛ تتجلّى فى عدم وجود تيار فكرى يقوده مثقف...فيحل محله فراغ...يشغله أى شخص غير مؤهل لقيادة التيار الثقافى ...وما أكثرهم ...فى مجتمعاتنا ... أكرر (تيار ثقافى وليس خطوط انتاج بشرية).

ونأتى لمفهوم (البصمة الرقمية) للدول أو للأفراد، وتعكس اهتمامات الدولة من خلال المعلومات التى تطلبها عبر محركات البحث على الإنترنت، فمجمل ما تهتم به الدول فى ذلك العالم الافتراضى يتحقق على أرض واقعها، فاليابان تهتم بالتكنولوجيا افتراضيًا فتنتجها واقعًا، دول أخرى تهتم بالاباحية فيحتل التحرش مساحة دائمة ويومية فى شوارعها وإعلامها!، أما بالنسبة للأفراد هى تاريخك فى الحصول على معلومات عبر الشبكة العنكبوتية إلى حين حدوث خطوة استباقية – التنبؤ باحتياجاتك من المعرفة مستقبلًا - من الشبكة بامدادك بما تفكر فيه من معلومات وفرضها عليك فلا تستطيع رفضها؛ لأنها وافقت هواك وتفكيرك وهذا بيت القصيد( اللعب فى العقول)! لترويج أفكار وأشياء فالانترنت عامة والفيس بوك خاصة لا ينتميان لجمعية خيرية.

أخيرًا: لست ضد استخدام الفيس بوك كشقة مصيف، ولكن ضده قطعًا عندما ننوى الاقامة الدائمة فيه بلاعمل ولا انتاج فى ظل استهلاك غير رشيد لمعلومات – يتيمة - بلا أب أو أم (أعنى التوثيق والمصادر).

الخلاصة: كل ما تم شرحه فى المقال عن بيئة الفيس بوك بالإضافة إلى أشباهه من المواقع يصب فيما تم تعريفه - كحقل معرفى حديث - بالبيانات الضخمة Big data وهى موضوع مقال لاحق إن شاء الله .