تقطع السبل باللاجئين في اليونان مع تنامي قلق الاتحاد الأوروبي

بعد سبعة أشهر على إبرام الاتحاد الأوروبي وتركيا اتفاقا يهدف إلى تحويل اتجاه موجة تدفق اللاجئين السوريين الفارين إلى الغرب لم تتم إعادة لاجئ واحد من اليونان وبدأ صبر الاتحاد الأوروبي ينفد مع تصاعد العنف في المخيمات المكدسة.
ويهدف الاتفاق الذي أبرم في مارس إلى خفض عدد اللاجئين الذين يعبرون الحدود إلى أوروبا قادمين من تركيا بعد أن وصل أكثر من مليون شخص إلى أوروبا في العام الماضي أغلبهم نقلوا بزوارق إلى جزر يونانية وأكملوا الطريق برا إلى ألمانيا.
وبموجب الاتفاق أعلن الاتحاد الأوروبي تركيا "بلدا ثالثا آمنا" الأمر الذي يعني أن الذين يعبرون الحدود يمكن إعادتهم إليها حتى وإن اتضح أنهم فروا من سوريا أو من دول أخرى كلاجئين يستحقون الحماية، ووافقت تركيا على استعادتهم في مقابل مجموعة من الامتيازات يقدمها الاتحاد الأوروبي.
في الوقت نفسه تقريبا أغلقت دول البلقان على امتداد الطريق البري المتجه شمالا حدودها ليجد المهاجرون الذين تدفقوا في السابق عبر اليونان للوصول إلى أجزاء أخرى في أوروبا أنفسهم محاصرين في اليونان وممنوعين من مواصلة الرحلة.
وتحقق هدف وقف تدفق المهاجرين حتى الآن إلى حد بعيد حيث لم يقم سوى 17 ألف شخص نصفهم تقريبا من السوريين بالرحلة البحرية المحفوفة بالمخاطر من تركيا منذ توقيع الاتفاق وهم يمثلون نسبة ضئيلة من مئات الألوف الذين وصلوا في العام السابق عبر اليونان.
لكن مسؤولين وخبراء أوروبيين يقولون إنه كي يظل الاتفاق مجديا في المدى البعيد يتعين إعادة اللاجئين إلى تركيا، فما دام الواصلون قادرون على البقاء في اليونان يظل الخطر قائما من أن يقرر آخرون القيام بالرحلة.
وقال جيمس كير لينزي الخبير في شؤون جنوب أوروبا في كلية لندن للاقتصاد "هناك أثر الردع. إذا ثبت أنه تتم إعادة الناس فإن ذلك قد يجبر الآخرين على إعادة النظر في مجرد المحاولة."
وتمت إعادة 700 فقط من الواصلين منذ إبرام الاتفاق أي ما يعادل أربعة بالمئة فقط من الإجمالي ولم تتم إعادة أي من الذين جرى الاعتراف بهم كلاجئين.
وكان أغلب العائدين مهاجرين لأسباب اقتصادية من دول مثل باكستان وبنجلادش غادروا دون أن يطلبوا حق اللجوء في اليونان. ونحو 70 شخصا من الذين تقدموا بطلب للجوء في اليونان تخلوا عن المحاولة وطلبوا المغادرة.
ومازال الباقون في اليونان فريسة للمهربين الذين يعرضون نقلهم إلى شمال أوروبا.
ومازال نحو 61 ألف مهاجر منتشرين في أنحاء اليونان منهم 15900 يقيمون في مخيمات مكدسة تفشى بها العنف مع استمرار التأخير ووصول نحو 2500 إضافيين كل شهر. وتضم المخيمات الآن ثلاثة أمثال الأعداد التي كانت تضمها وقت إبرام الاتفاق ومثلي طاقتها الاستيعابية.
ويلقي الاتحاد الأوروبي باللوم في التأخير على الافتقار للكفاءة في إدارة الأمر في اليونان.
وقالت مفوضية الاتحاد الأوروبي في تقرير عن مدى التقدم الذي تم إحرازه "هدف ضمان العودة... تعطل بدرجة كبيرة بسبب بطء وتيرة معالجة طلبات اللجوء من جانب إدارة اللجوء اليونانية في المقام الأول وبطء تعامل هيئة الطعون اليونانية المشكلة حديثا مع الطعون."
وأضافت "هناك حاجة عاجلة لأن تبذل الإدارة اليونانية مزيدا من الجهد لبناء قدرة أكبر وأكثر استدامة لإعادة المهاجرين الواصلين وهو ما يعتبر عامل الردع الرئيسي للمهاجرين غير الشرعيين والمهربين."
وتقول أثينا إن كاهلها ينوء بالأعباء ولا يمكنها تسريع العملية المرهقة المتمثلة في تقييم الطلبات. وطلبت من الاتحاد الأوروبي إرسال عاملين إضافيين لكن مسؤولي الاتحاد يقولون إن ذلك لن يفيد دون أن تبذل اليونان جهدا إضافيا لتحسين نظامها.
وتشير لقاءات مع طالبي لجوء ومسؤولين معنيين بالعملية إلى أن الطاقم اليوناني مثقل بالأعباء بالفعل لكن البيروقراطية وغياب الكفاءة وعدم وجود خطة موحدة للعمل في مختلف مخيمات اللاجئين وطول إجراءات الطعن مسؤولة كذلك عن التأخير.
هرب أمير وولاء وطفلاهما من مدينة حمص السورية إلى تركيا ووصلوا إلى شاطئ على جزيرة تشيوس اليونانية في مارس .
ويقولان إنهم وصلوا الشاطئ قبل يوم من الاتفاق مع تركيا لكن الشرطة لم تسجل وصولهم إلا في اليوم التالي الأمر الذي وضعهم تحت طائلة القواعد الجديدة.
وقالت ولاء بابتسامة باهتة "نحن منحوسون". واستغرق شقيقاها أسبوعين للوصول إلى ألمانيا من اليونان قبل إغلاق الحدود البرية.
ويقول زوجها أمير "كنا في القارب وكانت (المستشارة الألمانية أنجيلا) ميركل وتركيا تتممان الاتفاق."
ومن المفترض أن يكون التعامل مع ملف لجوء هذه الأسرة أسهل من ملفات كثيرين آخرين، فأفراد هذه الأسرة يملكون جوازات سفرهم ولا يحتاجون لإثبات هوياتهم، لكن لا يزال أمامهم شهور قبل أن يحصلوا على رد.
وفي الأسابيع الأولى التي أمضوها في اليونان حصلت الأسرة على الرقم 10624، وكل يوم ينهض الزوجان من خيمتهما ويتوجهان ناحية لوحة إخطارات في لهفة على أمل رؤية الرقم.
وإذا كان الرقم موجودا فهذا يعني أن عليهما أن يسيرا أو يستقلا حافلة إلى المخيم الرئيسي على الجزيرة على بعد بضعة كيلومترات وأن يقفا في طابور عند مركز نظر الطلبات وهو عبارة عن عدد من الحاويات المعدة مسبقا والمرتبة داخل مصنع مهجور للألومنيوم.
وأمضى الزوجان أربعة أشهر في الخيمة قبل أن ينشر رقمهما أخيرا على لوحة الإعلانات معلنا استدعائهما للقاء لتحديد هوياتهما حيث تجلس السلطات معهما أخيرا لتسأل عن أسمائهما وتسجل بصمات أصابعهما.
وبعد ستة أشهر من وصولهما أبلغا أخيرا بموعد أول مقابلة فعلية معهما وهو السادس من ديسمبر ، وأصبح من حقهما أيضا أن يغادرا المخيم وينتقلا إلى أثينا لحين نظر قضيتهما، والآن تعيش الأسرة في مدرسة مهجورة في أثينا يجوبها المهربون ويعرضون العبور إلى شمال أوروبا مقابل ألف دولار.
وتقول ولاء وقد خفضت بصرها للأرض "نحن ننتظر. كل يوم لا نفعل سوى الانتظار، لا أعرف لماذا" ، وطلبت هي وزوجها عدم نشر باقي اسميهما لحماية أقاربهما في سوريا.
وتقول المنظمات الإنسانية على الأرض إن سوء التنسيق يؤخر سير الأمور على الجزر وهو استنتاج يدعمه تقرير مفوضية الاتحاد الأوروبي الذي حث اليونان على إنشاء إدارة موحدة للمخيمات.
وعادة ما تخضع إدارة المخيمات للمجالس المحلية أو الحكومة المركزية بينما يتولى نظر الطلبات وإجراء المقابلات أساسا مسؤولون من وكالة الحدود الأوروبية فرونتكس والمكتب الأوروبي لدعم اللجوء.
ويقول طالبو اللجوء إنهم يحصلون على معلومات متضاربة ويعانون من نقص المترجمين. ويستخدم أحد المخيمات مكبر صوت لدعوة الناس إلى المواعيد الخاصة بهم وإذا لم يسمعوا النداء فإنهم يفقدون دورهم.
ويتخذ مسؤولو فرونتكس والمكتب الأوروبي لدعم اللجوء إجراءات مكثفة غير عادية لتأكيد هوية أو التحقق من روايات طالبي اللجوء، وإذا قال شخص لا يحمل وثائق إنه من سوريا فسيطلب منه على سبيل المثال أن يذكر أسماء شوارع والتعرف على معالم رئيسية أو انتقاء عملات سورية من بين مجموعة من العملات المختلفة.
تسببت فترات الانتظار الطويلة والأوضاع المزرية في بعض المخيمات في تحول الإحباط إلى عنف، وعلى جزيرتي تشيوس وليسبوس في الأيام الأخيرة هاجم طالبو لجوء مباني المكتب الأوروبي لدعم اللجوء احتجاجا على التأخير، ولم تستأنف المقابلات هناك بعد.
وقال جان بيير شيمبري المتحدث باسم المكتب إن المكتب نشر 202 من الموظفين في اليونان ودعا لنشر مئة آخرين لكن الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي لم تستجب لهذا الطلب حتى الآن، وطلبت اليونان مرارا زيادة العدد.
ويسمح النظام القانوني اليوناني بعمليات استئناف تفصيلية يقول الاتحاد الأوروبي إنها بطيئة للغاية.
واستجابت اليونان في يونيو حزيران بإرسال مزيد من القضاة ليحلوا محل الموظفين الحكوميين والعاملين لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين أو المفوضية اليونانية لحقوق الإنسان الذين كانوا يعملون في لجان الطعون.
ووفقا لتقرير مفوضية الاتحاد الأوروبي يبدو أن المجالس الجديدة تتحرك بسرعة أكبر قليلا فقد اتخذت 35 قرارا في أول شهر مقارنة باثنين وسبعين قرارا اتخذتها المجالس القديمة في الشهور الثلاثة الأولى من الاتفاق. ولم يحدد التقرير ما هي القرارات التي اتخذت.
والجزء الأكثر إثارة للجدل في تلك العملية هو تحديد إمكانية إعادة أصحاب قضايا اللجوء السليمة إلى تركيا بشكل آمن وهو محور اتفاق مارس آذار. ووفقا لتقرير الاتحاد الأوروبي فقد تعاملت مجالس الطعون الجديدة مع ثلاثة على الأقل من مثل هذه القضايا حتى 18 سبتمبر وطعنت إحدى الحالات على الأقل على القرار أمام أعلى محكمة في اليونان.
ولم تعثر رويترز على أي عضو في المجالس على استعداد للتعقيب بشكل علني على العملية.
ويقول جيورجوس كوزموبولوس الباحث في منظمة العفو الدولية ومدير المنظمة السابق في اليونان "القرار الخاطئ قد يعيد شخصا ما إلى مكمن أذى حقيقي. الأمر يتعلق بالكيف وليس بالكم."