ثورة نوفمبر هى الحل

وقف أمام النافذة.. متأملًا المشهد العام فى أسف وأسى.. أدرك أن الأمر هكذا لن يستقيم.. وأن الحال لن ينصلح طالما استمر الوضع الاقتصادى بهذا التردى.. الدولة تقف حائرة، وقد تأكد للجميع أنها خسرت معركتها الأخيرة بعدما عجزت عن إيجاد الحلول.. وكل ما تقدمه مجرد مسكنات لن تحمى الوطن من التهاوى.
أخذ نفسًا عميقًا وأخرجه.. ثم استدار ونظر إليه للحظات.. أدرك أن جزءًا كبيرًا من الحل يكمن فى كيفية التخلص منه.. نعم.. "ثورة ثالثة" هى الحل.. "ثورة ثالثة" للإطاحة به أصبحت ضرورة حتمية بعدما صار عبئًا ثقيلًا وقيدًا وثيقًا كبّل وطنًا بأكمله.
اقترب منه.. مد يده والتقطه.. طالعه للمرة الألف.. يحفظ كل حرفٍ فيه عن ظهر قلب.. ولكنه فى كل مرة وكأنه يقرأه للمرة الأولى بتمعُنٍ وتركيزٍ تام عله يهتدى إلى سبيلٍ للخلاص منه.
** هو ذاك العقد البغيض الذى وقعته الدولة المصرية منذ أكثر من ثلاثين عامًا فى إذعانٍ تام.. والذى جعل من اقتصادها رهينة فى يد الشيطان، ومن ثم.. بات قرارها السياسى ناقص الأهلية خاضعًا للوصاية طائعًا صاغرًا.
**تفحص بنوده وأحكامه التى يرى آثارها فى كل لحظة تعصف باقتصاد الوطن وتهدد حاضره ومستقبله.. سَلبت أحقية الدولة فى البناء "الحقيقى" للاقتصاد.. ومن ثَم قدرتها على بناء الفرد.
** أوامر "شيطانية" عادت بالوطن عقودًا إلى الوراء:
(لا تَزرَع.. لا تَصنَع.. لا تُنتِج.. لا تُبدِع.. إلخ).
أوامر جعلته أسيرًا لدى الشيطان.. بعدما اعتمد "الاستيراد" للاحتياجات الأساسية والسلع الاستراتيچية منهجًا وعنوانًا لاقتصادٍ هَش لا يقوى على المنافسة ولا يستطع تحقيق أحلام الملايين بالعيش الكريم فى وطن يواكب.. ويتطور، وبِتنَا نحتل المراتب الأولى عالميًا فى استيراد القمح والزيت والسكر واللحوم.. إلخ، وعجزنا عن صُنع المنتج المنافس من أكبر الأشياء إلى أصغرها.
**فمُرِض الاقتصاد وفشل وتجمد، وعجز أن يقدم تعليمًا حديثًا لبناءِ أبنائهِ، فتحولت المدارس الحكومية إلى معامل تفريخ لنماذج مشوهة، إلا من رحم ربى، وهاجر الكثير من العقول المبدعة إلى خارج حدود الوطن بعدما تقطعت بهم السبل.
** وعجز عن رعايتهم صحيًا، فقهرهم الفقر والمرض والإهمال، وامتهنت آدميتهم.
** نظر إليه من جديد، وهو لا يصدق كيف من وقعه مع الشيطان طاوعه قلبه ولانت له يداه.
** وَقَرَ فى عقله ونفسه ضرورة الخلاص من هذا القيد، فهو آخر أسلحة الشيطان لكسر إرادة المصريين العائدة لتوها، بعدما فشلت أدواته الأخرى من فتنٍ وإرهابٍ وحشدٍ دولى مضاد، لم يتبق لديه سوى الضغط بكل قوته على شرايين الاقتصاد المصرى لإصابته بالشلل التام، وها هو يوشك أن يصيب هدفه بعدما ضرب روافده الرئيسية فى مقتل، فتراجعت عوائد السياحة والاستثمار الأجنبى وقناة السويس وتحويلات المصريين بالخارج تراجعًا غير مسبوق بعدما تأثرت بتضرر قطاعاتها بالمؤامرات الدائرة فى السنوات الأخيرة.. وانتهاءً بتضييق الخناق على المصريين وافتعال الأزمات بتعطيش الأسواق من السلع الأساسية، وما تنفك الدولة من حل إحداها إلا وعاجلوها بأُخرى، حولوا الدولار من عملة إلى سلعة يتهافت عليه المتآمرون والفاسدون والطامعون بشكل جنونى، وغُلت يد الدولة وقطاعها المصرفى لصالح السوق السوداء، وأصبح السكوت عن ذلك أكثر ليس له إلا نتيجة واحدة "الانهيار ثم السقوط".
**ولكن أنَّىَ له مواجهة مكائد الشيطان باقتصادٍ هش وبميزانيةٍ مهترئة تقطعت وتمزقت إلى أربعٍ.. يذهب أولها إلى أجور ومرتبات العاملين بالدولة.. وثانيها إلى سداد فوائد الدين.. وثالثها إلى الدعم بكلِ صورهِ.. ولا يتبقى إلا الرُبع الأخير الذى تستدينه الدولة سنويًا لأداء باقى واجباتها على نحو متواضع يحفظ لها ماء الوجه.
** رأى الحل بازغًا أمامه، متمثلًا فى مجموعة من القرارات والإجراءات التى لابد أن تُفَعّل بالتوازى.. ضرورة خلق أسواق جديدة وبعملات بديلة.. ثم التحرر من ذلك القيد المسمى "الدولار"، ورفع الدعم بشكلٍ تدريجى.. وضبط الأسواق منعًا للتلاعب فى الأسعار ومواجهة المتآمرين والفاسدين والطامعين بحسم وبقوة القانون.. والعمل قبل ذلك كله على استنهاض قطاعى الصناعة والزراعة.
** أيقن أن التحرر من قهر التبعية الاقتصادية بدايته "فسخ" هذا "العقد" وسداد "الشرط الجزائى" المترتب عليه.
**نعم.. سيصبح الأمر أكثر صعوبة وستزداد الأحوال المعيشية سوءًا على المصريين الذين عانوا كثيرًا ومازالوا.. وقد يُفقِدهُ الأمر جزءًا كبيرًا من شعبيته ومكانته فى قلوب المصريين.. ولكنه لم يبأه.. فعزم وتوكل.
** أيقن أن "للحرية والبناء" ثمن لابد أن يُدفع طوعًا أو كرهًا، فاستقلال القرار السياسى وامتلاك الإرادة الوطنية.. لن يكونا إلا إذا امتلكنا أقواتنا وكانت احتياجاتنا من صنع أيدينا.
** فالوطن الذى يتمناه هو للمصريين.. ويتمناه المصريون لأنفسهم.. لن يكون من العدم، وإنما بتحمل كلٍ منهم قدرًا آخر من المسئولية والمشقة والمعاناة.
** والثورة على هذا الإرث وكسر ذلك القيد لم تصبح خيارًا بعد، بل أضحت قرارًا حتميًا ومصيريًا لن يتخذه إلا فارسًا شجاعًا نبيلًا.. وهكذا هو.. وهكذا عرفناه.
** أما نحن.. فهل نعى.. هل نستطيع معه صبرًا؟؟؟
-أثق أننا بتأييدٍ من الله لنا.. ثم بشيء أصيلٍ نقىٍ ضاربٍ فى جذورنا.. "نعم نستطيع".