قال الدكتور إبراهيم العسال أستاذة الحضارة الإسلامية بجامعة قرطبة عضو لجنة التراث بالاتحاد الأندلسي أستاذ التاريخ والآثار الإسلامية، إن الوجود العربي الإسلامي في الأندلساستمر 8 قرون وانتهى بالسقوط في حمراء غرناطة يناير 1492، وهذا الوجود أثر في اللغة والفكر والثقافة والعلوم والتراث ويتفق الباحثون على أن 30% من الجذور اللغوية الإسبانية ذات أصول عربية، كما يعدون الكلمات الإسبانية ذات الأصول العربية بنحو 10 آلاف كلمة.
وتابع: هذا التأثير امتد للثقافة الشعبية حيث نجد كثير من الأمثال الشعبية في المجتمع الاسباني مرتبطة بأمثال ذكرها القرآن الكريم نفسه في بعض آياته، ومنها على سبيل المثال المثل الأسباني القائل "إن فلانًا حمار محمل بالعلوم" وهو نفس المعنى في الآية القرآنية "مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل اسفارا"، كذلك الموسيقى الأندلسية مازلت تنعم برائحة المعزوفات العربية.
وتابع: ولم تشهد أي من حضارات الدنيا معاناة كما شهدت حضارة المسلمين في الأندلس منذ لحظة السقوط في القرن الخامس عشر حتى بعض الأحداث المتفرقة في السنوات الأخيرة، ولهذا يعتبر بقاءها حتى الان احد اسرار عظمتها وشموخها وهو ما يأخذ العقل والقلب،فبدءا من لحظة سقوط بني الأحمر في غرناطة والضربات متتالية وموجعة لكل ما هو إسلاميفي اسبانيا تدمير وقتل وتعذيب وتشويه ومحاكم تفتيش وخلافه، حتى في العصر الحديث فبعد كل حادثة إرهابيةفي اوروبا تجد بعض الأصواتالعنصرية في اسبانيا تحارب هذا التراث الخالد وتدعو إلىمحو هذا التاريخ فعلى سبيل المثال كانت هناك مطالبات بحذف اسم الجامع من مسجد قرطبة وتسميته بالكاتدرائية وهو ما لاقى اعتراضا واسعا في الأوساطالعلمية والثقافية وحالت دون ذلك وبقي الجامع باسمه المزدوج الجامع الكاتدرائية كأحدالعلامات البارزة للتراث الإسلاميفي اسبانيا وفي أوروباكلها.
واستطرد: بقاء الآثارالإسلاميةبعد كل هذا انجاز كبير، ويحسب إلىالأوساطالعلمية والثقافية هناك، فيكفي احترام العلماء الإسبانللحضارة العربية ووجود أقسام علمية كبيرة متخصصة لدراسة الفنون الإسلاميةوتاريخ الحضارة العربية هناك مثل جامعات غرناطة وإشبيليةومالقا ومدريد وبرشلونة وجامعة قرطبة التي أتشرفبالانتماء إلىقسم تاريخ الفن والآثاربها. ويكفي عليك فقط ان تمشي في شوارع قرطبة وغرناطة والمريا ومالقا وكل ضواحي الأندلسلترى الآثارالعربية والإسلاميةهنا وهناك، كذلك تماثيل العلماء العرب في كل مكان مثل ابن رشد في مدخل سور قرطبة وابن البيطار عالم الدواءالشهير في مالقا، وتماثيل عبد الرحمن الداخل والحكم المستنصر والحاجب المنصور.
وعن أهم الآثارالإسلاميةالباقية في إسبانيا حتي الآن، قال إنهعلى رأسها مسجد قرطبة الجامع ذات الابداعات المعمارية من أسقفمركبة وأروقة عمودية على جدار القبلة والتيجان القوطية، وايضا قصر الحمراء في غرناطة التحفة المعمارية فمن لم يرى الجامع والحمراء فقد فاته الكثير في فنون الزخرفة والعمارة الاسلامية. ايضا هناك القصبات الأندلسيةفي مالقا والتي كانت عبارة عن ثكنات عسكرية للدفاع عن المدن التي تقام بها، كذلك جنة العريف في غرناطة، وقصر الجعفرية في سرقسطة، وقلعة شريش في اشبيلية ومئذنة الخيرالدة في اشبيلية، وحمامات الاميرال العربية في فالنسيا.
ويكفي باحثي الحضارة الاسلامية فخرا وجود مكتبة عظمية في قلب المعقل التاريخي للبلاط الاسباني في سان لورينزو دي إسكوريال في مدريد اسمها مكتبة الاسكوريال والتي تعج بالمخطوطات العربية والاسلامية والكنوز الشاهدة على عظمة حضارة الاسلام في شتى علوم المعرفة وشاهدة على فضل العرب والمسلمين على اوروبا، وهذه المرة ليست اثار معمارية بل اثار ورقية في شكل مخطوطات.
وأشار الي ان اول عمل قامت به قوات الملكة ايزابيل وزوجها فرناندو عند دخولها آخر المعاقل العربية ،غرناطة عام 1492، هو حرق المخطوطات العربية، وشهدت ساحة باب الرملة المعروفة اليوم باسم (بيب رامبلا) في غرناطة اكبر عملية لحرق الكتب العربية، وصدر امر بمعاقبة كل من يحتفظ بكتاب عربي، فعمد الجميع الى حرق كتبهم، ويقال إن الكتب العربية بقيت فترة طويلة تستعمل في غرناطة للتدفئة، لكن الاسبان عادوا وانتبهوا الى هذا الخطأ، فعادوا يجمعون ما يمكن جمعه من المخطوطات العربية وازداد هذا الاهتمام بمرور الزمن، واخذ الكثيرون يدعون الى تصليح هذا الخطأ، فهناك الان مشروع ضخم لاجراء مسح شامل للمخطوطات العربية الموجودة حاليا في اسبانيا.
وتابع: نصف مخطوطات مدريد توجد في مكتبة الاسكوريال وفيها حوالي ألفي مخطوط عربي، كما يوجد سبع عشرة مدينة اسبانية وأهمها مدريد التي تحتفظ بـ 19 موقعا توجد فيها مخطوطات عربية،وغرناطة فيها 17 موقعا و6 مواقع في برشلونة و2 في قرطبة، بالإضافة الى مدن عديدة أخرى مثل طليطلة وسرقسطة وسالمنكا وغيرها، أما المخطوطات العربية في المكتبة الوطنية بمدريد والتي أسسها الملك فيليب الخامس عام 1711، فيها قسم خاص للمخطوطات ومنها المخطوطات العربية، واهتم بفهرستها العديدون، وكان اهمهم ميغيل روبليس ثم المستشرق درنبورغ، وحسب الوثائق المتوفرة فإن المكتبة قامت بتعيين أشخاص منذ القرن الثامن عشر لنسخ المخطوطات العربية،وكان راتبهم 16 ريالا.
وتعتبر المكتبة حاليا إحدى أهم المكتبات التاريخية في العالم، لاسيما بفضل مخطوطاتها اليونانية والعربية النادرة. لكنها خسرت الكثير من الكتب بفعل الحريق الذي اندلع في عام 1671 وأثناء حروب نابليون، ومع ذلك ما زالت تحتوي على مجموعة ثمينة تصل إلى أكثر من 40 ألف مجلد، وتعد المخطوطات العربية من أهم مجموعة المكتبة، رغم فقدانها ألفي مخطوطة بفعل الحريق، وتتنوع كتب الاسكوريال بين مخطوطات في الطب مثل كتاب الصناعة الطبية للرازي،وفي الصيدلة مثل كتاب المخدة لابن وافد، وفي النبات مثل كتاب ابن البيطار ومخطوطات في علوم القرآن والحديث واللغة والأدب، كذلك مخطوط التعريف لمن عجز عن التأليف للزهراوي وهو مخطوط في غاية الأهمية وبه رسوم الآلات الطبية الجراحية التي استعملها العرب آنذاك.