قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

«كيم فيلبي» وصمة عار المخابرات البريطانية.. قصة أشهر عميل روسي في الغرب


أعاد النزاع الحامي هذه الأيام بين بريطانيا وروسيا حول محاولة اغتيال العميل المزدوج سيرجي اسكريبال إلى الأذهان سيرة الجاسوس السوفيتي الشهير كيم فيلبي، الذي كان انكشاف أمره في الستينيات بمثابة صفعة مدوية للمخابرات البريطانية.

ومكمن الغرابة والخطورة في سيرة فيلبي هو كونه جاسوس من طراز شديد الخصوصية والفرادة، إذ لم يكن مواطنًا بريطانيًا عاديًا جندته المخابرات السوفيتية "كي جي بي"، على غرار ما تفعل أجهزة المخابرات، وإنما كان مسئولًا رفيع المستوى بالمخابرات البريطانية "إم آي 6"، بل الأكثر من ذلك كان مكلفًا من قيادته البريطانية بمكافحة نشاط المخابرات السوفيتية، التي كان يعمل فعليًا لحسابها، وهنا كانت المفارقة.

وفي معرض أقيم في موسكو في سبتمبر الماضي للاحتفال بسيرة فيلبي، قال مدير المخابرات الروسية سيرجي ناريشكين إن فيلبي كان "رجلا ذا مصير مدهش وتمتع بأعلى درجات المهنية".

وبحسب قناة "روسيا اليوم"، أوضح ناريشكين إن فيلبي اختار طوعا التعاون مع المخابرات السوفيتية، استنادا إلى معتقدات يسارية مناهضة للفاشية، ولم يشعر بالأسف على ذلك أبدا، ولا حتى مرة واحدة.

وأضافت القناة، أن فيلبي يُعتبر بحق "أخطر رجل مخابرات عرفته البشرية في القرن العشرين"، إذ بلغ من علو شأنه أن تلقى جوائز من الدكتاتور الإسباني فرانسيسكو فرانكو، والملكة البريطانية إليزابيث الثانية، وصافح مستشاري الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر وترقى في سلم العمل في المخابرات البريطانية، وكان مع كل هذا عميلًا سوفيتيًا بدوافع عقائدية وأفكار راسخة في قلبه وعقله وضميره.

وكيم فيلبي، واسمه الحقيقي هارولد أدريان راسل، مولود في مدينة أمبالا بولاية أريانا الهندية في 1 يناير 1912، لأب كان ضابطًا بالجيش البريطاني ثم دبلوماسيًا ومؤلفًا استشراقيًا اعتنق الإسلام، والتحق بجامعة كامبريدج البريطانية لدراسة التاريخ والاقتصاد، حيث بدأ يميل للشيوعية خلال دراسته، وتخرج عام 1933.

انتقل فيلبي بعد تخرجه للعمل في فيينا بمنظمة لإغاثة الضحايا الفارين من ألمانيا النازية، وهناك وقع في حب الشابة الشيوعية النمساوية ليتزي فريدمان، ذات الأصول اليهودية المجرية، وتزوجها، ويُرجح أنها هي من جندته للعمل لحساب المخابرات السوفيتية.

بعد ذلك، بحث فيلبي عن عمل بمجال الصحافة، وعندما اندلعت الحرب الأهلية الإسبانية حصل فيلبي على عمل كمراسل لصحيفة لندن وهي وكالة صحافة صغيرة لتغطية الحرب، ولكنه في الواقع كان قد أرسل إلى إسبانيا من قبل السوفييت للتجسس على الثوار ضد الجمهوريين.

وعاد فيلبي في 1939 مراسلا لصحيفة "التايمز" البريطانية، حيث كانت فرصة للتجسس على النازيين لحساب السوفيت، ثم انتقل كمراسل حربي في فرنسا، وتمكن من الدخول إلى الأسرار العسكرية الأكثر أهمية والتي كان يرسلها إلى موسكو.

وفي العام التالي 1940 عاد فيلبي إلى بريطانيا وعرض خدماته على المخابرات البريطانية، حيث أدهشته سرعة قبوله في صفوفها وقلة التحريات التي أجرتها عنه.

وأبدى فيلبي كفاءة ملحوظة في عمله، لفتت نظر رؤسائه الغافلين عن حقيقة أمره، ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية، اقترح فيلبي إنشاء مكتب مقاومة للشيوعية داخل المخابرات البريطانية، وفي الفترة ذاتها نجح في تكوين صداقات مع ضباط كبار بالمخابرات الأمريكية، كانوا موجودين في بريطانيا لغرض التعاون في مكافحة النشاط السوفيتي، وفي 1949 أصبح فيلبي ضابط الاتصال بين المخابرات البريطانية والأمريكية.

ونجح جاسوس تركي يُدعى أحمدوف أغا في تقديم معلومات للمخابرات الأمريكية أثارت الشكوك حول عمالة فيلبي للسوفيت، وعندما عاد فيلبي إلى إنجلترا واجهته المخابرات البريطانية بالمعلومات، وقرر في النهاية أن يخضع لاستجواب طويل ودقيق اضطر فيه إلى إنكار أي اتصالات له مع السوفييت.

وكبادرة حسن نية لإبعاد الشبها، قدم فيلبي استقالته من المخابرات البريطانية وعمل لفترة بالأأعمال الحرة، إلا أن دفاع عدد من كبار المسئولين عنه دفع المخابرات إلى إعادته مرة أخرى للعمل.

غير أن عميلا سوفيتيًا آخر يُدعى أناتولي جوليستن اعتقلته المخابرات البريطانية اعترف على فيلبي، الذي سارع بالهرب في يناير 1963 إلى الاتحاد السوفيتي، حيث لقي حفاوة وتكريمًا كبيرًا هناك، فمُنح لقب جنرال وتقلد وسام لينين، وعكف على كتابة مذكراته، وتوفي في 11 مايو 1988.

وبحسب "روسيا اليوم، فمن بين المفارقات الأخرى المثيرة، أن خبراء شؤون الاستخبارات الغربيين كانوا يعتقدون أنه لو لم يتم الكشف عن اختراقات فيلبي وتجسسه لصالح السوفيت، الذي اضطره للهرب إلى موسكو، فإنه كان سيتولى منصب مدير جهاز المخابرات البريطانية الخارجية في الوقت المناسب، وهو ما كان من شأنه أن ينزل ضربة قاصمة بالعمليات الاستخباراتية البريطانية والغربية في دول المعسكر الشيوعي.