يحيي ياسين يكتب : مليكتي

نعم لدى ملكة، موطأ قدميها هيام، بين خصالها مرام، عيونها تُسقط سهام، جفونها تحمل حزن وخصام، لها قلب لا ينبض إلا حنان، ففي حزني المعتاد، خطوت فوجدتها تطل بريح السماء فوقع نسيمها على نفسي فأسقطتني صريعا، جلست في حضرتها فقلت مُريني يا سيدتى أجيبك حبًا وكرامة، فضحكت فبشرتها بقلبي النابض بين يديها عبدًا مطيعًا.
كانت تتحدث بين حُمرة خجلها فيرق لها قلبي.. تسألني في المقال وأُحدث نفسي أيُ مقال يقال وأنا في حضرتك يا سيدتي أهيم، بل حدثيني عن جمالك أو نور عينيك القاتلتين
لقد رسمها عقلي "ملكة"، بل مليكة لقلبي وصرت لها عبدا حتى توقن أن لها حقا على فى أمري ، ثم تاه عقلي لوهلة قلت يا لها من فتاة تربعت بين أضلعي بنظرة هل لأنها ساحرة، أم فتن جمالها نفسي فأهوتنى مثل عُشاقها؟.
حدثيني يا مولاتي؟ إن كان الذي بك حزن فصُبي على كاهلي منه جزءًا أو كُله فأحمله، وإن كان الذي بك كرها فمريني أنزل عليه ضربا حتى تختلف أضلاعه فأُرديه صريعًا بين قدميك
جلست والخوف بعينيها تحدق كأنها للفنجان قارئة، فأرادت سماعى حتى ابتسمت وقالت انصرف هداك الله راشدا فوالله لا اسطع سماع قولك، كأن الحزن قد سخر في قلبها وتربع ، عذرا سيدتي سيأت بعد الحزن فرح عظيم
كانت "بريئة القول" تضحك وتجز على شفاهها وتبطن بين جفونها حزن دفين، تشيح بوجهها خجلا ، فإذا رفعت كفيها أشاحت للنسيم فجاء بين أصابعها مبين كأنها سخرته فبات النسيم لها مطيعًا.
غابت الملكة في ضياهي الجمع فحسبت أن قلبي غفل عنها ، صمتت فأمسكت لسانها كأنها تتثاقل فتبخل على بوصالها، لم تلحظ أنها لؤلؤة أضاءت بين عتمة الأحجار، أغمضت جفونها كأن الخجل قد حجب عنها أن تسمح لى بنظرة، سهام عينيها ارتفعت ما أن وجهتهم نحوى فنسيتُ ما المقال وفي أى شي يُقال وهمتُ معهما أشرحُ "فَن سهام عيونها".
مِلتُ فغضبت فصمتت فتجهم وجهها كأن نظراتي جاوزت خجلها فاحمرّ خدّيّها فأصبحت وردًة في تيجان الربيع متربعة، كأنها تحدثنى قائلة ويحك يا هذا ألم تر من جمال الملكات قدر إصبع فأنت مذبهل تحدق كالعاشق الولهان، فهى تُحدثنى وعقلى هائم في طيات نسيمها وربيع جمالها.
نور عينيها كالسهام يثقب القلوب، وأما عيناها فبدران يضيئان مثل خضرة الربيع بين لؤلؤ الشمس الذهبي، ملبسها يفيح منه العطر الباريسي، ضحكتها متقطعة كأنها تخفي خلفه حزن دفين، عزفت عن الدنيا كأنها ملك فى عالم بليد.
باسمة المظهر.. جريحة الجوهر.. لها عقل راجح وقلب نابض كأنها لوحة أجاد راسمها أركانها فتمثلت فى بشر يثقلون جمالها بالذهب، بل يكاد نورها أن يعتم نور الذهب فيخمده، تخطو بجناحيها كأن سلاما يجاور خطاها فيصمت مجاوريها من حسن جمالها، فالصمت فى حرم الجمال جمال.