الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كلب الست


يبدو أن "فيس بوك" صار مصدرًا رئيسيًا للثقافة والاطلاع والمعرفة، في بلادي وللوجاهة الاجتماعية أيضًا، فبدلًا من التحقق والبحث فيما نتعرض له، بات المجتمع يستقي معرفته من منشوراته، وكذلك يتبنى وجهة نظره إزاء كافة القضايا.

خطورة الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي لم تكمن في تبني وجهات النظر فقط بل حينما تحول الأمر إلى تسابق وتهافت الأشخاص، والمواقع الإخبارية ذائعة الصيت والانتشار، إلى نقل المعلومات التي توردها المنشورات المجهولة حرفيًا واعتبارها كأخبار يتم تصديرها ونشرها للقراء، على أنها الحقيقة دون سواها.

صباح الثلاثاء انتشرت صورة الطفل "محمد حسن" ضحية "كلب الست" في ضاحية مصر الجديدة كالنار في الهشيم ووصل المنشور الذي يحمل خبر تعرض الطفل إلى النهش والعقر من كلب سيدة أطلقته عليه انتقامًا لابنتها زميلته التي ضربها في المدرسة، إلى كل وسائل الإعلام حتى أن مواقع إخبارية خارجية تناقلت الخبر مرفقا بصور التلميذ مصابًا في وجهه على أنها الحقيقة الكاملة.

انتشرت صورة التلميذ بكثافة وجروحه في وجهه، وجسده، وضجت صفحات السوشيال ميديا، و"غضب الفيسبوكية" خاصة بعد التفاصيل التي اختلقها البعض حول إطلاق السيدة للكلب انتقامًا من التلميذ إثر مشاجرة نشبت بينه وابنتها.

الحقيقة التي تأكدت بعد ذلك أن الصور المنشورة مفبركة وأن حقيقة الواقعة كما حكتها والدة السيدة والتلميذ لزميلتنا رشا المنيري، "وأنا خارج من المدرسة لقيت الكلب مربوط بحبل في باب المدرسة، وصاحبته وهي بتفكه، فجأة الكلب هجم عليا لوحده ولم يصبني أي إصابات في وجهي، بل في قدمي فقط، وهي مفكتوش عليا ولا أنا اتخانقت مع بنتها، أنا ما أعرفهاش أصلا".

انتهت واقعة الطفل والسيدة بالتصالح بينها وبين عائلته، لكن لم يتصالح "الفيسبوكية" مع أنفسهم فيما ينشرونه ويتناقلونه، ومازالت أخطار ذلك الموقع الأزرق وأزماته لا تقل خطورة عن موقع بورنو في استهداف الهوية والثقافة.

كل العيب حينما يتحول الصحفي من قائد للرأي العام وموجه له وموعي ومرشد ومثقف له، إلى مجرد ناقل للأخبار دون تروٍ أو تحقق أو حتى بذل جهد فيما يُنشر ويتم تداوله.

المجتمع يتعرض يوميًا إلى جرعة كبيرة جدًا من الأخطاء والشائعات والأخطار، ورغم أنني لا أعتقد كثيرًا في نظرية المؤامرة، لكنني أكاد أجزم أن الفيس بوك هو أكبر مؤامرة تعرض لها مجتمعنا بهويته الثقافية والاجتماعية في الزمن المعاصر، لأنه بدلًا من كونه أداة للتواصل الاجتماعي صار عنصرًا للتفسخ الأسري والترابط القبلي والأهلية الاجتماعية، فحينما يجلس أبناء العائلة كل في ناحية يثبت عينيه في شاشة هاتفه المحمول يتجول بين الصفحات والمنشورات يعلق و"يليك"، وينشر، حتى أن حديث أفراد العائلة بات لا يستغرق أكثر من نصف ساعة، ثم يعود كل منا إلى "فيسه"، و"عالمه الذي اختزله في صفحة على فيس بوك.

عزيزي القارئ، الغرباء لا يزالون غرباء، والفيس بوك موقع ترفيهي وليس اجتماعيا.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط