الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عاش هنا يوثق رحلة الشيخ إمام مع الحرية والألحان الثورية.. علاقة أم كلثوم بطرده من وظيفته.. كواليس سجنه على يد عبد الناصر.. وعلاقته العاطفية بزوجة أستاذ جامعي

الشيخ إمام واحمد
الشيخ إمام واحمد فؤاد نجم

فى محافظة القاهرة وتحديدًا في 1 حارة حوش قدم متفرع من شارع الغورية – الدرب الأحمر – القاهرة، عاش الملحن الراحل الشيخ إمام، الذى وثق جهاز التنسيق الحضارى منزله، من خلال وضع لافتة على باب العقار، توضح تاريخ الميلاد: 02/07/1918 ، وتاريخ الوفاة 05/06/1995 .

يأتى ذلك فى إطار مواصلة مشروع "عاش هنا"، أحد أهم المشروعات التي يشرف عليها جهاز التنسيق الحضاري التابع لوزارة الثقافة، جهوده في توثيق المباني والأماكن التي عاش فيها الفنانون والسينمائيون وأشهر الكتاب والموسيقيون والشعراء وأهم الفنانين التشكيليين والشخصيات التاريخية، التي ساهمت في إثراء الحركة الثقافية والفنية في مصر عبر تاريخ مصر الحديث.

ولد الشيخ إمام أحمد عيسى في 2 يوليو 1918، في قرية أبو النمرس بمحافظة الجيزة لأسرة فقيرة، كان أول من يعيش لأسرته من الأبناء الذكور، حيث مات قبل ولادته 7 أبناء، أصيب في السنة الأولى من عمره بالرمد الحبيبي وفقد بصره بسبب الجهل واستعمال الوصفات البلدية في علاج عينه.

فقدان بصره لم يمنعه من تنمية بصيرته فحفظ القرآن الكريم صغيرًا على يد الشيخ عبد القادر ندا رئيس الجمعية الشرعية بأبو النمرس، وأرهف سمعه خلسة للراديو، نظرًا لأنه كان من البدع في ذلك الوقت ويمنع الاستماع له إلا إذا كان يبث القرآن، فكلفه ذلك الفصل عن الجمعية.

تفتحت أذن الشيخ، عندما كان صغيرًا كفيفًا، مبكرًا على صوت كروان السماء الشيخ محمد رفعت، فكان يحرص دائمًا على الذهاب إلى مسجد فاضل باشا بدرب الجماميز بالقاهرة، حيث الشيخ رفعت يقرأ القرآن الكريم، وعندما سمعه الشيخ رفعت ذات مرة يقرأ القرآن بصوت جهور أعجب به، ودعا له، فكان أول من تنبه بمواهبه، وعليه قام والده باصطحابه عام 1929 للدراسة بالجمعية الشرعية السنية بحى الأزهر، وظل أربع سنوات يدرس فيها، أتم خلالها حفظ القرآن الكريم، وأصبح يلقب بـ"الشيخ إمام" من حينها حتى وفاته.

فى منتصف الثلاثينيات، اشترك الشيخ إمام فى اجتماع لمجموعة من المكفوفين كان ضمنها المطرب والملحن سيد مكاوى، وكان إمام عاشقا لألحان الشيخ زكريا أحمد، وتعرف عليه عن طريق الشيخ درويش الحريرى، فتقرب منه وانضم إلى بطانته، واستعان به الشيخ زكريا فى حفظ الألحان الجديدة، واكتشاف نقاط الضعف بها، حيث كان زكريا سريع الملل لا يحب الحفظ، فاستمر معه إمام طويلا.

كان ضمن مهام "إمام" أن يحفظ ألحان الشيخ زكريا لكوكب الشرق أم كلثوم قبل أن تغنيها، وكان إمام يفاخر بهذا فى جلسات الأنس فيغنيها لأصحابه، ولما بدأت الألحان تتسرب إلى الناس قبل أن تغنيها أم كلثوم، وعرف الشيخ زكريا أحمد بهذا، على الفور قرر الاستغناء عن الشيخ إمام، ومن بعدها اتجه الشيخ إمام للعزف على العود، وتعلمه، واستفاد من موشحات شيخه درويش الحريرى، ليبدأ من هنا رحلته الطويلة مع العزف.

امتهن إمام الإنشاد وتلاوة القرآن الكريم وساعده في ذلك ذاكرته القوية، وكسائر أحداث حياته التي شكلتها الصدفة التقى الشيخ إمام بالشيخ درويش الحريري أحد كبار علماء الموسيقى، وأعجب به وتولى تعليمه الموسيقى، وقرر تعلم العزف على العود، وبالفعل تعلم على يد كامل الحمصاني، وبدأ الشيخ إمام يفكر في التلحين حتى إنه ألف كلمات ولحنها وبدأ يبتعد عن قراءة القرآن وتحول لمغن واستبدل ملابسه الأزهرية بملابس مدنية.

وفى عام 1962، التقى الشيخ إمام بأحمد فؤاد نجم، رفيق دربه، وتم التعارف بينهما عن طريق زميل لابن عم نجم كان جارًا للشيخ إمام، فعرض على نجم الذهاب للشيخ إمام والتعرف عليه، وبالفعل ذهب نجم للقاء الشيخ إمام وأعجب كلاهما بالآخر.

وعندما سأل نجم إمام لماذا لم يلحن أجابه أنه لا يجد كلاما يشجعه، وبدأت الثنائية بينهما وتأسست شراكة دامت سنوات طويلة، ويُعتبر أن الدور المباشر الذي لعب الشاعر أحمد فؤاد نجم في حِراك الشارع العربي هو بفضل عبقرية الشيخ إمام، والتف حولهما المثقفون والصحفيون وذاع صيت الثنائي، ومن أشهر أغانيهم «أنا أتوب عن حبك أنا»، و«عشق الصبايا»، و«ساعة العصاري»، وانضم لهم عازف الإيقاع محمد على.

تأثر الشيخ إمام كغيره من المصريين بهزيمة حرب يونيو 1967، وسادت نغمة السخرية والانهزامية بعض أغانيه، وانتشرت القصائد كالنار في الهشيم داخل وخارج مصر، واستوعبت الدولة الشيخ وفرقته في البداية لكن سرعان ما انقلب الحال بعد هجوم الأغاني على الأحكام التي برأت المسؤولين عن الهزيمة.

قُبض علي الشيخ إمام ومعه أحمد فؤاد نجم وتم محاكمتهما بتهمة تعاطي الحشيش عام 1969، ولكن القاضي أطلق سراحهما، وظلا ملاحقين أمنيًا حتى حكم عليهما بالسجن المؤبد ليكون الشيخ أول سجين بسبب الغناء في تاريخ الثقافة العربية.

قضى الشيخ إمام وأحمد نجم الفترة من هزيمة يونيو حتى نصر أكتوبر في الانتقال من سجن إلى آخر، وغنى خلال هذه الفترة أغنيته الشهيرة "شيد قصورك"، وبعد موت الرئيس المصري جمال عبد الناصر، أفرج عنهما، لكن ذلك لم يمنعهم من نقد خلفه أنور السادات بّأغاني أشد حدة وأكثر جرأة، ليلقيا نفس المصير السجن.

كان الشيخ إمام متكتما على حياته العاطفية، عاش، بشهادة الكاتب منجي الطيب الوسلاتي، قصة حب من طرف واحد ألهمته كثيرا فكتب في حبيبته التي لا نعرف هويتها أغنية "فرّح فؤاد الحبيب" وهي من الأغنيات القليلة التي كتبها إمام بنفسه. كما عاش قصة حب ثانية مع امرأة ثريّة متزوجة من أستاذ جامعيّ معروف في مصر. جمعتهما في البداية علاقة صداقة تطوّرت لتصبح قصة حبّ حقيقية كانت من بين الأسباب القوية في خلاف إمام ونجم الذي كان يعتقد بأن هذه المرأة ستأخذ منه رفيق العمر، لكن حبيبة إمام كان همّها أن تساعده على تسجيل أغانيه والتعريف به وبفضلها يمكننا الآن الاستماع إلى بعض التسجيلات النقية بصوت "مولاي".

وبعدما تجاوز السبعين توفي إثر العزلة والاعتكاف في حجرته المتواضعة بحي الغورية في 7 يونيو تاركا خلفه أعمالا فنية نادرة.

لحن وغني العديد من الأغنيات من أشهرها: مصر يا امه يا بهية – جيفارا –غنوة سلام – شرفت يا نيكسون بابا – فالري جيسكار دستان – بعد السلام والمرحبة – حارتنا – دور يا كلام - كما لحن أغنيات بعض الأعمال المسرحية، منها: مسرحيتا العقد و البانوراما .

جدير بالذكر أن مشروع "عاش هنا" يتم بالتعاون مع الجهات والمؤسسات الفنية، ويستعان خلالها بالمُهتمين بتوثيق التراث الثقافي والفني في مصر لتدقيق المعلومات والبيانات التي يتم تجميعها.