الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. محمد إبراهيم العشماوي يكتب: اللطف الإلهي وتربية النشء

صدى البلد

أجمع المربون في هذا العصر على أن الوالدين لا يستطيعان توجيه أبنائهما على النحو الذي يريدان تماما؛ وذلك لكثرة العوامل المؤثرة في التربية، داخليا وخارجيا، مما لا يقع تحت سيطرة الوالدين!

فلم يبق إلا اللطف الإلهي لحفظ النشء من عوامل الانحراف والانجراف!

فنحن نغرس في أبنائنا ما نريد غرسه من القيم والأخلاق والمبادئ، ثم نتركهم أمانة في يد الله، يحفظهم من عوادي الزمان، ومكر الشيطان!

ومهما بالغنا في الاحتياط لهم؛ فالعوامل المؤثرة أقوى من احتياطنا، غير أن الله لا يضيع عمل عامل من ذكر وأنثى، "وما كان الله ليضيع إيمانكم؛ إن الله بالناس لرؤوف رحيم"!

إذا لم تصادف في بنيك عناية
فقد كذب الراجي وخاب المؤمل!

فموسى الذي رباه جبريل كافر
وموسى الذي رباه فرعون مرسل!

وللطف الإلهي تصاريف عجيبة يحار العقل في فهمها، ويعجز الفهم عن إدراكها، حتى إن العبد لينجو باللطف وقد أحاطت به أسباب الهلاك، وانقطعت عنه أسباب النجاة، حتى أيقن وأيقن الناس من حوله أنه هالك لا محالة!

ومن قديم ما حفظت في هذا المعنى؛ قول شاعر المرجئة - كما ذكره شيخ الإسلام البرهان البيجوري في(شرح جوهرة التوحيد) -:

ما حيلة العبد والأقدار جارية
عليه في كل حال أيها الرائي؟!

ألقاه في اليم مكتوفا وقال له
إياك إياك أن تبتل بالماء!

فأجابه شاعر أهل السنة بقوله:

إن حفه اللطف لم يمسسه من بلل
ولم يبال بتكتيف وإلقاء!

وإن يكن قدر المولى بغرقته
فهو الغريق ولو ألقي بصحراء!

خطرت لي هذه الخاطرة وأنا في محل الحلاق، أحلق رأسي، وكان الحلاق طفلا في المرحلة الإعدادية، عرفت منه أن له خمس سنوات في هذه المهنة، وأنه متفوق في دراسته، بارع في مهنته، وأنه ينفق منها على أسرته البسيطة، وبدا لي الطفل كأنه رجل قد حنكته التجارب، وذكرني بنفسي حينما كنت في مثل سنه، فدعوت له بالبركة، وحكيت له تجربتي تشجيعا له!

هذا الطفل - مثلا - وهو لا يملك هاتفا جوالا كأقرانه، ولا يلهو ويلعب كإخوانه؛ نموذج واضح على اللطف الإلهي في هذا العصر الفاتن الماجن الساحق الماحق!

أسأل الله أن يكثر من أمثاله، وأن يبارك فيه وفي أولاد المسلمين، وأن يحفظهم من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يلطف بهم وبأهليهم؛ إنه هو البر الرحيم!