كنائس وحصن ودكسار.. كنوز التاريخ في دير أنطونيوس بالبحر الأحمر

يحتوي دير الأنبا أنطونيوس في البحر الأحمر على مجموعة رائعة من الكنائس الأثرية والتاريخية،والتي كشف لنا تاريخها الدكتور محمد عبد اللطيف أستاذ الآثار الإسلامية والقبطية بجامعة المنصورة ومساعد وزير الآثار السابق.
وقال الدكتور محمد عبد اللطيف إنه على رأس الكنائس الأثرية كنيسة الرسل التي تحدث عنها "فانسليب"،ومعنى ذلك أنها بُنيت قبل عام 1670م،ويغلب أنها شيدت عام 1480م بواسطة شخص يسمى "لطف الله شاكر"،بدليل ما هو مكتوب على الكنيسة نفسها وبدليل تشابه الكنيسة مع كنيسة الملاك بدير الأنبا بولا وتلك الكنيسة كان قد بناها الشخص المذكور نفسه.
والكنيسة المذكورة تنقسم إلى أربعة أقسام متساوية يعلو كل منها ثلاث قباب وتنفصل عن بعضها البعض بواسطة حاجزين من الخشب وارتفاعها متران ونصف. أما حجاب الهيكل وارتفاعه أربعة أمتار وهو من الخشب المطعم بالعاج فيقال أنه صنع فى مدينة أخميم.
وكنيسة العذراء المبنية فى الطابق الثانى من الدير،وتمتاز بصغرها ولا يستعملها الرهبان فى الصلاة إلا نادرًا،وبها ثلاثة أقسام لها حاجز يفصل القسم الأول عن الثانى وهو من الخشب تعلوه صور أثرية منها صورة تمثل اجتماع القديسين أنطونيوس وبولا.
وكنيسة الأنبا مرقس التي شيدت على اسم القديس مرقس ويغلب أنه كان من رهبان الدير الأتقياء ، وبُنيت غالبًا فى القرن السابع عشر الميلادى،وتقع فى وسط الحديقة بعيدة عن المبانى،ويوجد قبره فى هذه الكنيسة. وقد تناول "فانسليب" ذكر هذه الكنيسة عند زيارته مما يدل على أنها أنشئت قبل حضوره إلى الدير المذكور.
وكنيسة القديس أنطونيوس،ولعلها أقدم المبانى فى الدير وربما أنشئت فى حياة القديس أو بعد وفاته بقليل،وقد ظلت حافظة لشكلها حتى اليوم رغم الأجيال وتقلبات الزمن التى مرت عليها وهجمات البدو،وحوائطها مزينة بصور الفرسكات القديمة وأغلبها مطموس المعالم بسبب آثار الدخان على جدرانها.
ومع ذلك ظلت على حالتها حتى وقتنا هذا محافظة للشكل الأصلى،أما طول الكنيسة فعشرون مترًا وعرضها عشرة أمتار. وتنقسم من الداخل إلى أربعة أقسام،قسمان منها للمصلين ثم قسم للشيوخ والكهنة والرابع به الهياكل الثلاثة. ويعلو كل قسم منها قبة واحدة.
أما القسم الثالث من الكنيسة ويعلو درجتين عن القسمين السابقين ويفصله عن القسم الثانى حاجز خشبى وفوقه عارضة مثبتة بجدار الكنيسة وبها صور عديدة. ثم يتدلى أمام الهيكل مصابيح قديمة من الزجاج الملون وبيض النعام مثلما نشاهده دائمًا فى أغلب الكنائس القبطية القديمة،والقسم الرابع حيث توجد الهياكل فتعلوه ثلاث قباب، ويلاحظ أن القسم الأول من الكنيسة هو أوسعها وأكثرها انخفاضا ويكثر على جدرانه الرسوم الجصية الدينية .
وكنيسة بطرس وبولس وتتصل بكنيسة القديس أنطونيوس بدهليز طويل يستخدمه الرهبان للصلاة فى شهر كيهك"ديسمبر ويناير "لقلة الرطوبة فيه ولوقايته من كل جانب.
وقال عبد اللطيف إنه أيضا من الأماكن الهامة فى دير أنطونيوس الحصن وتبلغ مساحته 200 متر مربع وارتفاعه 15 مترا ومكون من ثلاث طبقات،وتوجد فى أعلاه الكنيسة وهى على هيئة هيكل يكرس دائمًا على اسم الملاك ميخائيل،ومثله أيضًا موجود بدير الأنبا بولا أى بالحصن والسبب أن الملاك المذكور هو حامى المعذبين من أجل التمسك بأهداب الدين.
ومكانه عادة فى قلب كل دير من الأديرة القديمة ليلجأ إليه الرهبان إذا هددهم البدو بالهجوم وهم فى مجاهل الصحراء وقرب سفوح الجبال،فكانوا يقيمون بداخله حتى تزول موجة الأخطار. وهو عبارة عن بناء عجيب مرتفع أشبه بالطابية ولا يمكن الوصول إليه إذا أحكم النساك إغلاقه. والباب الذى يمكن الوصول إليه لا يفتح إلا فى الطابق الثانى.
وهذه الحصون لا تزال موجودة فى الأديرة القديمة إلى الآن رغم عدم استعمالها،وهى توضح مدى ما كان يتعرض له الرهبان من الهجوم عليهم من البدو وغيرهم من اللصوص فى تلك الأزمان،فكانوا عندما يشعرون بخطورة الحال يدخل الرهبان الحصن بعدما يجمعون معهم كل ما يهمهم من الأشياء التى تلزمهم من أطعمة وشموع ووقود وزيوت،ثم يسرعون برفع القنطرة بواسطة جنزير مثبت فى نهايتها ويدور حول بكرة مثبتة بالدور الثالث من الحصن.
ثم يغلق الباب غلقًا محكما فيصبح الحصن أشبه بقلعة منيعة تصعب مهاجمتها،وكانوا يحتاطون لتوفير الماء اللازم لديهم بمد أنابيب فخارية تحت الأرض تصل عين الماء بصهريج فى الحصن،حتى يحصلون على الماء وهم بعيدون عن الأخطار،وكانوا أحيانًا يحفرون فى داخل منطقة الحصن للوصول إلى بئر تكفى حاجتهم من الماء وهم أمان بداخله أيضًا.
وكثيرًا ما كانوا يقيمون فترات طويلة داخل الحصن يبتهلون إلى ربهم أن يزيل عنهم هذه الغمة،وكذلك من الأماكن المهمة مخزن الغلال ويطلق عليها "الدكسار" تحفظ فيه الحبوب التى تلزم لسكان الدير طول العام ويقع مكانه داخل الدير تحت الساقية مباشرة.
وأضاف:وهناك مخزن الوقود عند مدخل الدير مباشرة ناحية اليسار،ومساحته تقترب من الفدان وفيه يخزن الرهبان الوقود فى وقت محدود من العام،فيخرج الرهبان بجمالهم إلى أماكن بعيدة لجمع النباتات الجافة كالبوص والأشجار الجافة اللازم لهم طوال العام،ونظرًا لأعمالهم الكثيرة وأحمالهم كانوا يضطرون إلى فتح باب الدير الموصد فى هذا الوقت من السنة لسهولة إدخال أحمالهم إليه.