الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أردوغان يصبغ سياسته الخارجية بـ الكاكي.. الجيش التركي يتحول إلى استثمار خاص للرئيس.. وشخصنة العلاقات الدولية تقود أنقرة إلى عزلة متزايدة

الرئيس التركي رجب
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

أردوغان ينسب الفضل لنفسه في أي إنجاز خارجي ويتملص من الإخفاقات
احتكار أردوغان لقرار السياسة الخارجية حولها إلى سلسلة من التقلبات المفاجئة 
سياسة أردوغان قوضت الطابع المؤسسي لوزارة الخارجية واستبدلته بطابع شخصي
أردوغان يستثمر مغامراته العسكرية في الخارج لإبعاد الجيش عن الشأن الداخلي


منذ مطلع سبتمبر الجاري، تُسمع في وسائل الإعلام التركية الموالية للرئيس رجب طيب أردوغان نغمات طبول حرب مع تصاعد التوترات مع اليونان بشأن الخلافات الإقليمية والتنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط.



وبحسب موقع "المونيتور" الأمريكي، كانت وسائل الإعلام الموالية للحكومة التركية على وجه الخصوص تعج بالتعليقات حول كيفية تفوق القوة العسكرية لتركيا على قوة اليونان وكيف ستفوز تركيا بسهولة في أي حرب محتملة مع جارتها.


وبشكل مفاجئ، تحولت قبل أيام لهجة وسائل الإعلام التركية من التصعيد والتحريض إلى الدفع باتجاه التهدئة، وشرع نفس المعلقين الموالين للحكومة والجنرالات المتقاعدين يشيدون الآن بمزايا الدبلوماسية والحوار بينما يتهمون الداعين إلى التصعيد مع اليونان بتشجيع التوترات والحرب.


وأضاف الموقع أن مثل هذه الانعطافات المفاجئة في مسائل رئيسية تتعلق بالمصلحة الوطنية أصبحت متكررة بشكل مقلق في تركيا منذ أن تولى الرئيس رجب طيب أردوغان منصب الرئاسة عام 2018، مما يدل على أن سياسة أنقرة الخارجية وقعت في فخ التخطيط قصير المدى وأصبحت غير قابلة للتنبؤ بها بشكل متزايد. ووسط هذه التحولات المتكررة ونشاز الرسائل، أصبحت السياسة الخارجية في أنقرة اليوم عالمًا من التناقض والارتباك.


وخلال العامين الماضيين، ادعى أردوغان لنفسه الفضل في أي تحرك جريء في سياسة تركيا الخارجية، بما في ذلك العملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا في أكتوبر 2019، واتفاقها البحري مع حكومة الوفاق الليبية في الشهر التالي، والجهود المبذولة لتأكيد وجودها في أفريقيا وشرق البحر المتوسط.


ولكن عندما يتعلق الأمر بوقائع محرجة مثل رد واشنطن على شراء أنقرة أنظمة دفاع جوي روسية، أو رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الصاخبة إلى أردوغان بشأن سوريا، أو مقتل 36 جنديًا تركيًا في غارة في إدلب أو تسليح اليونان لجزر بحر إيجة بالقرب من سواحل تركيا، تختفي سيرة أردوغان ولا أحد يحمله مسئولية هذه النتائج أمام الجمهور.


وباختصار، أصبحت السياسة الخارجية التركية أداة لتلميع صورة أردوغان، والنتيجة هي سياسة خارجية شخصية للغاية. وفي 17 سبتمبر على سبيل المثال، صاغ المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم قالن قرار أنقرة بسحب سفينة أبحاث من المياه المتنازع عليها في البحر الأبيض المتوسط كبادرة شخصية من أردوغان لليونان، قائلًا "لقد أعطى رئيسنا فرصة للدبلوماسية مرة أخرى. ونأمل أن يستغل الجانب اليوناني هذا كفرصة لدفع المحادثات قدما".


ويتمثل أحد التداعيات الخطيرة لموقف أردوغان في السياسة الخارجية، والتي أصبحت تعكس مزاجيته المتقلبة واستقطابات السياسة الداخلية، في تآكل صنع القرار المؤسسي والتنفيذ في مسائل السياسة الخارجية، وتضررت القدرة المؤسسية لوزارة الخارجية بشكل خطير وتم تسييسها بشكل مفرط، بما في ذلك من خلال التعيينات والترقيات على أساس المحسوبية.


وأوضح الموقع أنه منذ عام 2018، اتسعت الفجوة بين أحلام أنقرة أو رغباتها والواقع على الأرض، وشرعت تركيا في رسم سياسة خارجية على أساس اعتبار بقية اللاعبين الدوليين متآمرين ضدها، بدلًا من السياسة الخارجية القائمة على قدرتها الاقتصادية والعسكرية الحقيقية. وبسبب فشلها في تطوير إطار عمل واقعي وعقلاني واستراتيجي، أصبحت تركيا معزولة بشكل متزايد وتحاول التعويض عن وحدتها المحفوفة بالمخاطر بالنشاط العسكري.


مع ذلك، لا يأبه أردوغان كثيرًا لهذه العزلة الدولية، ولا يكف عن إبداء استعداده الدائم لاستخدام القوة العسكرية كخيار أول لحل المشاكل بدلًا من المسار الدبلوماسي.


ورصد الموقع عددًا من العوامل الداخلية التي ساعدت على عسكرة السياسة الخارجية. فأولًا، أصبحت السياسة الخارجية بندًا حاسمًا في الأجندة السياسية لأنقرة منذ تحول نظام الحكم إلى النظام الرئاسي عام 2018، فالعمليات العسكرية عادة ما تساعد في تحفيز المشاعر الوطنية، وبشكل خاص ساعد احتضان أردوغان لخطاب أكثر قومية في الداخل على تعزيز تحالفه الفعلي مع حزب الحركة القومية المتطرف.


وثانيًا، يحظى الانتشار العسكري في الخارج بشعبية لدى القوات المسلحة نفسها، حيث يعزز الروح المعنوية والتحفيز من خلال الأجور الإضافية وفرص الترقية ويوفر خبرة قيمة في عمليات القوات المشتركة.

وثالثًا، تلعب عسكرة السياسة الخارجية دورًا كبيرًا في تنسيق العلاقات بين القيادة العسكرية والمدنية، اللتين تتفقان على الحاجة إلى تعزيز القدرات العسكرية التركية والصناعة الدفاعية. وبشكل خاص يأمل الجناح المدني في السلطة أن تنشغل المؤسسة العسكرية بالعمليات الخارجية فيتسع المجال للجناح المدني لتعزيز هيمنته على الشأن الداخلي.

وفي الداخل التركي، يشعر الكثيرون بالقلق من أن التبجح العسكري سيثبت في النهاية أنه يأتي بنتائج عكسية، ويتخوف العديد من الأتراك من أن بلادهم ستنجر إلى صراع لا يشمل القوى الإقليمية فحسب، بل القوى الدولية أيضًا، ومكمن الخوف هو أن المواجهة الساخنة في البحر الأبيض المتوسط يمكن أن تظهر بشكل صارخ كيف أصبحت تركيا أردوغان معزولة سياسيًا.