الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

دور دول «التعاون» في الأزمة الإيرانية



لم يعد هناك شك في أن لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية دور حيوي يجب أن تلعبه في أي مفاوضات مقبلة مع النظام الايراني، وهذا الدور ليس مرهونًا بموافقة الملالي في طهران أو رفضهم، لأن أي جهد دولي يستهدف تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط يجب ألا يغفل رؤية دول "التعاون" لكيفية تحقيق ذلك، باعتبار هذه الدول الطرف الأكثر تضررًا من سلوكيات نظام الملالي منذ قيام ثورة الخميني عام 1979.
من المؤكد أن إيران ستعترض على إشتراك دول المنطقة في أي مفاوضات مقبلة، لأن هذه المشاركة تعني ببساطة مناقشة السلوك الايراني في الاقليم، وهو ما يحرص الملالي على إبعاده عن طاولة النقاش الدولي، لأن الملالي سيوظفون مشروعهم التوسعي الطائفي، وتمددهم وتواجدهم العسكري في دول عربية مجاورة من خلال ميلشيات طائفية تسببت في نشر الفوضى والاضطرابات في هذه الدول حتى الآن؛ ولذلك فإن من الضروري تمسك القوى الدولية بوجود دول "التعاون" في أي مفاوضات محتملة مع إيران، ومن الضروري كذلك أن تبلور هذه الدول آليات وبدائل ومقترحات سواء بشأن طبيعة دورها في التفاوض، وهل يكون من خلال الحضور والمشاركة الفعلية كما حدث بالنسبة للمحادثات السداسية مع كوريا الشمالية، التي جرت في السابق وشاركت فيها الولايات المتحدة وروسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية، أي دور الجوار الكوري الشمالي، أم من خلال التنسيق بين هذه الدول وممثلي الدول الخمس الأعضاء في مجموعة "5+1"، أو تشارك بصفة "مراقب"، أو غير ذلك من صور المشاركة التي تضمن الاستماع إلى صوت دول مجلس التعاون، وأخذ هواجسها وشواغلها المتعلقة بالأمن الاقليمي في الاعتبار.
الواقع يقول أن نظام الملالي الايراني يبدو في موقف حساس للغاية لاعتبارات عدة في مقدمتها التأثير المتفاقم للعقوبات الصارمة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي لا يمكن للاقتصاد الايراني تحملها لسنوات أخرى، بالاضافة إلى رغبة رؤوس النظام في الاستفادة من رغبة الرئيس المنتخب جو بايدن في العودة إلى الاتفاق النووي، حيث دفعتهم تلك الرغبة إلى ممارسة سياسة الصبر الاستراتيجي وضبط النفس لأقصى درجة بغية التوصل إلى صفقة مناسبة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، وهو ما يتطلب من الولايات المتحدة وشركائها في المفاوضات وضع شروط جديدة تضمن التوصل إلى صيغة متكاملة تحقق الأمن الاقليمي والدولي، وتكبح جماح التهديدات الايرانية لدول الجوار.
من المهم أيضًا أن تبني إدارة الرئيس بايدن على ماسبق بشأن تعامل إدارة ترامب مع الملف الايراني، فليس من الصواب تجاهل الأثر الذي حققته العقوبات الأمريكية حتى الآن، بمعنى أنه لا يجب المبادرة برفع هذه العقوبات قبل التوصل إلى اتفاق جديد مع الملالي، لأن العودة الأمريكية السريعة وغير المشروطة للاتفاق ـ إن حدثت ـ فستكون كلفتها السياسية باهظة بالنسبة للإدارة الجديدة، سواء على الصعيد الداخلي أو على صعيد علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها الاستراتيجيين في منطقة الشرق الأوسط، وفي مقدمتهم بطبيعة الحال اسرائيل ودول مجلس التعاون.
ولاشك أن انتخابات الرئاسة الايرانية التي ستعقد في منتصف يونيو المقبل لها دور كبير في إدارة العلاقات مع الولايات المتحدة خلال الأشهر القلائل المقبلة، فالرئيس حسن روحاني يسعى إلى تحقيق انتصار سياسي كبير من خلال ضمان عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي، ومنافسيه من التيار المحافظ يعملون بكل قوة على عرقلة هذه العودة بأي شكل على الأقل في المدى المنظور، ولكن هناك عوامل داخلية أخرى ضاغطة على كلا الطرفين، منها التقارير التي تشير إلى تدهور صحة المرشد الايراني الأعلى علي خامنئي،  وبالتالي تصبح إيران أمام استحقاقين كبيرين هما اختيار المرشد والرئيس، وهذا يجعل الصراع السياسي على أشده، بل يضع استقرار النظام ذاته أمام اختبار شائك، لاسيما في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وعدم وجود قيادة كاريزمية قادرة على حشد مختلف القوى السياسية ورائها.
الشواهد تقول أن الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف يعتمدان في المرحلة الراهنة على اقناع فريق الرئيس بايدن بعدم تفويت الفرصة القائمة حتى يونيو المقبل، وتفادي احتمالية وصول رئيس متشدد للسلطة في إيران، ولكن الحقيقة أن هوية الفريق الحاكم في إيران لا تغير في الأمر كثيرًا، ويجب ألا تقع إدارة الرئيس بايدن في فخ صراع الأجنحة ولا تترك نفسها فريسة لما يصدّره الملالي بشأن ثنائية المتشددين والاصلاحيين في إيران، فالكل خاضع لقرار ولي الفقيه، الذي يمثل قمة هرم السلطة، وله الولاية الكبرى على شؤون البلاد كافة، بما فيها أمور السياسة الخارجية، التي لا يمكن للرئيس وحكومته التصرف فيها من دون ضوء أخضر من المرشد، وبالتالي فلا يهم من يجلس على كرسي الرئاسة، رغم أن هذا الأمر له تأثير نسبي على أجواء التفاوض وليس على قراراتها ونتائجها، فالغرب يفضل بالتأكيد التعامل مع دبلوماسيين محترفين، وليس مع قادة ميلشيا الحرس الثوري، حتى وإن كان الجميع يتلقى التعليمات من مصدر واحد.
وإذا كان الرئيس المنتخب بايدن يفكر في انهاء أزمة الملف النووي الايراني وتحقيق مكسب سياسي سريع والتفرغ لمعالجة قضايا داخلية صعبة مثل تفشي جائحة "كورونا" وما خلفته من آثار وتداعيات على الاقتصاد الأمريكي، فإن من المهم الانتباه إلى أن العودة غير المشروطة للاتفاق النووي ستكون خطا استراتيجي بكل المقاييس، وعلى دول مجلس التعاون التواصل مع الإدارة الأمريكية الجديدة للتفاهم وتنسيق الخطوات المقبلة، لأن المسألة الايراني أعقد بمراحل من قرار عودة الولايات المتحدة للاتفاق، ولأن هذه العودة ستهدر الأثر الذي تحقق للعقوبات الصارمة خلال السنوات الماضية، فضلًا عن أنها تعزز الموقف التفاوضي الايراني، وتحول دون الضغط على الملالي وصولًا لاتفاق أكثر شمولًا يتضمن مختلف القضايا الاقليمية ذات الصلة بالنفوذ الايراني، فالأمر لا يتوقف على البرنامج النووي، بل يتضمن  انهاء التوسع والتدخل العسكري الايراني في دول الجوار واحترام سيادة الدول الأخرى، والبرنامج الصاروخي الايراني، والتزام إيران بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
الحقيقة أن الفترة القليلة المقبلة ستكون عاملًا حاسمًا في تحديد الخطوة الأمريكية المقبلة فيما يخص التعاطي مع نظام الملالي، وهناك دور حيوي لدول مجلس التعاون، سواء من خلال التشاور مع الولايات المتحدة أو بقية أطراف الاتفاق النووي لضمان ألا تتكرر الأخطاء في منطقة لا تحتمل المزيد من الأخطاء الاستراتيجية، وتحتاج إلى رؤية دقيقة تضمن تحقيق الأمن والاستقرار الاقليمي، الذي يمثل مصلحة مشتركة لجميع الأطراف.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط