الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سعد الفقي يكتب: تجديد الخطاب الديني ضرورة حتمية

صدى البلد

بلغت القلوب الحناجر. مرات عديدة طالب الكثيرون بفتح باب الأمل من خلال رؤية واضحة مستنيرة لتجديد الخطاب الديني لاسيما وقد أصبح ضرورة بل هو ضرورة حتمية .
الرئيس عبدالفتاح السيسي، وهو المتفحص القارئ للنص قال في أكثر من مناسبة،
مخاطبا فضيلة الإمام الأكبر ومن بيدهم مقاليد الأمور، وكان كلام الرئيس إجابة شافية على هؤلاء المتخوفين والمتربصين من التجديد ولا فرق: ( الإشكالية الموجودة حاليا ليست في اتباعنا لسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من عدمه.. المشكلة تكمن في القراءة الخاطئة لأصول ديننا الحنيف)، ثم تساءل الرئيس عمن أساء أكثر للدين الإسلامي.. هل هم هؤلاء الذين دعوا إلى التخلي عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم والاكتفاء بما جاء في نصوص القرآن الكريم فقط؟، أم أن الإساءة الناتجة عن الفهم المغلوط الخاطئ والتطرف! نعم هذه الأشياء أساءت للإسلام والمسلمين في العالم.
وفي تقديري أن الآفة الكبرى تكمن في عدم الوصول إلى تعريف دقيق لمصطلح التجديد الذي نريده في الخطاب الديني، مما أحدث حالة من الاضطراب والخلل في المعالجة.

فهناك من يرى أن التجديد هو عمل لا حدود له على الإطلاق ولا سقف له، ومتى وجدت مصالح العباد فلا مانع من التجديد والاجتهاد، وإن اصطدم بالنصوص القرآنية وتعارض مع الأحاديث النبوية، حتى لو هدمت بيت (أبوك) وأنت تجدده، بينما التراث العالمي والإنساني يقوم على صيانة الموروث.

وآخرون يرون أن التجديد هو ما لا نص فيه من القرآن أو السنة الصحيحة فالغايات ربما تخفى علينا والله تعالى أعلم بأحوال عباده .
نموذج للفريق  الأول: ما نشر بمقال للراحل الأستاذ/ خليل عبدالكريم المحامي والمفكر الإسلامي في أحد الدوريات الأسبوعية في منتصف التسعينيات، بعنوان: (إذا متى وكيف يتم تجديد الفكر الديني؟)، وقد كتب الراحل أن الأستاذ/ محمد زايد أحد نواب رئيس تحرير الأهرام كتب في عموده الأسبوعي أن امرأة أرسلت إليه سائلة لأنها، كما قال في حيرة من أمرها فقد طلقها زوجها وبالتالي فهي مطالبة بالمكث في بيت الزوجية ثلاثة قروء حتى تنتهي عدتها: ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء )، وتساءلت المطلقة: لماذا المكث والتربص ونحن نعيش عصر العلوم التجريبية؟. فلماذا تنتظر ولم هذا العناء والعنت لاسيما أن الغاية من الانتظار هي براءة الرحم، وتستطيع أجهزة الأشعة بمسمياتها المختلفة التحقق من ذلك؟!.

وقد تساءل خليل عبدالكريم في مقاله أيضا وكان مما قال: نعم تجديد الفكر الديني ضرورة بل هو ضرورة حتمية، الناس صعدت القمر ونحن نتمسك بثوابت يمكن التغاضي عنها من خلال العلم الحديث.
وقد كان يرى أن ما ذهب إليه لا يعد افتئاتا على الآية الكريمة، بل الآية في مكانها وسورتها معززة مكرمة نتعبد بها ونتلوها في الصلوات الخمس تبركا وتنشرح بها الصدور. وكان لي الشرف بالمساهمة في الحوار المكتوب .
وكان رأينا أن تربص المطلقة من المسلمات فربما كانت النطفة دفينة في رحم المرأة، وقد قال الفقهاء: إن مدة الحمل أقلها ستة أشهر وأغلبها تسعة أشهر وأكثرها أربع سنوات. وإضافة إلى ذلك فربما تلاشت الأسباب الموجبة للطلاق فراجع الزوج زوجه، وهذا حق مكفول له شرعا حفاظا على مستقبل الأولاد وبداية حياة جديدة مستقرة وهادئة ومستمرة .
نموذج للفريق الثاني: ما يتعلق مثلا بالمعاملات الحديثة في البنوك، وأنها تغاير الربا بمسمياته المختلفة، وقد أجمعت فتاوى دار الإفتاء المصرية على إباحتها وجواز التعامل بها ولا حرج في ذلك، وتحديد سن الزواج للأنثى وغلق المساجد في وقت الأوبئة للحفاظ على النفس البشرية من الهلاك ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة )، إلخ القضايا التي تحتاج إلى الاجتهاد مراعاة لمصالح البلاد والعباد  .
؛؛؛والتجديد الذي نريده يبدأ بمناهج التعليم العام والأزهري في كل المراحل من خلال صياغة جديدة مستنيرة، فحواها الترسيخ لكل ما هو وسطي ومعتدل مع مراعاة ظروف الناس ومصالحهم وترشيد لغة التخاطب مع كل الشرائح والفئات العمرية، هذا إذا أردنا فعلا الصعود إلى الآفاق ومواكبة العصر دون تخلف . وقد نزل القرآن الكريم على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من أجل التلاقي والتعايش بين الناس وليكون رحمة للعالمين ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ).

؛؛؛ فما بالنا ونحن نفتقد حتى الآن لغة التخاطب مع كل الشرائح، فالداعية الحقيقي هو الذي يجيد فنون الخطاب مع الجميع الغني بمطالبته بالوقوف إلى جانب الدولة عند ضعفها وحاجتها . والفقير بفتح باب الأمل أمامه حتى لا يقنط من رحمة الله تعالى، وأن يشد على يديه دفعا للكسب المشروع والعمل الجاد الذي يغنيه عن السؤال والمذلة وحتى لا يكون عالة على غيره واليد العليا عند الله خير من اليد السفلى .
؛؛؛ وربما كان من الضروري الاهتمام برجل الدعوة ورعايته اجتماعيا وثقافيا وماديا حتي يكون صاحب كلمة وحتى يتمكن من تبليغ دعوته الصحيحة البعيدة عن الغلو أو التفريط 
والإمساك بتلابيب التخفيف وقد يتحقق ذلك من خلال :
أولا : التدقيق في اختيار العناصر الصالحة لأداء الرسالة الموكولة إليهم عبر توقيع الكشف الطبي والنفسي عليهم أسوة بما يحدث عند الالتحاق بالكليات العسكرية والشرطية 
ورجال السلك الدبلوماسي ورجال القضاء .
ومن خلال مشوار طويل ممتد لأكثر من ربع قرن من الزمن قضيتها  في العمل الدعوي إماما ومفتشا ومديرا وقياديا رأيت كل الجوانب تقريبا ومن السلبيات رأيت من كانوا سببا في تصدير المشاكل وإثارة النعرات والعثرات والفتن لافتقادهم القدرة على التعايش مع الناس، والوقوف على آلامهم وآمالهم .
ثانيا : لا ننكر الدور الذي قامت به وزارة الأوقاف المصرية في السنوات الأخيرة ومراحل مختلفة من خلال الامتحانات للوقوف على صلاحية المتقدمين لشغل وظيفة ( إمام وخطيب مسجد )، وإن كنت أرى أن هذه المسابقات أثمرت عن وجود أئمة نبلاء لا دعاة، وقد زاع صيتهم لقدراتهم الفائقة على الحفظ لكتاب الله وتمتعهم بالصوت الحسن وقد اشتهروا بذلك من خلال المنتديات والاحتفالات وصلاة القيام في شهر رمضان المبارك.
ثالثا : تغيير نمط الدورات التدريبية المؤهلة لرجال الدعوة، وليكن الحوار والمناقشة هو العنوان الأبرز لهذه الدورات لفلترة العقول وترشيدها ومحو ما علق بها في سنوات الصبا والشباب وما ترسخ لديهم من أفكار مغلوطة، شريطة أن يقوم بالتدريس فيها علماء مشهود لهم بالتجرد والحيادية، ومازال الناس يتألمون من تطاير شرر بعض المنابر التي تروج لأفكار ما أنزل الله بها من سلطان من خلال قراءة مغلوطة لبعض الكتب دون تمحيص .
رابعا : أن يقتصر أمر الفتيا على المؤهلين لها وقد تعلمنا أنه ليس كل خطيب فقيه. لوقف نزيف الفتاوى غير المسئولة، وذلك بفتح آفاق جديدة ومنافذ في عواصم المراكز والمحافظات تكون تابعة لدار الإفتاء المصرية .
؛؛؛ واذا كنا بصدد البحث عن آفاق جديدة لتجديد الخطاب الديني، فإننا لا نغفل عن أن من رواد التجديد علماء ما زالوا رغم رحيلهم قبلة للرجوع إلى أطروحاتهم واجتهاداتهم نستدعي بين الحين والآخر منهم الراحل الإمام والمفكر الشيخ/ محمد عبده وقد وصفه الكاتب الكبير عباس العقاد بأنه عبقري التنوير .
ومن الآراء التي طرحها وثبتت صحتها هي إبعاد رجال الدين عن حكم الشعوب لما يترتب عليه من آثار تسيئ للإسلام ذاته .

فرجل الدين في رأيه قد يعتبر نفسه على صواب يتماشى مع الدين دون إدراك أنه خطأ يجافي الدين والصواب .
وكان الإمام الراحل من أوائل من نادوا في منتصف القرن التاسع عشر بالإصلاح الديني وتجديد الفكر الإسلامي، وكانت مطالبته سببا في نفيه وتشريده ودفعه إلى العزلة والرغبة في الابتعاد عن مصر .
ومن المجددين أيضا الإمام/ جمال الدين الأفغاني، وكان سببا في تحويل الشيخ/ محمد عبده من الصوفية إلى الفلسفة، ودافعا له إلى الإصلاح، وإن اختلفت الوسيلة وكان الخلاف بينهما يقتصر على الإصلاح والنهوض بالوطن.  
الأفغاني كان من أنصار الثورة ضد الاستبداد والقهر. فيما يرى محمد عبده أن تغيير المجتمع وإصلاحه يجب أن يكون تدريجيا وعن طريق التعليم ومواجهة الجمود والتخلف .
وعلى نفس الوتيرة كان المجدد الشيخ/ محمد رشيد رضا المولود عام ١٨٦٥ ميلادية بقرية القلمون بجبل لبنان و المتوفى بمصر عام ١٩٣٥ ومن مؤلفاته الوهابيون والحجاز وتفسير المنار ونداء للجنس اللطيف .
؛؛؛؛ وتبقى قضية تجديد الخطاب الديني أو الدعوي ولا فرق هي شاغل الحكماء والعقلاء والمفكرين قديما وحديثا ما دام في الدنيا بقية من حياة . ولأن الإسلام دين الرحمة ورسالته عالمية فهو مصلح لكل زمان ومكان. فقط علينا بالبحث والتنقيب في كنوزه والوقوف على أسراره ففيها العلاج الأمثل لكل المعضلات التي تعترينا في دنيانا وآخرتنا .

ليتنا نعود إلى أزمان الإسلام الزاهرة الوارفة اليانعة . يومها كانت لنا الريادة والصدارة ..

مشروع نهضوي كبير لتجديد الخطاب الديني ننتظر تدشينه، فهل يتحقق؟. وهل نجد ثماره على أرض الواقع؟.أمل يراودنا 
وما ذلك على الله بعزيز .