مع بدء اجتياح الجيش الروسي لأراضي أوكرانيا، ومن قبله أيضًا، تعالت أصوات دول الغرب الكبرى الحليفة لأوكرانيا تتوعد بفرض عقوبات صارمة على روسيا، وبدأت بعض الدول والتكتلات الاقتصادية الغربية بالفعل فرض حزم عقوبات على أفراد وكيانات حكومية وخاصة ترتبط بشكل وثيق بالحكومة الروسية.
الصين.. مخرج الطوارئ لروسيا
ونشرت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية تقريراً رصدت فيه الخطوات المتوقعة للصين مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية، حيث أوضحت الصحيفة أن الصين على استعداد لدعم الاقتصاد الروسي في مواجهة العقوبات الاقتصادية التي وقعتها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على موسكو.
وأعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أنه سيلتقى مع نظرائه رؤساء الدول السبع الكبرى، وهو تحالف سياسي دولي مكون من 7 دول يضم الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا، اليابان، وإيطاليا وكندا. ويهدف بايدن من لقاء السبع الكبار، اليوم الخميس، إلى دراسة كيفية الضغط على روسيا وتوقيع عقوبات أكثر قوة، خاصة بعد غزوها لأوكرانيا.
ويتوقع محللون سياسيون وخبراء اقتصاديون أن تدعم الصين الاقتصاد الروسي لتفادي تلك العقوبات الاقتصادية، خاصة من خلال البنوك المملوكة للحكومة الصينية من دون الإضرار بمصالحها الإقتصادية والمالية.
وقال المحلل بوحدة المعلومات الاقتصادية لصحيفة الإيكونوميست البريطانية المقيم في بكين، توم رافيرتي، "إن الدعم الصيني لتحركات الحكومة الروسية قد يكون سبباً رئيسياً في تفاقم الأزمة ومزيداً من التصعيد".
بكين والتوازن الصعب
ومنذ أن حشد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين 190 ألفاً من جنوده على الحدود الأوكرانية، بدأت الصين في البحث عن نقطة توازن بين علاقة الرئيس الصيني القوية مع نظيره الروسي، ومصالح بكين الاقتصادية في استقرار المنطقة.
وبعد ساعات من الغزو الروسي لأوكرانيا، قال المبعوث الصيني للأمم المتحدة، زانج جون، "أن الباب لحل السلمي لم يغلق بالكامل" كما نصح جميع الأطراف المعنية بالتحفظ.
وفي اليوم التالي، صرحت بكين بأن كل العقوبات الاقتصادية ضد روسيا تعتبر "عقوبات أحادية غير قانونية".
كما قال متحدث الخارجية الصينية السابق، هوا شينيونج، في حديثة مع وسائل الإعلام في بكين، "وقعت الولايات المتحدة الأمريكية منذ 2011 على روسيا ما يزيد عن المئة عقوبة اقتصادية"، معلقاً، "على كل حال، هل ستحل العقوبات الاقتصادية الأمريكية المشكلة؟ هل أصبح العالم مكاناً أفضل بسبب تلك العقوبات؟ هل ستتوجه أوكرانيا بشكر الولايات المتحدة على توقيعها عقوبات إقتصادية على روسيا؟ هل سيصبح أمان أوروبا مضموناً بعد العقوبات الإقتصادية؟"
كما أتهم شينيونج الولايات المتحدة بأنها "المذنبة" في ملف الأزمة الأوكرانية، موضحاً بأن الولايات المتحدة "صعدت التوترات، زادت من القلق، وحفزت بشدة من إحتمالية الحرب."
روسيا والصين.. مصالح بمئات المليارات
وبحسب "فينانشال تايمز"، ظهرت بكين كشريك إقتصادي لموسكو خلال مواجهات بوتين مع الغرب، ليس فقط مع بدء الفترة الراهنة، بل أن الدعم الصيني يمتد من سيطرة روسيا على جزيرة القرم في مطلع العام 2014.
وقال قال جاكوب جاكوبوفسكي، زميل برنامج الصين في مركز الدراسات الشرقية في وارسو، "ما لم يرتب الغرب تكلفة ملموسة حقًا على الصين، ستظل الصين تساعد روسيا وراء الكواليس".
ومن المتوقع أن تكون البنوك الصينية الكبيرة وثيقة الصلة بالنخبة الحاكمة قنوات مهمة للدعم الاقتصادي لروسيا.
وتعد روسيا إلى حد بعيد أكبر متلقٍ لقروض بكين من مؤسسات القطاع الرسمي، حيث بلغ مجموعها 151 مليار دولار بين عامي 2000 و 2017 ، وفقًا لـ AidData، وهو مختبر أبحاث دولي في كلية ويليام وماري في فيرجينيا.
وشملت تلك الديون 86 مليار دولار من الديون غير الميسرة وشبه الميسرة من البنوك الصينية المملوكة للدولة والبنوك التجارية، معظمها قروض مضمونة مقابل الإيرادات المستقبلية من صادرات النفط.
ويُعتقد أن بنك التنمية الصيني وبنك التصدير والاستيراد الصيني، على وجه الخصوص ، معزولان عن العقوبات الغربية بسبب ضعف ارتباطهما بالمصالح التجارية الأمريكية. ويقول رافيرتي: "معاملات هذين البنكين بالدولار الأمريكي ضئيلة ولديهما خيارات أكثر لتمويل الأعمال بطرق مختلفة أو مبتكرة تكون أقل عرضة لإجراءات العقوبات".
ومنذ ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، تعززت قدرة بكين على تخفيف الآثار الناجمة عن العقوبات، حيث قلل البلدان، روسيا والصين، بشكل مطرد من استخدام الدولار في تجارتهما الثنائية. كما تعززت العلاقات الاقتصادية الصينية الروسية، حيث من المتوقع أن تصل التجارة الثنائية إلى مستوى قياسي بلغ 140 مليار دولار في عام 2021، مما يعكس نموًا سنويًا ثابتًا.
وعندما التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الصيني شي جين بينج في بكين هذا الشهر، وقعت شركة غازبروم الروسية وشركة CNPC الصينية اتفاقًا مدته 25 عامًا بشأن خط أنابيب باور أوف سيبيريا، وهو طريق جديد لإمداد الغاز، والذي تم إطلاقه في عام 2019 ومن المتوقع أن يصل إلى طاقته الكاملة في عام 2025.
واتفقت شركة "روسنفت"، أكبر منتج للنفط الخام في روسيا وأكبر مصدر للنفط إلى الصين، والتي تلبي 7% من إجمالي الطلب السنوي على النفط الروسي، اتفقت هذا الشهر مع شركة CNPC على توريد 100 مليون طن من النفط إلى الصين عبر كازاخستان على مدى 10 سنوات. كما تعمل روسيا والصين على مشروع ثالث لخط أنابيب غاز عبر منغوليا. وقال بعض المحللين إن اتفاقا قد يوقع بحلول نهاية العام.
وفي الأسبوع الماضي، أعلنت شركة "غازبروم نفت" الروسية أنها ستحول جميع التسويات الخاصة بتزويد الطائرات الروسية بالوقود في الصين بالرنمينبي (عملة الصين الرسمية)، وهي أول شركة روسية تقوم بذلك.
وعلى الرغم من هذه الصفقات، لاحظ الخبراء أنه لا يزال هناك جزء كبير من التجارة الروسية يجري في إطار نظام الدولار التقليدي. وخلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2021، أجرت روسيا والصين 8.7 في المائة من تجارتهما بالروبل و7.1 في المائة بعملات أخرى، وفقًا لبيانات البنك المركزي الروسي. وشكل الدولار واليورو 36.6 في المائة و47.6 في المائة من التجارة بين روسيا والصين على التوالي.