الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إسبانيا تطالب واشنطن بإزالة التربة الملوثة.. ما قصة القنابل الهيدروجينية الأمريكية بألميريا؟

اسبانيا
اسبانيا

عاد إسم مدينة ألميريا لينتشر في وسائل الإعلام الغربية خلال هذا الأسبوع، ولكن ليس للتعليق على الفوز التاريخي الذي حققه فريق المدينة المملوك رئيس الهيئة العامة للترفيه في المملكة العربية السعودية على برشلونة، ولكن تلك المرة مع الحديث عن كارثة التلوث النووي لجزء من أراضيها، والذي مازال تعاني منه المدينة منذ 57 عاما، حيث طالبت إسبانيا من الولايات المتحدة الأمريكية إزلة التربة الملوثة نووية .. فما تفاصيل تلك الأزمة؟.

 

والمَرِيَّة أو ألمرية، هي مدينة إسبانية أندلسية وعاصمة مقاطعة المرية، تقع في جنوب شرق إسبانيا على البحر المتوسط، وهي تعد مدينة حديثة النشأة نسبياً مقارنة بباقي مدن إسبانيا أمر ببنائها الخليفة عبد الرحمن الناصر لدين الله سنة (344 هـ)، وجاء اسمها من وظيفتها إذ كانت تتخذ مرأى ومرصدًا لمدينة بجانة وهناك قول آخر في سبب تسميتها وهو أن المدينة سميت بالمرآية (من كلمة المرآة) لأن المدينة ومعالمها تنعكس على المياه من حولها وكأنها مرآة.

 

التفاصيل التاريخية للحادث

حادثة بالوماريس وقعت قرب مدينة ألمرية في شاطئ بالوماريس وكهوف المنصورة يوم 17 يناير 1966، حيث فقدت القوات الجوية للولايات المتحدة طائرة خزان من طراز كيه سي -135، وقاذفة قنابل استراتيجية بي-52 ستراتوفورتريس والأسلحة النووية التي كانت تنقلها، وذلك بعد أن اصطدمت الطائرة الخزان (محملة ب110،000 لتر من الوقود) بقاذفة القنابل الاستراتيجية (محملة ب5 أو 4 قنابل نووية حرارية) في موقع يبعد 30,000 قدم على شواطئ البحر الأبيض المتوسط بينما كانا يحاولان ممارسة عملية التزود بالوقود على ارتفاع 9000 متر.

الانفجار أدى إلى تدمير الطائرة الخزان تماما، عندما أشعلت وقود حمولتها مما أدى إلى مقتل جميع افراد طاقمها الاربعة، ومقتل ثلاثة من افراد الطاقم السبعة على متن بي-52، وقد بقيت اثنان من القنابل سليمة، واحدة على إحدى حقول الطماطم وأخرى في البحر، فيما انفجر الصاعق غير النووي للقنبلتين الأخريين مما تسبب في تحويلهما إلى شظايا وانهمرت سحب غبار من البلوتونيوم على المكان بالقرب من قرية بالوماريس، وقد غطى اشعاع البلوتونيوم مساحة تبلغ نحو 20 كيلومتر من المناطق المجاورة.

لتلك الأسباب عاد الحديث عن الحادث بعد 60 عاما

وبعد ما يقرب من 60 عامًا من وقوع هذا حادث تصادم في الجو ألقى بأربع قنابل هيدروجينية أمريكية في جنوب شرق إسبانيا، جدد المسؤولون الإسبان جهودهم لجعل واشنطن تنقل عشرات الآلاف من الأمتار المكعبة من التربة الملوثة إلى الولايات المتحدة لتخزينها، حيث أكد مصدر بوزارة الخارجية الإسبانية، أنها طلبت رسمياً من الولايات المتحدة اتخاذ إجراء لإزالة الأرض المشعة، وذلك وفق ما نشرته صحيفة الجارديان البريطانية.

ويأتي الطلب الإسباني متماشيا، مع اتفاقية غير ملزمة أبرمت بين البلدين في عام 2015 والتي تضمنت التزامًا أمريكيًا بترتيب التخلص من الأرض الملوثة في موقع مناسب في الولايات المتحدة، ونظرًا لأن الولايات المتحدة لم ترد رسميًا بعد، رفض المصدر تقديم مزيد من التفاصيل، وقالت صحيفة إل باييس الإسبانية التي نشرت الخبر لأول مرة، إن الطلب تم تقديمه قبل بضعة أشهر، ولم ترد الحكومة الأمريكية على طلب للتعليق.

هكذا تلوثت المنطقة نوويا

وبعد وقوع في 1966، تم منع الوصول إلى الحقول داخل نطاق الانفجار، مما أدى إلى تلف محصول الطماطم والفاصوليا، وقامت الحكومة الأميركية بحفر الحقول وأزالت نحو 1400 طن من التراب، وتم شحن تلك الكمية إلى الولايات المتحدة لإتلافها، بينما قامت العديد من السفن الحربية الأميركية بدوريات على الساحل لإغلاق المنطقة التي قال الصيادون إنهم شاهدوا القنبلة ملقاة في مياهها، وقد استغرق الأمر 81 يوما لاستعادة القنبلة من عمق 800 متر تحت سطح المياه.

وقد أرسلت الولايات المتحدة حينها حوالي 1600 جندي إلى موقع التحطم لاستعادة الأسلحة وتنظيف التلوث، وحينها تم شحن الـ1400 طن من التربة الملوثة إلى منشأة في ولاية كارولينا الجنوبية، وقد كان كلا البلدين حريصين على التقليل من شأن الاصطدام الذي حدث في ذروة الحرب الباردة حيث كانت إسبانيا في قبضة ديكتاتورية فرانكو، وسط مخاوف من أن يؤدي خطر التلوث الإشعاعي إلى الإضرار بصناعة السياحة الناشئة في البلاد، حيث قام وزير السياحة الإسباني آنذاك والسفير الأمريكي بالسباحة على نطاق واسع في البحر قبالة سواحل بالوماريس في الأسابيع التي تلت الحادث.

في 2007 عادت المخاوف من التلوث

عادت المخاوف بشأن الآثار المتبقية للتصادم إلى دائرة الضوء في عام 2007 ، بعد أن أشارت دراسة إلى أن مساحة تصل إلى 50000 متر مربع ظلت ملوثة، وقد تم تسييج المنطقة المتضررة ومنع استخدامها للزراعة أو التنمية، وفي عام 2015 وقعت مدريد وواشنطن اتفاقية للتفاوض بشأن صفقة ملزمة لإصلاح الموقع، وقال وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، جون كيري، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الإسباني في ذلك الوقت: "علينا أن نبني على توقيع اليوم لاتخاذ مزيد من الإجراءات لحل هذه القضية - مرة واحدة وإلى الأبد-".

ولكن لم يتم عمل الكثير لتنفيذ الاتفاقية، حيث أدت الانتخابات إلى تغييرات في إسبانيا والولايات المتحدة، وقالت مصادر لـ El País إن قرار الحكومة الإسبانية الأخير لمناقشة القضية مرة أخرى مع الولايات المتحدة كان مدفوعًا بالتقييم القائل بأن العلاقات الثنائية كانت في أفضل حالاتها منذ سنوات، تاركة مدريد تأمل في إمكانية إحراز بعض التقدم قبل أن تتوجه إسبانيا إلى اقتراع للانتخابات العامة نهاية العام.

تلك هي المدينة الأندلسية

أصبحت المرية أهم موانئ الأندلس في القرن الرابع الهجري، وفي (344 هـ) أمر الخليفة عبد الرحمن الناصر ببناء مركب كبير للغاية في دار الصناعة بالمرية، وقد احتفظت المرية في عصر ابن أبي عامر بالمركز العالي في التفوق البحري، وكانت المرية مركزاً للسفن القادمة من المشرق، وعلى إثر سقوط الخلافة الأموية بالأندلس تفككت الدولة الأندلسية واقتسم رؤساء الأندلس أهم مدنها فيما عرف بعصر الطوائف.

وحينها أصبح خيران العامرى فتى المنصور بن أبي عامر سنة ملكا للمدينة عام (405 هـ)، ثم أصبحت مملكة المرية بعد ذلك تابعة لمعن بن صمادح، وخلفه ابنه أبو يحيى محمد بن معن، وقد وقعت المرية تحت حكم المرابطين بعد معركة الزلاقة (484 هـ)، وبعد ضعف دولة المرابطين وقعت تحت حكم الموحدين عام (542 هـ)، ثم استسلمت إلى الملوك الكاثوليك، وفرديناند وإيزابيلا، 26 ديسمبر 1489.