مشاهد من القرآن الكريم (1)

إن فكرة دخول المسلمين الأوائل في الدين الإسلامي بمجرد سماعهم آيات من النص المبارك لمن الأمور الجلل التي راودت فكري للتنقيب في الآثار الناتجة عن النظم القرآني الفريد، والبحث عما ينبعث عن ألفاظه المباركة من دلالات مصاحبة؛ فقد وجدت في بعض ألفاظ النص القرآني المبارك ألفاظا بعينها جاءت بدلالات تكشف لنا عن قيومية الخالق – جل علاه – على خلقه ؛ فهذه لفظة " جند " التي وردت في القرآن الكريم في خمسة مواضع مباركة منها ما جاء بدلالتها الحقيقة كما في قوله تعالى: { وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ} المبينة لمشهد موسى -عليه السلام - لما جاوز هو وبنو إسرائيل البحر، حينما أراد أن يضرب البحر بعصاه ، ليصير حائلا بينهم وبين فرعون وجنده، فلا يصل إليهم... فأمره الله أن يتركه على حاله ساكنًا، وبشره بأنهم جند مغرقون فيه ، وأنه لا يخاف دركًا ولا يخشى.
وأما عن ورود اللفظة المبارك " جند" في النص المبارك بدلالة مجازية غير دلالتها المتعارف عليها من الجندية والحراسة ، فقد وردت في مواضع عدة من آياته المباركات، فهذا قوله تعالى: (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20)، (الملك).
بيان من الحق – سبحانه و تعالى – يكشف عن لطفه ورحمته بخلقه ، وأنه قادر على تعذيب الخارجين عن طاعته، بسبب كفر بعضهم به وعبادتهم معه غيره وهو مع هذا يحلم ويصفح، ويؤجل ولا يعجل.
كذلك وردت اللفظة المباركة بدلالتها المجازية في قوله تعالى : (لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75)، ( يس)
فهذه الأصنام التي تعبد بها المشركون تأتي يوم القيامة شاهدة على كفرهم، فقد يجد المتأمل أن الآية المباركة أحالت صورة الأصنام التي صنعت من الأحجار إلى شخوص مجندة لنصرة الحق الذي ضله الجهلة الخارجين عن منهج الوحدانية لله الواحد القهار.
ما أعظمها صورة تنفر من اتخاذ الأصنام شريكا لله، حيث أنها تأتي يوم القيام شاخصة... شاهدة.... متخلية عمن اتخذوها آله؛ معلنة عبوديتها لله الواحد القهار، ليفتح هذا التصوير القرآني الفريد للمتعقل أبواب الرشاد الذي يؤول بهم إلى الخير والنجاة.
براعة تصويرية تحيل المادي غير المعنوي إلى عاقل، والغيب إلى شخوص قادرة على العقاب والتخلي، صور تجسد لنا مشاهد العقاب المصحوبة بالتهويل والفزع من يوم الحساب.
ولعل هذه الإحالة اللفظية والراسمة لمشاهد مجسدة تارة و شاخصة تارة أخرى أخالها محرك من محركات النفس للتفاعل مع ألوان الوعد
والوعيد الكائن في القرآن الكريم؛ فتبارك الله أحسن الخالقين.