في ظل التحديات التي تواجه الدولة المصرية على الصعيدين الفكري والمجتمعي، تبرز الثقافة كعنصر محوري في الحفاظ على الأمن القومي، ليس بوصفها ترفًا، بل كأداة استراتيجية لتحصين العقول وتشكيل الوعي الوطني.
تابعت على مدار الأيام الماضية الحملة الممنهجة ضد وزارة الثقافة و التي لا أجد لها مبررا، سوى وقف أي عمليات تنوير للعقول و ترك الشباب فريسة سهلة للإختراق و الإستقطاب لأصحاب الفكر الهدام.
أثبت الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة منذ توليه مهامه، أنه لا يدير مؤسسة تقليدية، بل يخوض معركة واعية ضد التهميش والاختراق في توقيت استثنائي، تخوض فيه الدولة معركة البقاء للأقوى، واضعًا الثقافة في قلب مشروع الدولة الوطنية الحديثة، لوأد و مقاومة الأفكار الهدامة.
"لا نهضة بدون ثقافة، ولا ثقافة بدون انتماء"، بهذه العبارة لخص الوزير فلسفته، التي ترجمها عمليًا بإحياء قصور الثقافة وتطوير محتواها، وتفعيل المكتبات العامة كمراكز للتفاعل المجتمعي، لغلق باب الاستقطاب أمام أصحاب الفكر الهدام، وتقديم محتوى يربط بين الجذور والتراث من جهة، والوسائط الحديثة من جهة أخرى.
بدلًا من اللجوء إلى سياسات الحظر، تبنّى الوزير استراتيجية التحصين بالمعرفة، من خلال دعم مشاريع النشر العام مثل "مكتبة الأسرة"، وإطلاق سلسلة من الإصدارات التنويرية التي تعالج المفاهيم الدينية والوطنية، بأسعار رمزية تناسب الجميع، إلى جانب دعم الأنشطة الفنية والثقافية في المناطق المهمشة والحدودية سيناء و حلايب وشلاتين .
و جاءت أزمة الروائي الكبير صنع الله ابراهيم ليتخذها الطابور الخامس مدخلا للهجوم على الدولة و مؤسستها لسحب الرآي العام في اتجاه أخر مغاير لسياسة الدولة، في الحقيقة أن من شن الهجوم ضد وزارة الثقافة كانوا يريدون الفوز بالمنصب حتى تتاح لهم فرصة التوغل لعقول الشباب بأفكارهم الهدامة و التشكيك في الثوابت الدينية .
لتنفيذ البند السادس من الأيديولوجية المنهجية لمنهج التدريب الصربي " الكفاح السلمي " الذي شاركت فيه بالحضور عام ٢٠٠٩، ذلك المنهج الذي يسعى لهدم الأعمدة الرئيسية التي ترتكز عليها الدولة، باعتبار الثقافة أحد أهم الأعمدة لابد من هدمها بالتشكيك و التسفيه و سبق و شرحتها باستفاضة خلال المقالات الأولى لسلسة من طرف خفي، و نحن جميعا نعلم من هم و ماهي توجهاتهم و مواقفهم من القيادة السياسية و ولائهم الحقيقي لأصحاب العملة الخضراء لصالح أجهزة استخبارات معادية للدولة المصرية .
اتخذوا من أزمة صنع الله ابراهيم الصحية فرصة لتصفية الحسابات و بث السموم بعد أن تحجمت أوضاعهم و تحركاتهم المريبة، لكن الوزير اتخذ موقفًا إنسانيًا راقيًا حين زار الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم في المستشفى دون ضجة و متاجرة إعلامية رخيصة، في مشهد يعكس احترامه لصورة المثقف ومكانته، على عكس بعض المواقف المثيرة للجدل التي تم فيها نشر صور لرموز ثقافية وسياسية أثناء ظروف صحية حرجة دون مراعاة لإنسانيتهم، و ذلك الفعل يبدد أكاذيبهم .
حين كان نادي القصة مهددًا بالإغلاق، بادر الوزير بتوفير مقر جديد له داخل قصر الإبداع الفني بمدينة 6 أكتوبر، ليحفظ بذلك أحد أبرز معاقل الأدب المصري الذي احتضن أعلامًا مثل توفيق الحكيم ويوسف إدريس، فتم إغلاق باب محاولة استقطاب طبقة المثقفين للعمل ضد الدولة .
ثم جاء الدور للبحث عن ورقة جديدة تستخدم للهجوم، ورقة قصور الثقافة، برغم أن بعض بيوت الثقافة التي أُغلقت لم تكن تؤدي دورها، بل تحولت إلى أماكن مهجورة منذ مايقرب العشرين عاما، وبعضها استُغلت في أنشطة لا تمت للثقافة بصلة، لا تحولت لأوكار لأصحاب الكيف و اجتماعات القوى الإيثارية في منتصف الليل، و كنت شاهدة على. قيام حركة 6 ابريل و غيرها بعقد اجتماعاتها للتحريض ضد الدولة ، بخلاف العبء المادي على الموازنة العامة للدولة بنحو أكثر من 120 جنيها في صورة ايجارات لتلك المقار بخلاف مرتبات تدفع شهريا لموظفين لا يعملون بل مسجلين فقط بالدفاتر باعتبارهم يعملون بقصور الثقافة و لا يوجد لهم أثر على أرض الواقع .
برغم أن خطوة أو قرار إعادة الهيكلة جاءت ضمن خطة لتطهير المنظومة وإعادة توزيع الموارد بما يضمن استفادة حقيقية للمواطنين، انطلقت الأبواق الهدامة لتوقف عجلة التطهير بشتي الطرق الممكنة .
بحكم عملي كصحفية تحقيقات، أملك شهادات عن استخدام بعض قصور الثقافة سابقًا كمقار لاجتماعات مشبوهة، بعيدًا عن الأدوار المنوطة بها. واليوم، ومع عودة الوزارة لتكون ذراعًا حقيقية للدولة في مواجهة الغزو الفكري، تتعرض لحملة منظمة من منصات معادية تسعى لتشويه رموزها وتفريغ قراراتها من مضمونها.
بعيدًا عن المكاتب المغلقة، يلتقي الوزير بالمثقفين، ويستمع لمقترحات الشباب، ويفعّل دور المستشارين الثقافيين، ليؤسس نهجًا إداريًا يدمج جميع الأصوات تحت مظلة واحدة تهدف لـ حماية الوعي.
في ظل ميزانية محدودة وتحديات داخلية، يواصل الوزير جهوده بهدوء وثبات، مستندًا إلى إيمانه بأن الثقافة ليست رفاهية، بل ضرورة وجودية في معركة بناء الدولة.
الثقافة ليست هامشًا في مشروع الوطن، بل هي صمّام الأمان في مواجهة الفوضى والتطرف والعبث بالهوية. والدكتور أحمد فؤاد هنو يخوض معركة تستحق الدعم، دفاعًا عن الوعي، وعن مصر.
حفظ الله مصر وشعبها من شر الكائدين و الماكرين .