عصر جديد من علاقات الشراكة الاستراتيجية بين الصين والدول العربية

شهد الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدي التعاون الصيني – العربي الذي عقد أمس في بكين زخما سياسيا قويا، باطلاق الصين مبادرات جديدة حظيت بترحيب شركائها العرب الذين يبحثون عن الاستقرار السياسي والاقتصادي بعيدا عن غيوم التوترات والصراعات علي الساحتين الإقليمية والدولية .
ويأتي انعقاد هذا الاجتماع ليؤكد علي الأولوية التي تمنحها الصين في توطيد علاقاتها مع الدول العربية والسعي نحو البناء علي الانجازات التي تحققت منذ تأسيس المنتدي عام 2014 الذي شكل منصة هامة للحوار الاستراتيجي والتعاون العملي بين الصين والدول العربية .
وأبرز خطاب الرئيس الصيني شي جين بينج في افتتاح منتدي التعاون الصيني – العربي ثلاث رسائل هامة للدول العربية وهي السعي نحو إقامة علاقات استراتيجية شاملة مع العالم العربي من خلال وضع خارطة طريق تحدد الخطوات اللازمة لتنفيذ ذلك ، والرسالة الثانية هي توفير قروض واقامة مشروعات صينية جديدة في المنطقة ، والرسالة الثالثة هي دعم بكين بقوة للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بإقامة دولته من خلال عقد مؤتمر دولي والرفض القاطع للمحاولات الداعية للمساس بهذه الحقوق .
ويعد خطاب الرئيس الصيني في هذا الاجتماع، ثالث اعلان سياسي مهم له للعالم العربي بعد الخطاب الذي ألقاه في الدورة السادسة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني ـ العربي ببكين عام 2014، وخطابه بمقر جامعة الدول العربية في عام 2016، مما يعكس اهتمام الصين الكبير والدعم القوي لتعزيز العلاقات الصينية ـ العربية وإقامة منتدى التعاون الصيني ـ العربي.
وألقي الخطاب الضوء علي وجهات نظر الصين نحو سعيها للارتقاء بمستوى العلاقات بين الجانبين الى مستوى أعلى، وتخطيط التعاون الجماعي والتوجه البناء للمنتدى، بما يدفع نحو مسار تطور العلاقات الصينية ـ العربية في العصر الجديد وتوفير المتابعة الأساسية.
ويري مراقبون سياسيون أن هذا الاجتماع يتزامن مع اشتعال الحرب التجارية التي تشنها الولايات المتحدة علي الصين التي قد تعرض أسواق التجارة العالمية إلي هزات عنيفة والاقتصاد العالمي لمخاطر الانكماش مما يثير المخاوف لدي الدول العربية ولكن الصين تمتلك الأدوات التي تجعلها تسيطر فيها زمام الأمور وتوجيه الدفة نحو التخطيط لنظام الاقتصاد العالمي الجديد، من خلال العزم علي المضي قدما في مبادرتها الهامة "الحزام والطريق".
وتسعي الصين التي تحظي بثقة وصداقة الدول العربية إلي الحفاظ على مصالحها الاقتصادية وأنها لن تتواني عن الدفاع عنها لاستكمال مسيرة التنمية التي تنفذها في ضوء اعتمادها الكبير علي استيراد النفط خاصة من دول الخليج ، حيث استوردت 57ر1 مليون طن من النفط الخام يمثل 03ر37% من إجمالي الواردات من الدول العربية عام 2017، بينما بلغت حجم الاستثمارات الصينية 100ر15 مليار دولار عام 2017 .
في الوقت ذاته، تتطلع الدول العربية إلي الصين التي تعد ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم إلي أن تلعب دورا أكبر وأكثر توازنا في منطقة الشرق الأوسط التي تتصارع وتتنافس فيها قوي إقليمية ودولية للهيمنة على مقدراتها سعيا وراء إعادة تشكيل الخريطة السياسية للمنطقة وتري الدول العربية الصين الشريك والصديق الموثوق به الذي لا يعمل علي الاضرار بمصالحها .
وفي هذا الإطار ، تعول الصين علي مصر باعتبارها دولة استراتيجية وركيزة أساسية للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط لدورها الحيوي في مكافحة الإرهاب وركيزة هامة للتنمية بسعي القاهرة لإقامة مشروعات عملاقة تخدم مبادرة الحزام والطريق ، ولهذا أولت القيادة السياسية الصينية اهتماما كبيرا بدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لحضور قمة العشرين عام 2016 وقمة البريكس في عام 2017 ووضع مصر في آلية "بريكس بلس" .
وتتطلع الصين إلي مصر التي سوف تتولي قيادة الاتحاد الأفريقي العام المقبل ، للحصول علي دعمها في السعي نحو تعزيز أجندة التعاون الصيني الأفريقي في ضوء استضافة بكين لمنتدي التعاون الصيني – الأفريقي على مستوي القمة في سبتمبر المقبل .