الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

دروس من التجربة الفيتنامية


غدا تعقد القمة المصرية الفيتنامية في القاهرة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الفيتنامي تران داي كوانج .. بعد عام من زيارة الرئيس السيسي لفيتنام، وهي قمة لها أهميتها الخاصة من وجهة نظري .. فيتنام دولة انحنى لها العالم كله احتراما.. بعد أن صمدت في حرب فيتنام وهي الحرب الأكثر دراسة في تاريخ الحروب الحديثة، بسبب الفشل الذريع الذي منيت به الولايات المتحدة الأمريكية، ومن قبلها فرنسا، وهي نموذج ودرس لخصم ضعيف يواجه جبروت إمبراطورية عظمى ويخرج منتصرا.

استطاعت بإصرار وكفاح أبنائها تلقين أعظم دولة في العالم درسا في الوطنية والدفاع عن النفس حتى أصبحت كلمة حرب فيتنام تمثل عقدة للجندي الأمريكي وكذلك للمواطن العادي، واستطاعت النهوض من براثن الدمار وويلات الحروب بالاعتماد على إمكانياتها الذاتية في تطوير مواطنيها، فقفز دخل الفرد من 430 دولار عام 1980 إلى حوالي 4000 دولار عام 2007.

فبعد الحرب الأمريكية الفيتنامية، خرجت فيتنام من الحرب، منهكة مضطربة، اقتصادها منهار، وتعتمد بشكل كبير على المساعدات السوفيتية.. وفي عام 1986 بدأت الحكومة تغييرات شاملة في الاقتصاد فقامت بتحريره، وشجعت الاستثمار الأجنبي، مما أسهم بشكل كبير في نهضة الاقتصاد الفيتنامي، ليصبح اليوم واحدًا من أسرع اقتصادات العالم نموًا. 

وفي تصنيف لبنك الاستثمار جولدمان ساكس عام 2005 فإن اقتصاد فيتنام جاء ضمن الاقتصادات الـ 11 القادمة والمتميزة ذات المستقبل الواعد للاستثمار والنمو.. وبلغ معدل النمو في فيتنام عام 2006 حوالي8.17 في المائة، وهو ثاني أسرع نمو بين دول شرقي آسيا، بعد الصين.. وأتاح لها دخولها منظمة التجارة العالمية في عام 2006 مزيدًا من النمو والثبات، ليضعها صندوق النقد الدولي في عام 2007 في المرتبة الـ 37 بين دول العالم من حيث معدل الناتج المحلي، متقدمة على سويسرا، والإمارات العربية المتحدة، وسنغافورة والنرويج والدنمارك، متجاوزة معدل الناتج المحلي للدول العربية التالية مجتمعة: ليبيا، والكويت، وعمان، وقطر، والأردن، واليمن.

وفي مجال التعليم اكتسبت الجامعات الفيتنامية قوة واحتلت مراكز مرموقة بين الجامعات الآسيوية، بعد أن انتهجت فيتنام سياسة عولمة التعليم، فارتبطت علميًا بكثير من الجامعات العالمية سواء عن طريق الارتباطات البحثية التعليمية، أو الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع التعليم العالي الفيتنامية، ثم انطلقت عام 2001 وبدأت عولمة التعليم الفيتنامي بشكل عام، والتعليم العالي بشكل خاص، وتخريج طاقات متدربة تدريبًا جيدًا للعمل في السوق المحلية والعالمية.

لكل ذلك أرى أن علينا دراسة النموذج الفيتنامي دراسة جيدة لمعرفة كيف يمكن لدولة خرجت منهكة من حرب طاحنة أن تطور من نظامها الاقتصادي والتعليمي في مدة وجيزة.

ولذلك تابعت باهتمام كبير وتركيز الزيارة المهمة للرئيس الفيتنامي تران داي كوانج وحرمه لمصر، رئيس الدولة ذات التاريخ والذي حرص على أن يبدأ زيارته بالتجول بين آثار مدينة الأقصر العريقة التي تحتوي ثلث آثار العالم، والتي أبهرت العالم بآثارها التي لا يوجد لها مثيل .. كما يقوم بزيارة معبدي الأقصر والكرنك ومنطقة وادي الملوك ومعبد حتشبسوت بالدير البحري قبل أن يبدأ الشق الرسمي للزيارة، أي أن الرئيس الفيتنامى بدأ باستلهام تاريخ مصر وقوتها الناعمة وحضارتها قبل البحث فى مستقبل التجارة والفرص الاستثمارية الواعدة التى توفرها مصر للمستثمر الفيتنامى والشرق آسيوي.

ومن المهم لمصر استلهام التجربة الفيتنامية العظيمة التي اعتمدت في التنمية على القطاع الخاص، مع احتفاظ الدولة بدورها المهم في ادارة وتوجيه الانشطة الاقتصادية ومراقبتها لضمان تحقيق العدالة الاجتماعية .. وهي أيضا لديها قوة بشرية كبيرة 72 مليون نسمة و60 % منهم من الشباب وهو نفس الوضع بالنسبة لمصر، وقد استطاعت ببراعة استثمار هذه القوة البشرية الهائلة بنجاح تام .. ونحن في مصر نحتاج بشدة للاحتكاك بمثل هذه الدول التي تتشابه معنا في نفس الظروف واستطاعت أن تحقق قفزات هائلة فى مجال التنمية البشرية والاقتصادية، فنحن نحتاج بالتأكيد إلى تنمية اقتصادية مخططة تديرها الدولة كما نحتاج إلى استثمار قوتنا البشرية الشابة.

الرئيس السيسي فى سبتمبر الماضى قام بأول زيارة لرئيس مصري إلى فيتنام واتفقا خلال تلك الزيارة على الاحتفال هذا العام بذكرى مرور ٥٥ عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، قال الرئيس وقتها بأن التجربة الفيتنامية الاقتصادية هي تجربة تستحق التأمل، للتشابه الكبير بين ظروف البلدين وللعلاقات العريقة التي تربط بينهما، ففيتنام لديها تاريخ طويل، كافحت للاستقلال ويشبه مسار استقلالها رحلة مصر نحو التحرر، ومصر من أول الدول التى بادرت بفتح سفارة لها فى هانوى أثناء الحرب الفيتنامية عام 1963.

أعتقد أن هذه الزيارة ستكون تاريخية بكل معنى الكلمة، وأنها ستحدث المزيد من التقارب بين الشعبين المصري والفيتنامي لتشابه ظروفهما ومسيرة الكفاح والإصرار على النجاح والتقدم وتحقيق مكانة بين دول العالم العظمى. 

أعتقد أنه يمكننا أن نستلهم الكثير من التجربة الفيتنامية التي أعطت نموذجا أبهر العالم.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط