الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وطن بلا عشوائيات.. وطن بلا كوارث


الثانى عشر من أكتوبر عام 1992م ، الساعة الثالثة ظهر هذا اليوم المشئوم ، كان موعد مصر مع أكبر تحدٍ آنذاك واجهته الدولة المصرية بعد زلزال أكتوبر الذى شرد حوالى خمسين ألف شخص ودمر الكثير من المبانى المتهالكة والعمارات القديمة ، ظل الكثير منهم فى مساكن الايواء الأليمة فى وضع غير آدمى فى صراع مع المحافظة ووزارة الاسكان بعد دمار بيوتهم البسيطة حتى وإن كانت فى مناطق عشوائية ولكن كانت تأويهم !

أطفال ضحايا ذلك الزلزال لم يتضرروا فقط من الزلزال الذى استمر فى القاهرة نصف دقيقة ولكن من الزلزال الذى دمر حياتهم وشخصيتهم ووعيهم، وجعل تصورهم عن الوطن تصورا يسكنه الخوف والبُغض والكراهية فصاروا اليوم  إما مهاجرين غير شرعيين ، أو مواطنين ساخطين على الوطن أو على أقل تقدير؛ ليس لديهم أى انتماء لتلك الأرض وكل ذلك بسبب غياب المأوى الآمن الصحى لطفل لا يزال يتشكل وعيه وتصوره عن وطنه.

ومن هنا جاءت أهمية إزالة العشوائيات من قبل ادارة الدولة المصرية الحالية ، ليس فقط جزءًا من الحرب على الارهاب؛ حيث إن شباب العشوائيات هم أكثر عرضة للتجنيد الفكرى والسموم الفكرية ولكن لرؤية مستقبلية تضمن أجيالا أصحاء نفسيًا وجسديًا .

أما على الصعيد الآخر ، فالعشوائيات تعنى سوء تخطيط ، وسوء التخطيط يعنى سوء استهلاك الموارد وإهدارها، فقطعة الأرض التى تُقسم عشوائيًا تُهدر ، كما يصعب ادخال المرافق بها بشكل سهل وبأقل التكلفة ، فإدخال الغاز الطبيعى والمياه والصرف الصحى لحى مقسم بشكل غير منظم سُيكلف الدولة أكثر بكثير من ادخال كل ما سبق من أساسيات الحياة النظيفة الصحية فى حى مُقسم بطريقة هندسية ، كما يضمن ذلك التخطيط العلمى سهولة رفع الكفاءة لأى مرفق أو شارع فى السنوات المقبلة مما يجعل من ذلك مسارًا صحيحا للدولة التى تريد أن تبنى نفسها من جديد بشكل صحيح بل وتنهض أيضًا.

فالاستفادة من الصحراء وتعميرها من أجل إقامة مدن متكاملة للعيش بها وتدمير العشوائيات التى تشوه القاهرة يضمن الربح للطرفين ، المواطن والدولة ، مثل ما حدث فى مثلث ماسبيرو الذى كان مكتظًا ببنايات متهالكة عشوائية يشوه المبانى الضخمة التى تطل على نهر النيل وتشوه صورة قلب القاهرة أمام أى سائح ولا تضمن أى صورة من صور العيش الكريم لسكانها المهددين فى أى وقت بالتشرد اثر أى كارثة طبيعية مثل زلزال 92 ، كما يضمن استغلال تلك الأرض من أجل اقامة مشاريع أو ناطحات سحاب تمثل ربحًا لميزانية الدولة.

ليس فقط مثلث ماسبيرو ، ولكن هناك الكثير من الأماكن التى يجب أن تتعامل معها الدولة مثل ذلك المثلث، كجزيرة الوراق مثلا وغيرها ، وعلى المواطن أن يعى أن الدولة لا تريد تهجيره من مسكنه ولكن ذلك المسكن المتهالك الذى يقطنه وهو راضٍ ليس أفضل ما يستحقه بل هناك مدن جديدة عليلة الهواء صحية يستحق أن يحيا بها المواطن المصرى فلا يجب أن تكون رؤيتنا السطحية عثرة أمام ارادة دولة قررت ألا نكون يومًا ما لاجئين داخلها أو خارجها .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط