الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سلامة موسى.. الجبّار الذي نادى بالنهضة وكرهه الجميع










لم يرض أحد سلامة موسى بكتاباته في عصره، وخصوصًا من جيل المؤسسين الكبار، الذين أفزعتهم النظرة التحررية والعلمانية واللادينية له، وحدته في طرحها، فاتهموه مرة بأنه معاد للإسلام واتهموه أخرى بأنه الكاتب الذي لا وجهة واضحة له، فالعلماء يحسبونه على الأدباء، والأدباء يحسبونه على العلماء.

سلامة موسى وكفى.. كاتب مُحير مثير للضجة والعواصف في عصره وبعد عصره.

من جيل المؤسسين للثقافة والنهضة المصرية الحديثة (1887 1954) مشكلته في رأيي، أن المجتمع المصري في بدايات القرن العشرين لم يكن جاهزًا، لتلقي أفكار سلامة موسى أو التعاطي معها. فقد ظهر في مجتمع كان أنذاك يغط في غياهب الجهل والتخلف، ويرزح تحت نيران الاستعمار البريطاني. كما أن سلامة موسى لعب على أوتار حادة، وبالتحديد الكتابة في الدين أو بالاحرى في نقد الأديان والمجاهرة بالرفض التام لها.

والحق ومن خلال قراءاتي، لبعض كتب وأفكار الرائد العملاق سلامة موسى، أقول بوضوح، أنه الكاتب الذي لم يقرأ بعد، ولم تهضم أفكاره ولم تبحث بهدوء بعيدًا عن العصبية والتشنجات، وبعيدا عن الموافقة عنها أو الرفض التام لها، فـ سلامة موسى وضع لبنة في تحرير العقل المصري، وفي الدعوة إلى نهضة ثقافية واجتماعية كاملة.

وربما كان سفره مبكرًا إلى أوروبا في عام،1906 وعمره أنذاك 19 عاما، واحدة من المزايا الهامة التي أثرت على الرحلة العقلية لسلامة موسى وأفكاره عن النهضة والاشتراكية فيما بعد.

وربما ايضا، كان سلامة موسى هو المفكر المصري الوحيد الذي قابل بعض المفكرين والفلاسفة الغربيين العظام في عصره، فتعرف على "فولتير" في فرنسا وقابل العملاق الإيرلندي جورج برنارد شو، الذي قال عنه نجيب محفوظ: أحتاج 9 نوبل حتى أصل إلى قامة جورج برنارد شو وهو من هو.

كان لهذه التربية الغربية، في بدايات حياة سلامة موسى أثرها الكبير على أرائه، فعاد لمصر وهو متأثر تمامًا بما رأه في فرنسا وانجلترا وكان يرى أو بالأحرى يريد أن تكون مصر قطعة من أوروبا وينزاح عنها هم التخلف والجهل والأمية. فجاءت أفكاره وكتاباته لاذعة تدور في قضايا محددة وواضحة، عن ماهيات النهضة ورفضه للفكر الغيبي أو الديني، ودعوته للتحرر والعلمانية وإيمانه التام بالاشتراكية كوسيلة لتحقيق العدل الاجتماعي. وقد قوبلت هذه الآراء بعاصفة شديدة من النقد، لأنها لم تهاجم فقط الأديان ولكنها دعت الى العلمانية والتحرر.

وبالطبع كانت "قبطية" سلامة موسى تدفع الكثيرين للضغط باستمرار على هذه النقطة، لإحراجه كما يتصورون أمام الرأي العام. لكنها في هذا الوقت المبكر انتصرت للتحرر والعلمانية وهاجمت كل ما يقيد المرأة.

وبالنظر إلى كتب سلامة موسى ومؤلفاته، التي أعتقد أن أغلبها لم يقرأ بعد 75 عامًا من وفاته، قادرة على إيضاح بعض النقاط المضيئة في مسيرته. فهو من كتب "السوبر مان" وحرية العقل في مصر والنهضة الأوروبية والحرية وأبطالها في التاريخ وأحلام الفلاسفة والمرأة ليست لعبة الرجل وهؤلاء علموني، وما هى النهضة والنهضة الأوروبية وكتاب الثورات، والأدب والحياة وأحاديث إلى الشباب ومشاعل الطريق للشباب، وغيرها من نحو 40 مؤلفًا سطرها سلامة موسى ليحفر بها تاريخًا خالدًا من الفكر والحرية والآراء الصادمة، التي لم يتكيف معها قراء عصره ولم يقبلها كبار المفكرين المعاصرين له ومنها قوله: أن" الكتاب والفلاسفة يقومون بنفس الدور الذي يقوم به الأنبياء وهم أنبياء هذا العصر لأنهم يطورون الفضائل في المجتمع!

وغيرها وغيرها من الأفكار التي لا يتسع مقال واحد للإحاطة بها.

ورأيي أن أمثال سلامة موسى لا يموتون، لآن أفكارهم المثيرة التي أثارت الجدل لا تزال حية متوهجة، وأنا هنا لا أقول أنها الأصح والأفضل لتحقيق النهضة والخروج من الجهل وبوتقة التخلف والدخول للعصر للجديد، لكنها كانت ولا تزال اجتهاد فكري أصيل بمعنى الكلمة.

ويبقى سؤال.. بعد أكثر من قرن كامل على مولد سلامة موسى هل تقدمنا؟ هل تحققت النهضة التي كان ينادي بها؟ للأسف لم يحدث، ولا نزال ضمن دول العالم الثالث رغم كل الجهود، لأننا حتى الآن نرفض تجديد الفكر الديني، وقد كان سلامة موسى أول من نادى بذلك، كما لا نزال ننظر للغرب بارتياب، وربما النظرة الأثيرة لنا، أن الغرب منحل وأن الانحطاط هو السمة المميزة للغرب. وبالطبع ليس هناك وصف أكثر من أن أقول أنها نظرة متخلفة، وخلال القرن الماضي لم يثبت الغرب انه منحل – وفق تصوراتنا المريضة- ولكنه قام بأكثر من ثورة علمية ومعلوماتية واخترع الكمبيوتر والانترنت، وارتاد الفضاء وصنع حضارة هائلة، لكننا نحن لا نزال نقف عند عتبة الجنس والانحلال..

وفي الختام سلامة موسى، أيها القبطي الرائع الذي انتصرت لنهضة هذا الوطن رغم رفضي التام لبعض أفكارك، اقولها لك بملء الفم أمثالك لا يموتون، أيها الجبار لأنهم كانوا رسل للثقافة والنهضة ونحن لا نزال بحاجة لهما.


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط