تسابق الدولة المصرية بكافة مؤسساتها الزمن لتعميم التحول الرقمي، والذي يعد المدخل لتطبيق فكر "الجمهورية الجديدة"، ونجحت بالفعل خلال السنوات القليلة الماضية، في تطبيق الحلول التكنولوجية في كافة قطاعات ومشروعات الدولة.
وعي القيادة السياسية
أجمع خبراء قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أن تطبيق فكر الجمهورية الجديدة يرجع في المقام الأول إلى وعي القيادة السياسية، وقدرة الحكومة على تطبيق التحول الذكي في الخدمات الحكومية والتعاملات الخاصة بالمواطنين، فضلًا عن وجود شركات مصرية واعدة قادرة على توفير أفضل الحلول والمنتجات التكنولوجية التي تخدم توجه الدولة.

ويرتكز فكر"الجمهورية الجديدة"، على نمط جديد تعتمد عليه الجهات الحكومية فيما يتم تقديمه من خدمات للمواطنين، على أن تكون أدوات ونظم تكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصالات هي العامل المشترك في كل ما يتم إتاحته من خدمات حكومية سواء في خدمات النقل أو الطرق أو الإسكان أو الصناعة أو الزراعة وغيرها من قطاعات الدولة المختلفة، الأمر الذي يتطلب بنية تحتية قوية تتحمل أعباء هذا التغير نحو نهضة وتنمية المجتمع المصري.
محاور التحول الرقمي
واستعرض الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، في عدد من المؤتمرات والمحافل، إستراتيجية مصر الرقمية التي وضعها الرئيس عبد الفتاح السيسي وتشمل ثلاثة محاور رئيسية، وهى رعاية الإبداع، وبناء القدرات الرقمية، والتحول الرقمى.

فيما ترتكز على ثلاث قواعد وهى بنية تحتية كفء وريادة دولية وسياج تشريعى وحوكمى.
إتاحة الخدمات الرقمية للمواطنين
وأوضح الوزير، أن التحول الرقمي يشمل قسمين رئيسيين، هما إتاحة الخدمات الرقمية المقدمة للمواطنين، حيث تم إطلاق 60 خدمة على منصة مصر الرقمية ضمن خطة تستهدف رقمنة كافة الخدمات الحكومية مع نهاية 2023، لافتا إلى أنه تمت مراعاة أن تناسب هذه المنظومة الرقمية كافة فئات المجتمع، حيث تم إتاحتها من خلال مكاتب البريد ومراكز الاتصال لكى تلائم متطلبات الأشخاص غير الراغبين في التعامل المباشر مع التكنولوجيا.

أما القسم الثاني في التحول الرقمي يتعلق بتطوير أداء الحكومة من خلال وحدات التحول الرقمي في الحكومة وما يقترن به من الانتقال للعاصمة الإدارية الجديدة، وهو مشروع ضخم يرتكز على ستة محاور رئيسية، هي: إقامة بنية تحتية معلوماتية قوية وفقا لأحدث تقنيات علوم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لتحقيق التحول الرقمي بكفاءة.
التطبيقات التشاركية الموحدة
فيما يتمثل المحور الثاني في بناء التطبيقات المتخصصة التي تقيمها كل وزارة أو جهة لرقمنة الأنشطة والخدمات المقدمة للمواطنين، ويتعلق المحور الثالث ببناء التطبيقات التشاركية وهى معنية بالأنشطة الموحدة التي تتشارك فيها كافة الوزارات، موضحا أنه لتحقيق رؤية الحكومة نحو التحول إلى حكومة ذكية لا ورقية يتم العمل بالتعاون مع الوزارات على بناء منظومة التراسل من خلال منصة واحدة للحكومة المصرية يتم من خلالها تبادل الوثائق والتراسل بين جهات الحكومة بأكملها، بالإضافة إلى منظومة التوقيع الإلكتروني التى سيتم تفعيلها لكافة موظفي الحكومة بما يمكنهم من التوقيع بتأشيرة قانونية.

والمحور الرابع والمعني برقمنة الوثائق الحكومية، وذلك من خلال أرشفة جميع الأوراق والملفات المتداولة داخل الحكومة، أما المحور الخامس فهو معني بتنفيذ وحدات التحول الرقمي في كل الوزارات والهيئات بالحكومة المصرية ليكون محورا رئيسيا في كل هيئة وجهة حكومية، بينما يركز المحور السادس والأخير على مشروع انتقال الحكومة الى العاصمة الإدارية الجديدة، والذي يتمثل فى التدريب وبناء القدرات للعاملين على المهارات الرقمية المطلوبة لمواكبة بيئة العمل الجديدة.
كورونا دافع لتنفيذ الرقمنة
تحول مصر إلى دولة رقمية بالكامل» كان أحد أهم الأهداف التى تم السعى لها من أجل الدخول بين صفوف الدول المتطورة والمواكبة للتكنولوجيات الحديثة.

ولعل أبرز الأمور التى دفعت الدول إلى التحول نحو العالم الرقمى، أزمة انتشار فيروس كورونا فى مطلع 2020، لتسرع خطى تنفيذ هذا المشروع الذى شمل كل أجهزة الدولة والقطاعات الخدمية والإنتاجية وكذا القطاع المصرفى، فكانت البداية بوضع خطة استراتيجية مرحلية بالتعاون بين وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من جانب وأجهزة ومؤسسات الدولة على جانب آخر، من أجل إنشاء منظومة رقمية متكاملة مؤمنة لتحقيق نقلة نوعية فى الخدمات الحكومية للمواطنين.
بدأت المرحلة الأولى من مشروع تطوير البنية التحتية للاتصالات فى أنحاء الجمهورية فى 2019 باستثمارات 30 مليار جنيه، ثم تبعه تنفيذ المرحلة الثانية فى النصف الثانى من 2020 بتكلفة تصل إلى نحو 5.5 مليار جنيه ما أدى إلى مضاعفة سرعة الإنترنت فى مصر أكثر من 6 مرات عن يناير 2019؛ حيث ارتفع متوسط سرعات الإنترنت الثابت إلى 39.6 ميجابت/ثانية فى إبريل 2021، مقابل 6.5 ميجابت/ثانية فى يناير 2019.
وتم تنفيذ مشروع ربط جميع المبانى الحكومية البالغ عددها نحو 31500 مبنى حكومى على مستوى الجمهورية بشبكة الألياف الضوئية خلال 24 شهرًا، وبتكلفة تصل إلى 6 مليارات جنيه؛ حيث تم ربط أكثر من 13 ألف مبنى، إلى جانب اتخاذ عدة إجراءات، منها ربط أكثر من 75 قاعدة بيانات حكومية ببعضها، لمعالجة الازدواجية فى قواعد البيانات، فضلا عن إطلاق 75 خدمة حكومية مرقمنة على «منصة مصر الرقمية» باستثمارات 3 مليارات جنيه، لرقمنة الخدمات الحكومية وإتاحتها إلكترونيًا، حيث سُجل ما يزيد على 2.2 مليون مواطن، وكذلك إطلاق الاستراتيجية الوطنية للتجارة الإلكترونية، لجعل مصر دولة رائدة فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وزيادة حجم التجارة الإلكترونية فى الاقتصاد القومى والمساهمة فى تحقيق الشمول المالى وزيادة الصادرات المصرية والدخول فى أسواق جديدة.

ومع التحول الرقمى كان اعتماد آلية التوقيع الإلكترونى خطوة أساسية، حيث تم تعديل اللائحة التنفيذية لقانون التوقيع الإلكترونى المصرى، والتى تضمنت إضافة خدمة الختم الإلكترونى وإضفاء الحجية القانونية للتوقيت الزمنى للمحررات الإلكترونية (أو ما يعرف بالبصمة الزمنية)، وذلك بهدف الاستفادة من تكنولوجيا التوقيع الإلكترونى فى المعاملات الإلكترونية الحكومية والتجارية والإدارية.
رقمنة منظومات الدولة
وشملت المشروعات الرقمية ميكنة منظومة التأمين الصحى الشامل بالتعاون مع وزارتى «الصحة والإنتاج الحربى»، فضلًا عن وجود خطة لتنفيذ عدد من المشروعات الخدمية بالتعاون مع قطاعات الدولة لتحقيق التحول الرقمى، وأبرزها مشروعات عدالة مصر الرقمية، وتطوير منظومة الحيازة الزراعية وإصدار الكارت الذكى للفلاح، وميكنة المستشفيات الجامعية، والتحول الرقمى فى منظومة التعليم العالى، والتحول الرقمى فى منظومة إدارة أملاك الدولة، والرقم القومى للعقارات.

واحتاج المشروع الخاص بنقل الحكومة إلى العاصمة الإدارية الجديدة، إلى تجهيز قواعد بيانات الوزارات والعمل ارتكازًا على التكنولوجيات الحديثة لتحقيق نقلة نوعية فى الأداء الحكومى لتصبح «حكومة ذكية تشاركية لا ورقية» يتم خلالها التراسل وتبادل المعلومات من خلال آليات رقمية، فيما شملت خطة الدولة فى إطار الرقمنة والتحول الرقمى تحسين خدمات الاتصالات المقدمة للمواطنين، حيث تم طرح رخص خدمات الجيل الرابع والهاتف الثابت الافتراضى على الشركات، وقامت الشركات الـ4 العاملة بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بالتوقيع على اتفاقية الحصول على الرخصة والحصول على الترددات المتفق عليها فى 2016.

ونتيجة لطرح تلك الرخص، وحصول شركات الاتصالات الـ4 عليها، ورد إلى خزينة الدولة نظير تلك الرخص مبالغ قدرت بنحو 1.1 مليار دولار بالإضافة إلى نحو 10 مليارات جنيه؛ كما تحولت الشركة المصرية للاتصالات التى تمتلك الدولة 80% من أسهمها إلى مشغل وطنى متكامل لخدمات الاتصالات، بعد حصولها على رخصة إنشاء وتشغيل وإدارة شبكات الجيل الرابع وتقديم خدمات المحمول، كما تم أيضًا طرح وتخصيص نطاقات ترددية جديدة للشركات المرخص لها بتقديم خدمات التليفون المحمول فى مصر بقيمة بلغت 1.17 مليار دولار، ومن أجل ضمان جودة الخدمة، تم إنشاء المركز القومى لمراقبة جودة خدمات الاتصالات، باستثمارات 50 مليون جنيه، لإجراء قياس دورى لجودة خدمات الصوت والإنترنت المحمول المقدمة من شركات الاتصالات العاملة فى مصر.
مصر تصنع الالكترونيات
وفى إطار الشمول المالى وتشجيع الاعتماد على آلية المدفوعات الإلكترونية عن طريق المحافظ الإلكترونية للهاتف المحمول، تم إتاحة تسجيل المحافظ الإلكترونية للهاتف المحمول مجانًا، وباستخدام وسائل التعرف الإلكترونية من المنزل.

وفى عام 2015 تم إطلاق مبادرة تصميم وصناعة الإلكترونيات «مصر تصنع الإلكترونيات» التى تهدف إلى توطين صناعة الإلكترونيات، بجانب افتتاح وتشغيل 3 مجمعات لإبداع الإلكترونيات فى كل من القرية الذكية، والمنطقة التكنولوجية ببرج العرب، والمنطقة التكنولوجية بأسيوط كمركز للتطوير والإبداع والتصنيع الرقمى للتطبيقات والمنتجات الإلكترونية، وتحفيز الشركات الناشئة وتنمية الكوادر فى مجال الإلكترونيات المتقدمة.