الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

القهوة.. مات لأجلها شابان من مدمنيها داخل القاهرة القديمة وقادتهم لاكتشاف الأمريكتينIتراث

صدى البلد

لطالما شكلت القاهرة القديمة الكثير من المفردات والعادات التراثية، التي تأثر بها الشعب مصري خلال فترات تاريخه المختلفة، ولعل زوار المدينة التاريخية أول ما يدهشهم داخل المدينة هي كثرة “المقاهي” التي قد يظن البعض أنها نشأت داخل النسيج العمراني للمدينة، لتحقيق عنصر جذب سياحي، لكن بالرجوع للتاريخ نكتشف أن تلك الممارسات لم تكن وليدة صدفة أبدا طوال عمر القاهرة القديمة.

 يقول الدكتور حسام إسماعيل أستاذ الآثار بجامعة عين شمس “ازدهرت القاهرة القديمة بتجارة البن منذ القرن الـ١٦ وكانت تضم العديد من الوكالات الخاصة بالبن القادم من اليمن، منها وكالة إسماعيل أبو طاقية، وعندما بحثت عن سبب دخول القهوة مصر وجدتُ أن البن قد دخل من خلال طلبة الأزهر اليمنيين، وتهافت عليه الطلاب بشدة نظرًا لأنه مشروب منبه وقوى ويساعد على التركيز أثناء المذاكرة، وبعد ذلك عرفه الشارع المصرى فى أوائل القرن السادس عشر، وأقبل عليه المصريون بكثرة، فتدَّخل رجال الدين وحرَّموه، لأن النبى محمد والصحابة لم يشربوه وبذلك يعتبر بدعة وشاربه فى النار”. 

فى  بداية سنة ١٥٧٢ ميلاديًا صدرت فتوى من الشافعية بتحريم تناول القهوة، مما أدى إلى هياج العامة حتى قاموا بتكسير المقاهى التى تُقدم هذا المشروب الحرام، وفى نهاية العام تصاعد الغضب الشعبى ضد القهوة وكثرت تحريضات أئمة الجوامع ضدها وضد شاربها وحاملها، حتى صدرت فتوى رسمية بغلق جميع المقاهى ومصادرة البن، بل وتكسير الأوانى، وانتشر العسس (من يطوفون بالليل ويحرسون البيوت ويكشفون أهل الريبة واللصوص) يقبضون على شاربى القهوة وتجارها.

وهنا اتحد تجار القهوة مع المدمنين الجدد وطلبوا فتوى جديدة من الشيخ أحمد السنباطى الذى أفتى بالقول: «مادامت القهوة تؤثر فى العقل إيجابًا أو سلبًا فهى حرام» مما تسبب فى نشوب معركة بين الشيخ ومؤيديه وبين التجار ومدمنى المشروب الحرام، انتهت بمقتل أحد المدمنين، ليهرب الشيخ ورجاله إلى الجامع، ويحاصره التجار والمدمنين.

فى أثناء الحصار مات رجل آخر من أنصار القهوة، وقام أهله بنصب صوان العزاء خارج الجامع المحاصَر، ونكاية فى الشيوخ قام أهل القتيل بتوزيع قهوة سادة فى العزاء، وعندما وصل الأمر للسلطان العثمانى أقال المفتى وعيَّن مفتٍ جديد أفتى بجواز شرب القهوة. ومن هنا نجد أيضًا أن عادة شرب القهوة السادة فى العزاء كان أصلها نابع من هذه المنطقة.

بعد ذلك ظلت المناوشات مستمرة من جانب المتشددين، لكنها كانت تتلاشى أمام النشاط الاقتصادى الذى أضاف إلى التجارة الدولية البُن، فقد كان إيرادها مرتفع ويومى. ولا يمكن - أيضًا - نسيان دور طواف الصوفية الذين كانت القهوة من طقوسهم.

هذه الأسباب تجعلنا اليوم نرى تلك «القهاوى» الكثيرة فى هذه المنطقة، إنها ظاهرة ضحى لأجلها شابان بحياتهما، حتى ننعم بشُرب قهوتنا على مقهى الفيشاوى اليوم بصحبة موسيقى وأغانى أم كلثوم.
 

اكتشاف الأمريكتين

 

نشاط هذه المنطقة التجارى أدَّى كذلك إلى أن السلطان برسباى قرر شن حملاته على قبرص، فأرسل ثلاث حملات للسيطرة عليها لأنه أراد أن يحتكر السلع وأن يفرض ضرائب مرور على التجارة باعتبار أن مصر فى وسط طريق التجارة العالمية، مما أدَّى إلى أن البرتغاليين والإسبان رغبوا فى أن يتفادوا مصر نظرًا لرسوم الضرائب المفروضة عليهم، فاكتشفوا رأس الرجاء الصالح للدوران حول إفريقيا ومن ثم اكتشف كولومبوس الأمريكيتين، وبالتالى كانت مصر وهذه المنطقة تحديدًا، بسبب ضرائبها الباهظة، سببًا لتفكير الدول الأوروبية لاكتشاف العوالم الجديدة، ومنها أتوا لنا بالبن البرازيلى عوضًا عن اليمنى.
 

هذا الأمر يجعلنا نقف ونتأمل؛ لأن الصين فى الوقت الراهن عقدت مؤتمرًا دوليًا يُسمى «الحزام والطريق» لإحياء طريق الحرير القديم عبر نقل البضائع التجارية من خلال آسيا وإفريقيا وأوروبا، عبر مد شبكة قطارات واسعة تجعلنا، على سبيل المثال، نختصر مسافة نقل البضائع من مصر إلى إفريقيا فى ١٢ ساعة بدلًا من ثلاثة أيام، لهذا يجب المحافظة على مبانى هذه المنطقة التاريخية باعتبارها طريق الحرير القديم وباعتبار أنها كانت القاعدة الأخيرة لطريق الحرير لنقل البضائع التى تأتى من الصين وشرق ووسط آسيا عبر الإسكندرية إلى أوروبا، والمدينة اليوم لاتزال محتفظة ببواقى المبانى التجارية من خانات ووكالات، وتحتفظ بالتجارة التى كانت عبارة عن منسوجات حريرية وقطنية وتوابل.