الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

صلاة التسابيح.. الإفتاء: الفقهاء أجمعوا على ثبوت الأحاديث الواردة فيها

صلاة التسابيح
صلاة التسابيح

الأحاديث الواردة في صلاة التسابيح ، ما مدى صحة الحديث الوارد في صلاة التسابيح؟ وما حكمها؟ حيث يدَّعي بعض الناس أنها بدعة وضلالة، وأن حديثها مكذوب وموضوع.

الأحاديث الواردة في صلاة التسابيح


قالت دار الإفتاء المصرية، إن أحاديث صلاة التسابيح مروية من طرق كثيرة يقوي بعضها بعضًا، وجماهير العلماء من المحدِّثين والفقهاء سلفًا وخلفًا أجمعوا على ثبوت حديثها، وقليل منهم ضعَّفه، ثم من المُضَعِّفين من أجاز فعلَها ومنهم من كرِهَهُ، ولم يُنقَل عن أحد منهم القول بتحريمها أو بطلانها، بل كان كثير من السلف يحرص على المداومة على أدائها، ومجرد المخالفة في هيئة الصلاة عن الهيئة المعتادة لا يقدح في مشروعيتها كما هو الحال في كثير من الصلوات؛ كالعيدين والجنازة والكسوف والخسوف والخوف.

أحاديث صلاة التسابيح

 

وذكرت دار الإفتاء، أن حديث صلاة التسابيح مرويٌّ من طرق كثيرة مِن حديثِ أكثر مِن عشرةٍ مِن الصحابة، وعن عدة من التابعين، وقد أخرج حديثَها أئمةُ الإسلام وحُفَّاظُه؛ كما يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في "أجوبته على أحاديث المصابيح" المطبوع في آخر كتاب "المصابيح" (3/ 1780، ط. المكتب الإسلامي)، وقد توارثتها الأُمَّةُ؛ كما يقول العلامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 216، ط. دار الكتب العلمية).

وأمثلُ طرقها حديث عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: « يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّاهُ، أَلَا أُعْطِيكَ، أَلَا أَمْنَحُكَ، أَلَا أَحْبُوكَ، أَلَا أَفْعَلُ لَكَ عَشْرَ خِصَالٍ، إِذَا أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ غَفَرَ اللهُ لَكَ ذَنْبَكَ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَقَدِيمَهُ وَحَدِيثَهُ، وَخَطَأَهُ وَعَمْدَهُ، وَصَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ، وَسِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ.

عَشْرُ خِصَالٍ: أَنْ تُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، تَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ قُلْتَ وَأَنْتَ قَائِمٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ للهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً، ثُمَّ تَرْكَعُ فَتَقُولُ وَأَنْتَ رَاكِعٌ عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنْ الرُّكُوعِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَهْوِي سَاجِدًا فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ سَاجِدٌ عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنْ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَسْجُدُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنْ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، فَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، تَفْعَلُ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَافْعَلْ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي عُمُرِكَ مَرَّةً» رواه البخاري في جزء "القراءة خلف الإمام"، وأبو داود وابن ماجه في "سننهما"، وابن خزيمة في "صحيحه"، وأبو علي بن السكن في "صحيحه"، والطبراني في "المعجم الكبير"، وابن شاهين في "الترغيب والترهيب"، والحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "السنن الكبرى" و"الدعوات"، والبغوي في "شرح السنة".

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -فيما نقله عنه السيوطي في "اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" (2/ 38-39، ط. دار المعرفة)-: [رجال إسناده لا بأس بهم، عكرمة احتج به البخاري، والحَكَمُ صدوق، وموسى بن عبد العزيز قال فيه ابن معين: لا أرى به بأسًا، وقال النَّسَائي نحو ذلك.. وقد أساء ابن الجوزي بذكره إياه في "الموضوعات"] اهـ.
وقد صحَّح حديثَ صلاة التسابيح أو حسّنه وقوَّى العمل به جماعةٌ من الحفاظ، منهم: أمير المؤمنين في الحديث إسحاق بن راهويه، وإمام أهل السنة أحمد بن حنبل، وأبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، وابن خزيمة، وأبو علي بن السكن، وأبو حفص عمر بن شاهين، والدارقطني الذي أفردها بجميع طرقها في جزء، والحاكم في "المستدرك"، وأبو بكر الآجري، وابن منده وألف في تصحيحه كتابًا، والبيهقي، والخطيب البغدادي وجمع طرقها في جزء، ومحيي السنة البغوي، وأبو سعد السمعاني، وأبو موسى المديني وجمع طرقها في جزء سماه "تصحيح صلاة التسابيح"، وأبو محمد عبد الرحيم المصري، وأبو الحسن المقدسي، والحافظ المنذري، والحافظ ابن الصلاح، والنووي في "تهذيب الأسماء واللغات"، والإمامان التقي وولده التاج السبكيان، والحافظ العلائي، والإمام الزركشي، والسراج البلقيني، والعلامة ابن الوزير، والحفاظ: ابن ناصر الدين الدمشقي، وابن حجر العسقلاني، والجلال السيوطي ولكل منهم في تصحيحه جزء، وغيرهم.
قال الإمام الحافظ إسحاق بن راهويه الحنظلي فيما نقله عنه تلميذه منصور بن إسحاق الكوسج في "مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه" (9/ 4696، ط. الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة): [لا أرى بأسًا إن استعمل صلاة التسبيح على ما جاء أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر العباس رضي الله عنه بذلك؛ لأنه يُروَى من أوجه مرسلًا، وإن بعضهم قد أسنده، ويشد بعضه بعضًا، وقد ذُكر فيه مِن الفضل ما ذُكِر] اهـ.
وقال الإمام مسلم: "لا يُروَى في هذا الحديث إسناد أحسن من هذا"، وقال أبو داود: "ليس في صلاة التسبيح حديث صحيح غير هذا"، وقال الترمذي: "وقد رأى ابن المبارك وغير واحد من أهل العلم صلاة التسابيح وذكروا الفضل فيه".

صلاة التسابيح
 

وأوضحت دار الإفتاء، أن القول بمشروعية هذه الصلاة واستحبابها هو ما نصَّ عليه جماهير العلماء سلفًا وخلفًا، وهو ما عليه جماهير فقهاء المذاهب الأربعة المتبوعة.
فهو مذهب الحنفية:

فنصَّ الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/ 216، ط. دار الكتب العلمية) على أنَّ هذه الصلاة توارَثَتْها الأُمّة.

وقال العلامة الزبيدي الحنفي في "إتحاف السادة المتقين" (3/ 478، ط. مؤسسة التاريخ العربي): [وقد نصَّ على استحبابها غيرُ واحدٍ مِن أصحابنا آخرهم صاحب "البحر"، والبرهان الحلبي، وذكرها فخر الإسلام البزدوي في "شرح الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن] اهـ.

وكان الإمام أبو المعالي الباخرزي الحنفي [ت: 659هـ] يصليها جماعة؛ كما نقل الحافظ الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (23/ 365، ط. مؤسسة الرسالة)، وكذلك الإمام أبو الفتح ركن الدين الملتاني [ت: 734هـ] ومات رحمه الله وهو يصليها ليلة الجمعة؛ كما في "الإعلام بمَنْ في تاريخ الهند من الأعلام" للعلامة الطالبي (2/ 143، ط. دار ابن حزم)، ويُروَى ذلك أيضًا عن الإمام الفقيه حاتم الحملاني اليمني [ت: 765هـ] كما في "الملحق التابع للبدر الطالع" (2/ 67، ط. دار المعرفة).
وهو الذي عليه السادة المالكية؛ حيث ذكرها القاضي عياض المالكي في الصلوات الفضائل ذوات الأسباب كما في كتابه "الإعلام بحدود وقواعد الإسلام" (ص: 48، ط. دار الفضيلة)، والإمام أبو القاسم بن جُزَيٍّ في "القوانين الفقهية" (ص: 33)، والإمام العارف سيدي أحمد زروق، والعلامة التتائي في "فتح الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل" -كما في "منهج التوضيح لمسائل صلاة التسبيح" للعلامة الهاشمي السلوي المالكي (ص: 51-52، ط. مركز نجيبويه)-.

وهو ما عليه الشافعية في طريقتي الخراسانيين والعراقيين متقدميهم ومتأخريهم.

وهذا هو ما استقر عليه قول الإمام أحمد رحمه الله؛ حيث رجع عن القول بتضعيفها؛ كما استظهره الحافظ ابن حجر في "أجوبته على المصابيح" (3/ 1780).

 

وللعلماء في تصحيح حديثها مصنفات كثيرة.
ويرى بعضُ العلماء أنَّ حديثها ضعيف؛ ويُروَى هذا عن الإمام أحمد وقد رجع عنه كما سبق، والحافظ العقيلي، والقاضي أبو بكر بن العربي، والمجد الفيروز آبادي، وقال بكراهة فعلها جماعةٌ مِن الحنابلة، ومال الحافظ ابن حجر للتضعيف في "التلخيص الحبير"؛ وكتاب "التلخيص" من أوائل كتبه؛ فإنه فرغ منه تعليقًا سنة 812هـ، وفرغ منه تتبعًا سنة 820هـ -كما وُجِدَ بخطه في آخر "التلخيص" (4/ 404، ط. مؤسسة قرطبة)-، ثم إنه رجع عن ذلك فحسّنها في كتبه التي صنفها بعد ذلك؛ كما في "أمالي الأذكار" التي استمر في تصنيفها حتى توفي؛ كما في "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر" للحافظ السخاوي (2/ 583، ط. دار ابن حزم).
والقول بتضعيفها لا يستلزم بطلان فعلها أو بدعيته؛ فإنَّ السلف اتفقوا على العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، وهذا الإمام ابن قدامة الحنبلي يقول -كما سبق النقل عنه-: [وإن فعلها إنسان فلا بأس؛ فإن النوافل والفضائل لا يُشْتَرَط صحة الحديث فيها] اهـ.
أما القول بأنها موضوعة فهو قول الحافظ ابن الجوزي الحنبلي، ولم يسبقه إلى ذلك أحد، وتبعه على ذلك ابن تيمية؛ قال العلامة ابن مفلح في "الفروع" (2/ 405، ط. مؤسسة الرسالة): [وادَّعَى شيخُنا أنه كذبٌ] اهـ، وقد ردَّ عليهم العلماء والحفاظ في ذلك، وبينوا أنَّ القولَ بوضعها أو كذبها قولٌ مهجورٌ مُطَّرحٌ، لا يساعده نقل ولا يَدُلُّ له عقلٌ؛ قال الحافظ الفقيه محب الدين الطبري [ت: 694هـ] -فيما نقله الحافظ سراج الدين بن المُلَقِّن في "البدر المنير" (4/ 241، ط. دار الهجرة)-: [لم يكن له أن يذكر هذا الحديث في الموضوعات فقد خرَّجه الحفاظ، وله مثل هذا كثير عفا الله عنه، وقد رُوِيَ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يواظب على فعلها بعد الزوال في كل جمعة، قال العلماء: وإذا عمل الصحابي بحديث دلَّ على قوته، ولا التفات إلى قول مَن زهَّد فيها، وقد رُوِيَ عن أبي داود أنه قال: عَرضتُ السُّنَنَ بعد فراغها على أحمد بن حنبل فارتضاها ولم ينكر منها شيئًا، وصلاة التسبيح مُثبَتةٌ فيها، وشيوخُ الحديث قد ينقلون الحديث من طريق صحيحة، ثم من طريق ضعيفة فيطلقون عدم الصحة، ويريدون ما نقل بالطريق الضعيف، وجمهور الفقهاء لم يمنعوا صلاة التسبيح مع اختلافهم في المنع من تطويل الاعتدال] اهـ.
وقال البيهقي بعد تخريجه: كان عبد الله بن المبارك يصليها وتداولها الصالحون بعضهم عن بعض، وفي ذلك تقوية للحديث المرفوع. وأقدَمُ مَن رُوِيَ عنه: فلعله أبو الجوزاء أوس بن عبد الله البصري مِن ثقات التابعين؛ أخرجه الدارقطني بسند حسن عنه: أنه كان إذا نودي بالظهر أتى المسجد فيقول للمؤذن: "لا تُعْجِلْني عن ركعتين"، فيصليها بين الأذان والإقامة. وقال عبد العزيز بن أبي رَوّاد -وهو أقدم من ابن المبارك-: "مَن أراد الجنة فعليه بصلاة التسبيح". وقال أبو عثمان الحيري الزاهد: "ما رأيت للشدائد والغموم مثل صلاة التسبيح". وقد نص على استحبابها أئمةُ الطريقين مِن الشافعية: كالشيخ أبي حامد، والمحاملي، والجويني، وولده إمام الحرمين، والغزالي، والقاضي حسين، والبغوي، والمتولي، وزاهر بن أحمد السرخسي، والرافعي، وتبعه في "الروضة"] اهـ.
ونقل الحافظ السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (2/ 43-44) تصحيح الحديث عن جماعة من الحفاظ فقال: [وقال الحافظ صلاح الدين العلائي في "أجوبته على الأحاديث التي انتقدها السراج القزويني على المصابيح": حديث صلاة التسبيح حديث صحيحٌ أو حسنٌ ولا بُدَّ. وقال الشيخ سراج الدين البُلقيني في "التدريب": حديث صلاة التسبيح صحيح وله طرق يعضد بعضها بعضًا؛ فهي سُنّةٌ ينبغي العمل بها. وقال الزركشي: غلط ابن الجوزي بلا شك في إخراج حديث صلاة التسبيح في الموضوعات.. وابن الجوزي متساهل في الحكم على الحديث بالوضع] اهـ.
فالحاصل أنَّ هذه الصلاة مروية من طرق كثيرة يقوي بعضها بعضًا، وأنَّ ذلك اعتضد بفعل كثير من السلف لها ومداومتهم عليها، وأنَّ مجرد المخالفة في هيئة الصلاة عن الهيئة المعتادة لا يقدحُ في مشروعيتها كما هو الحال في كثير من الصلوات؛ كالعيدين والجنازة والكسوف والخسوف والخوف، وأنَّ جماهير العلماء من المحدِّثين والفقهاء سلفًا وخلفًا على ثبوت حديثها، وقليل منهم ضعَّفه، ثم من المُضَعِّفين من أجاز فعلَها ومنهم من كرهه، ولم يُنقَل عن أحد منهم القول بتحريمها أو بطلانها؛ فإنَّ القول بتضعيف حديثها لا يستلزم بطلانها؛ بل مِن العلماء مَن نص على جواز فعلها مع قوله بتضعيف حديثها، أما القولُ بوضع حديثها أو كَذِبِه وأنَّ فعلها حرام بناءً على ذلك: فهو قولٌ باطل مردودٌ على قائله.
وقد تقرَّر في قواعد الشريعة: أنه "إنما يُنكَر المتفق عليه ولا يُنكَر المختلف فيه"؛ فمَن فعل هذه الصلاة وواظب عليها خصوصًا في المواسم المباركة؛ كليالي الجمعة وليالي العشر الأواخر من رمضان فهو على خير وسُنَّةٍ ومتابعة لسلف الأمة وخلفها، فقهائها ومحدِّثيها، ومن لم يفعلها تقليدًا لمن ضعَّف حديثها وكره فعلها فلا حرج عليه بشرط عدم الإنكار على مَن فعَلها؛ لأنه لا إنكار في مسائل الخلاف.