الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الفاجعة 18| حزن شديد يخيم علي مدينة جرجيس التونسية.. ما القصة؟

مدينة جرجيس التونسية
مدينة جرجيس التونسية

حزن شديد يخيم علي مدينة جرجيس التونسية بعد غرق عدد من أبنائها من عائلة واحدة في مركب للهجرة الغير شرعية. 

تقع شبة جزيرة جرجيس  في الجنوب الشرقي لتونس على بعد 540 كلم من العاصمة، والتي كانت سابقاً إحدى أجمل المحطات السياحية، تحوّلت اليوم إلى واحدة من المدن التي اقترن اسمها بالهجرة السرية وذاع صيتها بسبب الكمّ الكبير من رحلات "الحرقة" التي انطلقت منها.
 

وتعد قطاعات الفلاحة والصيد البحري والسياحة والتجارة، المهن الرئيسية لابنائها حيث يشتغل عدد كبير من أبنائها هم من المغتربين، لكن الأزمة الاقتصادية التي تعانيها تونس منذ أكثر من عشر سنوات ضربت القطاعات الواعدة، فارتفعت فيها نسب البطالة والفقر، ما دفع الكثيرين للتفكير في الهجرة نحو أوروبا. 

وساعد موقع جرجيس أبناءها على تنظيم رحلات هجرة سرية إلى شواطئ إيطاليا، وخصوصاً أن أغلب سكانها هم من البحارة الذين خبروا البحر. ويقول المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر لـ"النهار العربي"، إن شبكات عائلية تشرف على تنظيم رحلات الهجرة السريّة هناك، لذلك فإن "معظمها عادة ناجح".

ويلفت إلى أن ظاهرة هجرة سكان المنطقة نحو أوروبا ليست حديثة بل تمتد لسنوات طويلة، وهو ما يفسر ارتفاع أعداد أبنائها المغتربين.

"الفاجعة 18"
"الفاجعة 18"، هكذا باتت تعرف مأساة غرق 18 شخصاً ينتمي معظمهم إلى عائلة واحدة، والتي شغلت الرأي العام في تونس خلال الساعات الأخيرة، بعدما خيّم الحزن على الشوارع وخرج السكان للاحتجاج مطالبين بـ"العثور على جثامين أبنائهم لدفنها".

قبل نحو ثلاثة أسابيع، غادر مركب الشاطئ وعلى متنه 18 شخصاً، كان من بينهم 6 نساء ورضيع لم يتجاوز عامه الأول وطفل عمره 14 عاماً ترك مقاعد الدراسة، وصمّم على الهجرة، كما روى والده لوسائل إعلام محلية.

فُقد أثر المركب لمدة أكثر من أسبوعين، تاركاً الأهالي في حيرة من أمرهم إلى أن طفت جثة ملاك، الشابة التي كانت من بين المهاجرين، فكان ظهورها شرارة لاحتجاجات تعيش على وقعها المنطقة منذ أيام، خصوصاً بعدما تبين، بحسب كثير من الناشطين في المدينة، أن عدداً من المفقودين دفنتهم السلطات في مقبرة مخصصة لدفن الغرباء من دون القيام بتحليل الحمض النووي للكشف عن هوياتهم الحقيقية.
 

صورة متداولة على أنها لوالدة أحد المفقودين تجلس على ثلاجة قبالة البحر في جرجيس.

تقصير حكومي
ويقول الناشط الحقوقي ابن المدينة شمس الدين مرزوق لـ"النهار العربي" إن السلطات قصّرت في البحث عن المفقودين، بل تعمدت دفن بعضهم من دون القيام بتحليل جيني، وهو ما يثير ريبة الأهالي.

ومع أن الناطق الرسمي باسم لجنة الكوارث في المدينة أكد أنه تمّ وضع الإمكانات المادية والبشرية من أجل مواصلة عملية البحث باعتماد كل الوسائل جواً، أو بحراً، أو عبر الرادارات المتنقلة والقارة، والزوارق، والطائرات، فإن بن عمر يقول إن تعاطي الدولة مع هذه الفاجعة "صدم الأهالي".

"مقابر المنسيّين"
وفي جرجيس مقبرتان لدفن الغرقى المجهولي الهوية، الأولى باسم "مقبرة الغرباء" شيّدها الناشط الحقوقي شمس الدين مرزوق بمجهود شخصي، والثانية تبرّع بها الفنان التشيكيلي الجزائري رشيد قرشي الذي فقد شقيقه في حادث هجرة غير شرعية، وتحمل اسم "جنان أفريقيا".

ويقول مرزوق إنه فكر في تشييد هذه المقبرة، بعدما فاضت الشواطئ بجثث الغرقى من الغرباء، ورفض الأهالي دفنهم في مقابرهم المحلية "حفظاً لكرامة هؤلاء الذين فرّوا من جحيم الفقر والحروب إلى جحيم البحر".

وبحكم موقعها الجغرافي القريب من أوروبا، ومن حدود تونس الجنوبية، صارت جرجيس وجهة للتونسيين الراغبين في الهجرة سراً، وللأفارقة من جنوب الصحراء القادمين إلى تونس عبر ليبيا، إما للهجرة نحو أوروبا أو بحثاً عن عمل.
 

ام تنتظر جثة ابنها 


ويقول مرزوق إن جرجيس خلت من شبابها، موضحاً أن "أغلب شباب المدينة هاجروا نحو أوروبا ومن تبقى منهم يفكر في الهجرة أيضاً، غير عابئ بصور الغرقى الصادمة".

وعوّض الأفارقة القادمون من جنوب الصحراء النقص في اليد العاملة في المدينة، وصار أغلبهم يعمل في قطاعات يعزف التونسيون عن العمل بها مثل التنظيف والفلاحة.

وفي المدينة أربعة مراكز لإيواء اللاجئين من جنوب الصحراء، فيما عُثر العدد الأكبر منهم على سكن بمجهوده الخاص.

واستأثرت محافظة مدنين التي تضم شبه جزيرة جرجيس بأكثر من 11 في المئة من عدد عمليات الهجرة غير النظامية التي أحبطتها السلطات التونسية.

هستيريا جماعيّة
و"الحرقة" هي كلمة تونسية تطلق على الهجرة بطريقة غير نظامية، ويقال "فلان حرق"، والحرق هو فعل رمزي لعملية إحراق المهاجر أوراقه الثبوتية فور وصوله إلى أوروبا، حتى لا تتمكن السلطات هناك من التعرف إليه وإعادته إلى بلده الأصلي.

وفي السنوات الأخيرة، تحوّلت "الحرقة" إلى هاجس جماعي لم يشغل الشباب فقط، بل صار هستيريا جماعية طالت كل الفئات العمرية والاجتماعية وحتى الثقافية، ليركب العجائز وأصحاب الشهادات الجامعية والرّضع والأطفال قوارب الموت بحثاً عن واقع أفضل.

وبحسب الأرقام الرسمية، وصل إلى شواطئ إيطاليا إلى غاية شهر أيلول (سبتمبر) الماضي أكثر من 250 ألف مهاجر غير نظامي، وارتفعت نسبة الواصلين بنحو 40 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بينما بلغ عدد الموتى والمفقودين 544