الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فورين أفيرز الأمريكية: اهربوا من الدولار سريعا وابحثوا عن غيره

الدولار الأمريكي
الدولار الأمريكي

يعاني العالم من أزمة  اقتصادية معقدة منذ ما يقرب من ثلاثة أعوام، إذ لم يكد يتعافى من التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا، حتى عادت الأزمة للتفاقم مجددا على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، وظهرت سلبيات الارتباط العكسي للعملات المحلية في غالبية دول العالم بـ الدولار الأمريكي صعودا وهبوطا، مما يهدد بزعزعة الاستقرار الاقتصادي في هذه الدول، وينبه إلى ضرورة فك هذا الارتباط المستمر منذ عقود، وإثراء البنوك المركزية باحتياطي من سلة عملات متنوعة.

الدولار مشكلة الجميع

ويُعد الدولار "مشكلة الجميع"، بتعبير جون كونالي وزير الخزانة الأمريكي السابق، حيث يفاقم صعوبات الالتزام بتسديد الديون لدى الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، خاصة وأنه لا بد من تسديد ديون الشركات في هذه الدول، التي تسيطر عليها الاستثمارات الأجنبية، بالدولار.

ووفقًا لمجلة "فورين أفيرز" الامريكية، ترتفع تكلفة خدمة الديون حتى مع إمكانية تسديدها بالعملات المحلية بسبب انخفاض قيمتها مقارنة بسعر صرف الدولار، ويؤدي هذا إلى انسحاب الشركات الاستثمارية الأمريكية من سوق الأصول في هذه الدول النامية هربا من الخسارة، وهو ما يرفع قيمة العملات الأجنبية ويجعل الوضع أشبه بالدوران في دائرة مفرغة.

وبسبب حتمية الدفع مقابل السلع المستوردة بالدولار، ترتفع أسعارها بالعملات المحلية، مما يؤدي إلى حدوث التضخم وهو آخر ما تتمناه الحكومات حاليا، لذا تتدخل البنوك المركزية لضبط سوق صرف العملات الأجنبية، بالسحب من الاحتياطي النقدي لأغراض الاستيراد ودعم العملة المحلية.

ورغم ذلك ينتهي المطاف بسندات الخزانة الأمريكية التي تبيعها البنوك المركزية الأجنبية في الأسواق المالية الأمريكية وتضاف إلى فائض المعروض منها، مما يرفع مكاسب تلك الأسواق ويدعم الدولار الأمريكي أكثر فأكثر، وعلاوة على ذلك فإن تدخل البنوك المركزية في أي دولة في نشاط أسواق صرف العملات يعد مؤشرا على ضعف الاقتصاد في تلك الدولة ويعرضه لمزيد من الأزمات المالية والاقتصادية.

الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يعالج مشكلة التضخم على حساب العالم

ولا يعتزم الاحتياطي الفيدرالي ( البنك المركزي الأمريكي) التخلي عن دوره في خطة مكافحة التضخم ورفع أسعار الفائدة، حيث يؤثر هذا سلبا على بقية العالم، بل يمكنه اللجوء إلى خطوط مبادلة العملات، التي يمكن من خلالها تزويد البنوك المركزية الأجنبية بالدولار، لكن يظل حجم التعاملات عبر خطوط المبادلات ضئيلا مقارنة بحجم الأسواق المالية العالمية، وفي حال استخدمتها البنوك المركزية في المزيد من التدخل في أسواق صرف العملات، فستعود الدولارات المتدفقة عبرها مرة أخرى إلى الولايات المتحدة، ما يجعلها آلية ضئيلة الجدوى.

ولا تتضمن الخيارات المطروحة لحل الأزمة تنسيق التدخل، مثلما حدث في اتفاق "بلازا" عام 1985، الذي اتفقت فيه الولايات المتحدة مع حكومات أخرى على بيع الدولار مقابل العملات الأجنبية بشكل متزامن لخفض قيمته، حيث استغرق الأمر فيما مضى عقودا لتحقيق التوافق بين كل من فرنسا وألمانيا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.

فرغم وجود فرصة أكبر لاجتماع الدول المشاركة في هذا الاتفاق مجددا اليوم، ألا أن الأمر يتطلب نوعا من التنسيق بين الولايات المتحدة والصين في وقت تسود فيه الخصومة بين البلدين، كما يتطلب تنفيذ الاتفاق أن يخفض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي معدلات الفائدة عل الودائع، وبالنظر للأهمية التي يوليها الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة الأمريكية لإجراءات مكافحة التضخم، فلن تقدم الحكومة الأمريكية على مثل هذه الخطوة.

ولا يمكن لصندوق النقد الدولي حل تلك المشكلة، حيث ينفذ برامج أخرى لإنقاذ الدول التي تعاني أزمات اقتصادية طاحنة، ويعطي الأولوية لتقديم قروض طويلة الأجل للدول الغارقة في الديون والمشاكل الهيكلية، لا لتمويل التدخل في أسواق صرف العملات الأجنبية، فقوانينه لا تسمح بالإقراض إلا بعد ضمان قدرة الطرف المقترض على تسديد القروض، وفي حالة استغلال مساعداته في تدخل غير مجد في الأسواق المالية، فلن يتسنى له استرجاعها على الأرجح.

التحرر من الدولار

ويبدو أن السبيل الواقعي الوحيد أمام الدول لدعم عملتها في مقابل الدولار هو رفع أسعار الفائدة على الودائع، مما يساعد على تدفقه إلى أسواق أصولها وأدوات ديونها، لكن هذه الخطوة ليست سهلة في ظل الظروف الراهنة، حيث يضعف رفع أسعار الفائدة النمو الاقتصادي، لكن العديد من البنوك المركزية في البلدان النامية رفعت أسعار الفائدة في خطوة استباقية لقرار مماثل من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، آملة أن يرخي ذلك لقرار من قبضة الأزمة، لكن لسوء الحظ لم يتحقق هذا الهدف وذهب تأثير القرار سدى.

ويكمن الحل على المدى الطويل في تنويع البنوك المركزية لاحتياطياتها من النقد الأجنبي، وأن تتحول معاملات الدول من الدولار إلى عملات منطقة اليورو والصين والاقتصادات الناشئة، مما يقلل من ارتهانها لقرارات بنك مركزي واحد (الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي)، حيث فات أوان فك الارتباط الكامل للعملات بالدولار بعد نشوء هذا الوضع منذ ما يزيد عن نصف قرن.