الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

"حوارة" كشفت عنصرية الكيان الإسرائيلي .. قصة تصريحات وزير نتينياهو التي أثارت موجة الغضب

فلسطين
فلسطين

"يجب محو قرية حوارة الفلسطينية .. أعتقد أن هذا ما يجب على دولة إسرائيل أن تفعله" .. رغم أنه لم تكشف جديدا، إلا أن تلك الكلمات التي خرجت من وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، أعاد إزاحة القناع عن وجوه الحكومة الإسرائيلية، وكشفت حقيقة العنصرية التي قامت عليها تلك الدولة، على حساب الشعب العربي الفلسطيني، وقد أثارت تلك التصريحات ردود فعل قوية أجبرت الوزير التراجع عنها.

وحوارة، بلدة فلسطينية في الضفة الغربية وتتبع لمحافظة نابلس، تقع على بعد 9 كم جنوبي مدينة نابلس على الطريق نابلس – القدس، بمساحة عمرانية قدرها 990 دونما، وتعني كلمة حوارة باللغة السريانية؛ البياض، أي الندية أو البقعة البيضاء، وذلك نسبة لتراب موقع البلدة، الذي يعرف بالعامية بكلمة (حُوَّر)، يبلغ عدد سكان حوارة حاليا حوالي 6,659 نسمة جميعهم من المسلمين، وذلك حسب التعداد العام للسكان 2017 الذي أجراه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

 

البداية كانت مع عملية فدائية .. في أخطر المناطق أمنيا

 

في المنطقة الأكثر حساسية والأخطر أمنيا جنوب مدينة نابلس، وتزامنا مع قمة العقبة، وبعد 5 أيام من ارتكاب جيش الاحتلال الإسرائيلي "مجزرة نابلس"، نُفذت ظهر بداية الأسبوع الماضي، عملية حوارة"، والتي أسفرت عن مقتل مستوطنين اثنين يقطنان مستوطنة "هارا براخا" قرب حوارة، في حين لا يزال المنفذ حرا طليقا، وقد فاجأت تلك العملية الكل بمكانها وآليتها وتوقيتها وسرعة تنفيذها.

 

ففي وسط شارع حوارة وقعت العملية، في مكان يوصف بأنه مربع أمني لجيش الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، فهو يبدأ بحاجز حوارة العسكري وينتهي بنظيره حاجز زعترة، وتعلو طرفيه مستوطنات وبؤر استيطانية، كـ"يتسهار" و"هار براخا" الأكثر تطرفا وعنفا، فضلا عن "معسكر حوارة" الذي يتخذ منه جيش الاحتلال مقرا له ومركزا مؤقتا لتوقيف الأسرى الفلسطينيين والتحقيق معهم.

 

وبصورة أكثر تفصيلا، يمتد شارع حوارة بين حاجزين (حوارة وزعترة) بطول 3 كيلومترات ويعد مركزا تجاريا مهما وحيويا لأهالي المنطقة، حيث تنتشر بين جانبيه عشرات المحلات التجارية والصناعية والمطاعم وتصليح المركبات، ويشترك في استخدامه الفلسطينيون والمستوطنون كحال كثير من شوارع الضفة الغربية.

 

حوارة تصبح ثكنة عسكرية أهلها هدفا للمتطرفين 

 

وفي الآونة الأخيرة حوّل جيش الاحتلال الإسرائيلي شارع حوارة لـ"ثكنة عسكرية"، ونصب على جانبيه عشرات الأبراج العسكرية والحواجز المتحركة والثابتة، في محاولة لوقف هجمات الفلسطينيين كما يدعي، بينما يسمح للمستوطنين المتطرفين بشن اعتداءاتهم ضد المواطنين، وحتى الجيش نفسه شكل داعما للمستوطنين ليس بحمايتهم فحسب، بل أيضا بقتله الفلسطينيين هناك.

 

وكان أخطر ما قام به عندما قتل أحد ضباط الجيش الشاب الفلسطيني عمار مفلح عديلي (22 عاما) من قرية أوصرين المجاورة في مطلع ديسمبر الماضي؛ وذلك بتصفيته بـ5 رصاصات أطلقها عليه من قرب بعدما أوقعه أرضا، عقب عملية الأسبوع الماضي خرج وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش، وهو أحد قادة حركة المستوطنين الإسرائيليين الأربعاء الماضي، وقال: "أعتقد أن قرية حوارة يجب محوها، أعتقد أن دولة إسرائيل بحاجة إلى القيام بذلك، وليس - لا سمح الله - مواطنين عاديين".

 

مصر السعودية .. إدانة شديدة 

 

وفور خروج تلك التصريحات العنصرية، أدانت جمهورية مصر العربية، بأشد العبارات، تصريحات وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، ووصفتها بـ"التحريضية"، بحسب ما جاء في بيان لوزارة الخارجية المصرية على صفحتها على فيسبوك، واعتبرت الخارجية المصرية أن تصريحات الوزير تمثل تحريضا خطيرا وغير مقبول على العنف، ورأت أن ذلك يتنافى مع كافة القوانين والأعراف والقيم الأخلاقية، ويفتقر للمسئولية التي يجب أن يتحلى بها أي مسئول يشغل منصباً رسمياً.

فيما أعربت وزارة الخارجية السعودية عن استنكار المملكة الشديد للتصريحات المتطرفة، وفق ما أوردت وكالة الأنباء السعودية (واس)، ‎وأكدت الوزارة رفض المملكة التام لهذه التصريحات العنصرية وغير المسؤولة والتي تعكس حجم العنف والتطرف الذي يمارسه الكيان الإسرائيلي المحتل تجاه الشعب الفلسطيني الشقيق، مشددة على مطالبتها المجتمع الدولي بالاضطلاع بمسؤولياته لردع هذه الممارسات المشينة، ووقف التصعيد، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين".

 

دعم في قلب المعركة .. 19 ممثل دبلوماسي في حوارة

 

وفي رسالة قوية، وشديدة اللهجة تجاه تلك التصريحات العنصرية، زار ممثلو 19 دولة، الجمعة الماضية، بلدة حوارة الفلسطينية في الضفة الغربية، ونددوا بأعمال العنف التي نفذها مئات المستوطنين الإسرائيليين، وأسفرت عن مقتل فلسطيني وإصابة مئات، إضافة إلى إحداث دمار واسع النطاق في الممتلكات والمنازل، ومن بين الدول شاركت في بيان مشترك من داخل القرية، ألمانيا وإيطاليا وفرنسا والدنمارك واليابان والمكسيك وهولندا والنرويج وإسبانيا والسويد وسويسرا وقبرص.

 

وقال ممثلو الدول في بيان مشترك نشرته القنصلية البريطانية في القدس على حسابها الرسمي على تويتر "نندد بأشد العبارات بأعمال العنف البغيضة التي نفذها المستوطنون. ندعو إسرائيل بصفتها قوة احتلال لاتخاذ كافة السبل لحماية الفلسطينيين من عنف المستوطنين وضمان تقديم الجناة للعدالة، فيما قالت القنصل العام البريطانية ديان كورنر، إنها استمعت مع ممثلي الدول الأخرى إلى روايات مروعة من السكان الفلسطينيين الذين دُمرت منازلهم وممتلكاتهم.

ردود فعل دولية غاضبة

 

وقد أثارت تلك التصريحات ردود فعل عربية ودولية غاضبة، وأدانت عدة دول ومنظمات تصريحات سموتريتش، بينها قطر والإمارات والأردن والاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، وكذلك نددت الخارجية الأميركية بشدةـ ودانت الخارجية الفرنسية في بيان التصريحات بوصفها "غير مقبولة وغير مسؤولة وغير جديرة بالاهتمام، صادرة عن عضو في الحكومة الإسرائيلية".

فيما ندد مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الجمعة بالتصريحات "غير المقبولة" للوزير الإسرائيلي، ووصف فولكر تورك الذي كان يتحدث في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، دعوة سموتريتش بأنها "إعلان لا يمكن تصوره للتحريض على الكراهية والعنف".

 

وفي بيان سداسي، أعرب وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا والمملكة المتحدة وإسبانيا في بيان مشترك عن قلقهم البالغ إزاء استمرار أعمال العنف وحِدَّتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ودان البيان السداسي عنف المستوطنين العشوائي ضد الفلسطينيين وتدمير ممتلكاتهم، كما استنكر الهجمات الأخيرة التي تسببت في مقتل إسرائيليين، لافتا إلى أنه لا يمكن تبرير ما وصفه بالإرهاب، وحث إسرائيل على التراجع عن قرار بناء 7 آلاف وحدة استيطانية في الضفة الغربية المحتلة.

 

نتنياهو حمامة سلامة خادعة للخروج من مأزق وزيره

وفي محاولة للتغطية على تلك التصريحات والدفاع عن وزيره، شكر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بعد محاولته الأخيرة للتراجع عن التصريح المثير للجدل، وهو أول تصريح علني لنتنياهو على تعليق من حليفه اليميني المتطرف، وقال نتنياهو في تغريدة من حسابه الشخصي: "من المهم لنا جميعًا أن نعمل على تخفيف حدة الخطاب لخفض التصعيد".

 

وتتابع التغريدة كما نُشرت بالعبرية: "يتضمن ذلك التحدث بقوة ضد التصريحات غير اللائقة وحتى تصحيح تصريحاتنا عندما نخطئ في الكلام، أو عندما يتم إخراج كلماتنا من سياقها، بما في ذلك الدبلوماسيون الأجانب"، وتأتي تصريحات نيتنياهو بعد ساعات من محاولة سموتريتش أن يتراجع عن تصريحه، وقال في تغريدة: "لم أقصد القضاء على قرية حوارة، ولكن فقط للتصرف بطريقة هادفة ضد الإرهابيين وأنصار الإرهاب بداخلها، وجعلهم يدفعون ثمنا باهظا من أجل إعادة الأمن لأهالي المنطقة".

 

ابن حاخام وقائد جماعة متطرفة ويسكن في مستوطنة 

 

وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، هو نائب من "البيت اليهودي"، وهو من حزب "تكوما" الشريك في البيت اليهودي، ولد في 1980، ويستوطن في مستوطنة "كدوميم"، وصل إلى الكنيست لأول مرّة في انتخابات 2015، وهو مدير "جمعية رغافيم" اليمينية المتطرفة العنصرية، التي تلاحق الفلسطينيين في مناطق 48 و67، وخاصة في مجال الاراضي والبناء، وتحث السلطات الحكومية، على استصدار أوامر هدم بيوت عربية، بحجة البناء غير المرخص، ويبرز نشاط هذه الحركة العنصرية في منطقتي النقب والمثلث.

 

وكان سموتريتش من قيادة حركة التمرد على خطة اخلاء مستوطنات قطاع غزة، وجرى اعتقاله خلال عملية الاخلاء في 2005، بعد العثور في بيته على 700 لتر من الوقود، بهدف القيام بأعمال تخريبية، وهو الآن وزير المالية ووزير الدفاع ورئيس الحزب الديني الصهيوني، وقد شغل منصب وزير المواصلات والسلامة على الطرق لمدة عام تقريبًا، وقد دخول الحياة السياسية ، عبر شغل منصب مدير أنشطة حركة ريجافيم ومدير يشيفا كدوميم.

 

ولد سموتريش، في مرتفعات الجولان، للحاخام حاييم يروحام سموتريتش، الحاخام السابق لموشاف بيت يتير وحاخام مدرسة نير كريات أربع الدينية، وليوشوبيد بيت مانزون، وفي سن ال 28 التحق بالجيش الإسرائيلي وخدم لمدة سنة وأربعة أشهر، وذلك كمساعد رئيس مسرح المركز في قسم العمليات بهيئة الأركان العامة