قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

مقاصدُ الصِّيام في القُرآن الكريم


ليس من مخلوق في الوجود إلا له مهمَّة دقيقة أوكَلَ الله تعالى إليه أمر القيام بها؛ ليكون عنصرًا فعّالًا ونافعًا في الكون. وقد جعل الله تعالى وظيفة الإنسان - الذي هو رأس المخلوقات في هذا الكون - عبادةَ ربه، وخدمةَ مولاه، فقال سبحانه: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56].
وعلى قدر إخلاص الإنسان في أداء مهمته من عبادة خالقه والانضباط بشريعته والقيام بأوامره، تكون قيمته ومقدار نفعه في الوجود؛ ومن هنا جعل الله تعالى العبادات أصنافًا وألوانًا شملت سائر مناشط حياة الإنسان، من قول وعمل، كما جعل لكل عبادة مقاصد وأهدافاً تتميز بها عن غيرها وتفضُلها وترتفع عليها في المنزلة والأجر.
ومقاصد العبادة هي الفوائد التي تعود على الإنسان نتيجة قيامه بتلك العبادة، وهو ما ينبغي أن يلتفت إليه المسلم عند التلبس بأي لون من ألوان الطاعة؛ فإن المتعبِّد إذا فقَدَ إحساسه بمقاصد العبادات بقي عُرضة للسآمة والملل والتلكُّؤ والانقطاع، بل ربما تعرض للحيرة والاضطراب، فضلًا عن إتيانه بالأعمال على غير وجهها مجردة من الإتقان والإحسان.
وعلى العكس من ذلك؛ فإن معرفة مقاصد العبادات تحرِّك في الإنسان النشاط إليها، وتدعوه إلى الصبر والمواظبة عليها، وتبعث فيه العزم على إتقانها والإحسان فيها.
والناظر في عبادة الصيام يجدها بلغت بين العبادات رتبة لا تلحقها فيها عبادة أخرى؛ وإلى ذلك أشار النبي (صلى الله عليه وسلم) فيما رواه الإمام البخاري من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «قال الله: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به»، وفي مسند الإمام أحمد أن أبا أمامة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة. قال: «عليك بالصوم؛ فإنه لا عِدْلَ له، أو قال: لا مِثْلَ له».
ولم يبلغ الصيام هذه الرتبة العالية والمنزلة الرفيعة إلا لما جعله المولى تعالى فيه من المقاصد والفوائد التي يحققها العبد عند التزامه بأحكامه، وقد أشار الكتاب العزيز إلى تلك المقاصد والفوائد في موضع وحيد فريد من القرآن الكريم، تناول فيه فريضة الصيام بالبيان، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 183- 185].
المقصد الأول: تحصيل التقوى
وإليه الإشارة بقوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، والتقوى الشرعية هي اتقاء المعاصي، وقد جُعِلَ الصيام وسيلة إليها؛ لأنه يُعدِّل القوى الطبيعية التي هي داعية تلك المعاصي، ليرتقي المسلم به عن حضيض الانغماس في المادة إلى آفاق العالم الروحي، فهو وسيلة للارتياض بالصفات الملَكية والانتفاض من غبار الكدورات الحيوانية.
بل إن الصيام يرتقي بالفرد إلى ما هو أبعد من اتقاء الحرام؛ فيدرِّبُه على التحكم في زمام النفس بترك شيء من الحلال المباح، ولذا كان رأسَ الأعمال الداعية إلى تحصيل التقوى وترسيخها في النفس، وإلى ذلك يشير حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي أخرجه الترمذي وغيره: «لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرًا لما به البأس».
هذا إن حملنا التقوى المذكورة في الآية على المعنى الشرعي، أما إن حملناها على المعنى العام الذي هو مطلق الوقاية؛ فكل ضُرٍّ ثبت أن الصوم يدفعه فهو مراد الآية، وقد أصبحت فوائد الصيام الصحية معلومة بالتجربة والدراسة لدى المسلمين وغير المسلمين.
المقصد الثاني: تيسير رياضة النفس
فإن المولى سبحانه وتعالى جعل قوله: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ بمثابة التعليل لما سبق من قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾.. إلخ؛ إيماء إلى أن مشروعية الصيام وإن كانت تلوح في صورة المشقة والعسر، فإن في طيِّها من المصالح ما يدل على أن الله تعالى أراد بها اليسر، أي: تسهيل رياضة النفس بطريقة سليمة من إرهاق أصحاب بعض الأديان الأخرى أنفسهم.
المقصد الثالث: التنبيه على إتمام العمل
فإن الله تعالى نثر في العبادات من ألوان البركات الإلهية والمواهب الربانية ما لا يمكن تحصيله إلا بأداء العبادة بتمامها، لما يجهله العبد من حقيقة محل تلك البركات منها، أهو في أولها أم أوسطها أم آخرها.
وينسحب الأمر كذلك على كل عمل خير دنيوي كان أو أخروي، فيلتقي قوله تعالى: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ﴾، مع ما رواه مسلم عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «اعلموا أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قَلّ»، ومع قوله لعبد الله بن عمرو "رضي الله عنهما" فيما رواه البخاري: «لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل».
إذ الدوام على العمل، والسعي في إتمامه على الوجه المرضيِّ من علامات التوفيق والقبول.
وفي معجم الطبراني الأوسط عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: «إن الله فرض عليكم صوم رمضان ولم يفرض عليكم قيامه، وإنما قيامه شيء أحدثتموه؛ فدوموا عليه، فإن ناسًا من بني إسرائيل ابتدعوا بدعة فعابهم الله بتركها، وقال: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ [الحديد: 27]».
المقصد الرابع: تعظيم شعائر الدين
وشعائر الدين هي كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعَرَ به وأعلَم، فشعائر الله: أعلام دينه، لا سيما ما يتعلق بالعبادات، وقد نبه المولى سبحانه على تعظيم شعيرة الصيام بقوله: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾، فلا ينبغي خلطها بما لا يناسبها من أدناس المعاصي وأرجاس الذنوب، أو خرق حرمة الشهر باقتراف منهي عنه، ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]، وإلى ذلك أشار الرسول الأكرم (صلى الله عليه وسلم) بقوله فيما رواه البخاري: «وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله؛ فليقل: إني امرؤ صائم».
المقصد الخامس: تحصيل الشكر
إذ التوفيق للطاعات من أجلِّ النِّعَم وأعظمها، فإذا وَفَّقَ الله الإنسان للتلبس بطاعة، ولشهود عبادة، فإن ذلك يتطلَّب أداء الشكر على تلك النعمة. والشكر لا يكون إلا بالتعامل مع النعمة بما يناسبها، فلا يتهاون في أداء حق العبادة، ولا يتغافل عن مراد الله تعالى فيها.
تلك جملة من مقاصد الصيام التي أراد المولى سبحانه أن يتحقق بها الصائم، ينبغي عليه أن يلاحظها بعين العناية، ويعمل على تحصيلها في نفسه، ليخرج من هذا الشهر الكريم بعطاء موفور، وعمل مبرور، والله تعالى الموفق.