الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الرزق على قد البُكا.. «الندابة» حكاية مهنة النحيب على الموتى

الندابة
الندابة

تجلس برفقة أسرتها، تتسامر وتضحك وتجلس في تودد معهم، يقطع جلستهم خبر يأتيها بوفاة أحدهم، لتنهض من مقعدها وتتجهز لطلعتها، تغير ثيابها وتربط رأسها بقطعة قماش، تخرج من منزلها وتعطف على بعض النسوة لتأخذهن معها، تنطلق في الجنازة المجهولة، تستعلم عن اسم وعمر المتوفى، لتبدأ في عملها. 

تتشح بالسواد من أعلاها لأسفلها، عباءتها السوداء المهترئة هي مصدر رزقها، صوتها ونبرته العالية هي رأسمالها التي تفتح لها مصدرًا للعيش، حركاتها العشوائية ودموعها ونحيبها يميزانها عن أي شخص آخر، لا داعي للبحث عنها فحتما سيدلك أهل القرية على مكانها، وعلى مدار سنوات، ظلت النداهة إمبراطورة النواح في المجتمع المصري. 

" ياسبعي.. يارجلي"، صوت عالٍ يكسر صداه الأرجاء، فيصخب الحضور من الضجيج الذي علا فجأة مع قدوم أحد الذي سينضم إليهم، أصوات النحيب يصاحبها أصوات ارتطام وصفع على الوجه، صراخ وندب من جماعة النسوة الذين يسيرون خلف قائدتهم، فيقلدون حركاتها ويسيرون على خطاها، تضرب وجهها بيديها حتى يورد من الاحمرار الذي ضربهن من شدة الصفع. 

مهنة الندابة التي اشتهرت في مصر لمدة طويلة، ومع تطور العصور اندثرت واختفت، إلا أنها ظلت في بعض القرى والنجوع في المحافظات، يسرن في صفوف الجنازة فتشعر أنهن من أقارب المتوفى من شدة حزنهن على فراقه، وعلى قدر درجة المتوفى الاجتماعية على قدر عدد اللفات والجولات في شارع القرية وكلما كان المعلوم أي الأجر المدفوع سخيا كلما كان الصراخ والعويل عاليا ومتعددا. 

برعت الندابات وتميزن حسب اندماجهن وشدة حزنهم، تفوقن من خلال مفردات قاموس الندب الذى كانت تبدعه هؤلاء الندابات وأخريات يُهِلن التراب علي رؤوسهن، والبعض يضربن وجوههن بالكفوف بشكل مغيب، والقدرة على ابتكار بعض الجمل وحفظها وأداء بعض الحركات فالندابة في تلك الأزمنة كانت بديلًا بشريًّا للميكرفونات والسيارات التي تجوب الشوارع للإعلان عن وفاة المرحوم فلان أو المرحومة علانة وكانت الندابات معروفات في القرية بالاسم.

كانت الندابة في تلك الأزمنة بديلًا بشريًّا للميكرفونات والسيارات التي تجوب الشوارع للإعلان عن وفاة المرحوم فلان أو المرحومة علانة وكانت الندابات معروفات في القرية بالاسم، وبفرقتها، وتفوقن على بعضهم البعض بالقدرة علي ابتكار بعض الجمل وحفظها وأداء بعض الحركات.