الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

غدر الحلفاء.. كيف حولت المخابرات الأمريكية الدنمارك إلى قاعدة تجسس على قادة أوروبا؟

المخابرات الأمريكية
المخابرات الأمريكية تجسست على قادة أوروبا عبر الدنمارك

كشف تحقيق استقصائي أجراه فريق مشترك من وسائل إعلام أوروبية عن عملية تنصت واسعة النطاق لوكالة الأمن القومي الأمريكية عبر كابلات الإنترنت الدنماركية تحت الماء في الفترة الممتدة ما بين 2012 و2014، استهدفت كبار المسؤولين في عدد من البلدان الأوروبية من بينها ألمانيا وفرنسا والسويد والنرويج.

وبحسب إذاعة "دويتشه فيله" الألمانية، أوضح التقرير أن الأمريكيين تمكنوا من اختراق حركة المرور عبر الانترنت والوصول بالتالي إلى الرسائل النصية والمكالمات الهاتفية والمحادثات، بما في ذلك تلك المتعلقة بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير خارجيتها آنذاك فرانك فالتر شتاينماير وكذلك القيادي في الحزب الديموقراطي الاشتراكي ووزير المالية آنذاك بير شتاينبروك الذي كان مرشح حزبه لمنصب المستشارية أيضا.

لكن ليس من الواضح بعد ما إذا كانت كوبنهاجن كانت تعلم في حينه بتجسس واشنطن على جيرانها، والتي تجد نفسها في حرج كبير اتجاه شركائها الأوروبيين. وبهذا الصدد استشهدت صحيفة "زود دويتشه تسايتوند" الألمانية بعنوان لصحيفة "بوليتيكن" الدنماركية تساءلت فيه: "هل لا يزال يمكن الوثوق بدولة الدنمارك؟". واستطردت الصحيفة الألمانية أن الصدمة كانت كبيرة في الدنمارك. فضيحة أحيت جدلا تصاعد في صيف عام 2020 حول عمليات مشبوهة وغير قانونية نُسبت لجهاز الاستخبارات الدنماركي.

ووصفت "بوليتيكن" الأمر بأنه "أكثر من مجرد إحراج" للدولة الدنماركية، وذهب برلمانيون نرويجيون لحد وصف الفضيحة بـ "خيانة عميقة للثقة". ويذكر أن الدنمارك، عضو في الاتحاد الأوروبي، وتعتبر من أقرب الحلفاء الأوروبيين لواشنطن، شاركت في حرب العراق وهي الدولة الإسكندنافية الوحيدة المنضوية تحت لواء حلف الأطلسي.

وطالبت عدد من الدول الأوروبية من بينها ألمانيا كلا من الولايات المتحدة والدنمارك بالكشف عن جميع ملابسات فضيحة التجسس المفترضة. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صرح بعد اجتماع وزاري فرنسي ألماني أنه "إذا كانت المعلومة صحيحة (...) فهذا غير مقبول بين الحلفاء، وغير مقبول أيضا بين حلفاء وشركاء أوروبيين". 
واستطرد أنه "متمسك برابط الثقة الذي يوحد الأوروبيين والأمريكيين (..) لا مكان بيننا للشكوك. لهذا السبب فإن ما ننتظره هو الوضوح الكامل. لقد طلبنا أن يقدم شركاؤنا الدنماركيون والأمريكيون كل المعلومات حول هذه التسريبات وهذه الوقائع الماضية، ونحن ننتظر هذه الأجوبة".

وذهبت المستشارة الألمانية في نفس الاتجاه وقالت "لا يمكنني إلا أن أؤيد تصريحات إيمانويل ماكرون. لقد شعرت بالاطمئنان لكون الحكومة الدنماركية، قد أعلنت بوضوح شديد موقفها من هذه الأمور (...) إنه أساس جيد ليس لتوضيح الوقائع فحسب بل أيضا لإرساء علاقات من الثقة".

وقد تشبه هذه الفضيحة فضائح تجسس سابقة بين الحلفاء، بافتراض أن العمل الاستخباراتي عمل يتم في الظل ولا يخضع لمنطق العواطف. غير أن صحيفة "نويه أوسنابروكر تسايتونج" دعت إلى استخلاص الدروس هذه المرة حتى لا يتحول الغضب الأوروبي إلى مجرد زوبعة في فنجان وكتبت أنه حتى الدنمارك "الجار اللطيف (..) لم يعد بإمكان الناس أن تثق ببعضها البعض داخل الاتحاد الأوروبي. لقد حان الوقت لاتفاق أو التزام بعدم التجسس تتعهد فيه أجهزة الاستخبارات بالامتناع عن التنصت على السياسيين من الدول الحليفة (..) لكن لا ينبغي أن يكون المرء ضحية الأوهام، أجهزة الاستخبارات ليست منظمات خيرية، فمهمتها تأمين الدول والدفاع عن مصالحها. وخلف كل عملية تجسس تقف حسابات سياسية واقتصادية صعبة ".

وأكد موقع "تاجسشاو" التابع للقناة الألمانية الأولى أن الحكومة الدنماركية كانت على علم بالتجسس على الدول الأوروبية الجارة منذ عام 2015 على أبعد تقدير، عندما تم انجاز ما سمي بتقرير "دونهامر" السري، كرد على ما كشف عنه العميل الأمريكي السابق إدوارد سنودن. إذ قام خبراء الاستخبارات وتكنولوجيا المعلومات الدنماركيون بتحديد مدى تعاون جهاز المخابرات الدنماركي مع وكالة الأمن القومي الأمريكية. وكما كشف سنودن فإن تجسس واشنطن على المسؤولين الأوروبيين ليس أمرا جديدا.

واستطرد الموقع الألماني موضحا أن "المخابرات الخارجية الدنماركية ساعدت الأمريكيين حتى في مراقبة الحكومة الدنماركية نفسها. وهذا محظور بموجب القانون الدنماركي، وعندما انكشف الأمر عام 2020، أدى ذلك إلى موجة سخط عارم (..) وهكذا اضطر عدد من قياديي الجهاز الدنماركي إلى الاستقالة، بما في ذلك الرئيس السابق للجهاز توماس أرينكيل، الذي كان متوقعا حينها أن يصبح سفيراً في ألمانيا. في ذلك الوقت لم يكن معروفا بعد أن ميركل وشتاينمير وشتاينبروك كانوا أهدافا للتجسس من قبل الدنمارك".