الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لطائف سورة لقمان.. مقاصدها وهل يجوز الدعاء بها للزواج

لطائف سورة لقمان
لطائف سورة لقمان

لطائف سورة لقمان .. يغفل كثير من الناس عن لطائف سورة لقمان، ومقاصدها العظيمة، وعن الأسماء التي عُرفت بها، وهل يجوز الدعاء بها لتيسير الزواج.

ومن خلال التقرير التالي نوضح لطائف سورة لقمان وفضلها وحكم الدعاء بها لتيسر الزواج.

سورة لقمان

لطائف سورة لقمان

سورة لقمان هي سورة مكية فيما عدا الآيات من 27 وحتى 29 من السورة فمدنية، وعدد آياتها 34، ويقع ترتيبها في المصحف 31، في الجزء الحادي والعشرين، وقد نزلت بعد سورة الصافات، بدأت بحروف مقطعة، ولقمان اسم لأحد الصالحين اتصف بالحكمة.

وقد كان لقمان رجلًا حكيما، ذُكر في القرآن وأطلق اسمه على سورة لقمان، وقد عاصر داود وعرف بالحكيم، ولد وعاش في بلاد النوبة ، ووصايا لقمان هي إحدى القصص القرآنية التي تتكلم عن حكمة لقمان، وتتمثل في الحكمة التي وهبها الله للقمان الحكيم، وتعدّ لدى المسلمين من أروع الحكم والمواعظ، إذ كانت حكمته تأتي في مواضعها، وحسب كتب التفسير أن لقمان كان أهون مملوك على سيده، ولكن الله تعالى منّ عليه بالحكمة فغدا أفضلهم لديه.

جاء في أسباب نزول آياتها عن ابن عباس قال: نزلت الآية السادسة منها في النضر بن الحارث، كان يشتري القينات - المغنيات - وكان لا يظفر بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته، فيقول لها: أطعميه واسقيه وغنيه، ويقول: هذا خير مما يدعوك إليه محمد، وكان يشتري كتب الأعاجم فيرويها ويحدث بها قريشاً ويقول: حديثي خير من حديث محمد، وكان يستهزئ بالقرآن وبمن آمن به.

كما نزلت (14): نزلت هاتان الآيتان في سعد بن أبي وقاص - أخرجه الطبراني وابن جرير. والآية (34): عن مجاهد وعكرمة قالا: جاء رجل من أهل البادية فقال: أخبرني يا محمد متى تقوم الساعة؟ وإن بلادنا مجدبة فأخبرني متى ينزل الغيث؟ وإن امرأتي حبلى فأخبرني ماذا تلد؟ وقد علمت ما كسبت اليوم فأخبرني ماذا أكسب غدا؟ وقد علمت بأي أرض ولدت، فأخبرني بأي أرض أموت؟ فنزلت الآية - رواه ابن أبي حاتم وابن جرير، ولم يثبت أن لسورة لقمان علاقة بالزواج من قريب أو بعيد على تيسر أموره، إلا أن في آيات القرآن الكريم من الأمور التي ترتبط بالتربية والتأهيل خاصة ما جاء في شأن وصايا لقمان لابنه.

لطائف سورة لقمان

ولقمان الحكيم هو: لقمان بن عنقاء بن سدون، وهو عبد من عباد الله الصالحين، ولقد أثنى عليه الله تعالى، فقد قال سبحانه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ۚ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}.
وقد أعطى الله -تعالى- لقمان الحكمة، والحكمة فيها الخير الكثير، فقد قال سبحانه: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} ويُقال أنّ لقمان كان قاضيًا في زمن نبي الله داود عليه السلام، ولقد سمّى الله -تعالى- سورة من سور القرآن الكريم باسمه، وهي سورة لقمان.

ويوضح الشيخ محمد متولي الشعراوي في خواطره حول قوله سبحانه﴿هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ (٣)﴾ [ لقمان ] أما في صدر سورة البقرة فيقول ﴿هدى للمتقين (٢)﴾ [ البقرة ] وفرق بين المعنيين، فالتقوى تقتضي الإيمان، ومطلوب الإيمان الافتراض يعني :أن تؤدي ما فرضه الله عليك.
وقال: أما مطلوب الإحسان ففوق ذلك، فالإحسان في الأداء أن تحسن في كمه، وأن تحسن في كيفه :تحسن في كيفه بأن تستصحب مع العمل الإخلاص للمعمول له، وهو الحق سبحانه، وتحسن في كمه بأن تعشق التكليف حتى تؤدي فوق ما فرض عليك، فبدل أن تصلي ركعتين تصلي ثلاثا أو أربعا، هذا إحسان في الكم.
وبين أن التقوى من عجائب التأويل القرآني، فالقرآن يقول ( اتقوا الله ) ويقول ( اتقوا النار )، والمعنى عند التحقيق واحد ؛ لأن اتق النار يعني :اجعل بينك وبينها وقاية وحاجزا يمنعك منها، كذلك اتق الله، لا أن تجعل بينك وبين ربك حاجزا، لأن المؤمن دائما يكون في معية الله.
وإنما اجعل بينك وبين صفات الجلال ومتعلقاتها من الله وقاية، اتق صفات المنتقم الجبار القهار.. الخ ؛ لأنك لست مطيقا لهذه الصفات، ولا شك أن النار جندي من جند الله، ومتعلق من متعلقات صفات الجلال إذن :فالمعنى واحد.
والبعض يأخذون بالظاهر فيقولون : كيف نتقي الله، والتقوى أن تبعد شيئا ضارا عنك ؟ نقول : نعم أنت تبعد عنك الكفر، وهذا هو عين التقوى، والمتقون هم الذين يحبون أن يتقوا الله بألا يكونوا كافرين به، وما دام الإنسان اتقى الكفر فهو محسن ومؤمن، فالقرآن مرة يأتي باللازم، ومرة بالملزوم، ليؤدي كل منهما معنى جديدا.
وأشار إلى أنه لذلك لما سئل سيدنا رسول الله عن الإحسان في حديث جبريل قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك "، فحين نوازن بين صدر سورة البقرة، وبين هذه الآية ﴿ هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ (٣) ﴾ [ لقمان ] نرى أن القرآن لا يقوم على التكرار، إنما هي لقطات إعجازية كل منها يؤدي معنى، وإن ظن البعض في النظرة السطحية أنه تكرار، لكن هو في حقيقة الأمر عطاء جديد لو تأملته.
وشدد على أنه هنا وصف الكتاب بأنه حكيم، وأنه هدى ورحمة: والهدى هو الدلالة على الخير بأقصر طريق، وقد نزل القرآن لهداية قوم قد ضلوا، فلما هداهم إلى الصواب وأراهم النور أراد أن يحفظ لهم هذه الهداية، وألا يخرجوا عنها فقال ﴿ وَرَحْمَةً(٣)﴾ [ لقمان ] يعني: من رحمة الله بهم ألا يعودوا إلى الضلال مرة أخرى.
 

فضل الدعاء

وصايا لقمان لابنه 

اشتملت سورة لقمان على وصايا لقمان الحكيم لابنه حيث ذكر الله -تعالى- في سورة لقمان وصايا لقمان الحكيم لابنه، فقد قال سبحانه: { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}.

فهذه الوصايا كانت عن التحذير من الشرك بالله، وعن بر الوالدين، وخصوصا الأم التي تحملت مشاق الولادة والرضاعة، وعن قدرة الله -تعالى- ومراقبته، وعن إقامة الصلاة، وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعن عدم التكبر والتعالي على الناس، وعن التوسط والاعتدال في الأمور كلها، وعن عدم رفع الصوت؛ لأنّ ذلك يدل على عدم الثقة بالنفس، وعلى محاولة إقناع الآخرين بعلوّ الصوت بدلًا من الإقناع والحجة.

آيات الحكمة في سورة لقمان 

"الحكمة" أمر ظاهر في سورة لقمان حيث دلت عليها عدد من المواضع منها ما يلي:
1- قوله تعالى :" الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2)".
2- قوله جل وعلا:"خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)".
3- كذلك قوله تعالى :"وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)".
4- “وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)”، وهذه الآيات جاءت لتصف الحكمة مرة للقرآن الكريم، ومرتان وصف لله عز وجل، لتؤكد أن الحكمة إمصدرها الله، صفة منه، وهي صفة لكتابه، وهو سبحانه يمنحها لمن شاء .
كما اشتملت الآيات الكريمات من سورة لقمان على الإحسان، حيث قوله تعالى: “هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3)”، قوله جل شأنه :"وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ(22)"، كما أن الآية الأخيرة في السورة تشير أيضا إلى أمر يرتبط بالحكمة، حيث قوله جل وعلا:"وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)"، فالله وصف نفسه - وكتابه - بالحكمة ، ثم انتهت السورة بوصفه بالعلم والخبرة.

الحكمة من العبادة

مقاصد سورة لقمان 

يوجد كثير من المقاصد في سورة لقمان، ومن أهمّها ما يلي: 

1- إثبات الحِكمة للقرآن الكريم، والمقصود بها حِكمة الله تعالى ومنزلتُه في الأقوال والأفعال.

2- بدأت السورة بالإشارة إلى هَدْيِ القرآن، ليعرف الناس أنَّ القُرآن لا يحتوي إلا على ما فيه خيرٌ للناس، ولا يَلتفت القُرآن الكريم إلى أخبار الطُغاة والجَبابرة إلا ليُحَذّر من تَصرُّفاتهم ويوضِّح العواقب التي وصلوا إليها، وهنا كان تمهيد لقصة سيدنا لُقمان. 

3- اعتبار من يَهزأ بآيات الله تعالى سفيهًا، ونبذ ما يقوم به من أعمال تُلهي عن عبادة الله تعالى. 

4- إظهار قدرة الله تعالى في الكون. التنبيه بذكر لُقمان الذي أُوْتِيَ الحِكمة، وأَمَره الله بشكرها، وذكر وصايا لُقمان المختلفة التي كان فيها الكثير من الفائدة. 

5- تطرَّقت السورة إلى موضوع العقيدة وانحراف عقيدة المُشركين الذين تركوا التوحيد، وبينت للكفار الأدلة الواضحة على ذلك، وتَطرَّقت إلى الإيمان باليوم الآخر والحِسابٌ الدقيق على كل شيء. 

6- بيان صفات النفس البشريَّة وأنها ترجع إلى الله تعإلى إذا خافت وتعرضت للخطر، ثم إذا تلافى الخطر عنها تجد البعض يبقى ثابتًا على عهد مع الله ومنهم من يَكفُر بنعمةِ الله تعالى.

7- إظهار ضرورة الالتزام بالتقوى والإكثار من الأعمال الصالحة؛ لأنها هي التي تنفع الناس يوم القيامة ولا تنفعهم أعمال الآخرين حتى ولو كانوا أقرب الناس.

8- خُتِمت السورة بالتَحذير من اتِّباع الشيطان، وأن ما يَدَّعِيْهِ العَرَّافُوْنَ من عِلمٍ للغيب لا أساس له من الصِحَّة، وأنَّ عِلْمَ الغيب فقط بيد الله تعالى.