الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سنن ختمة القرآن| هل شرع التكبير من سورة الضحى إلى الناس؟

ختمة القرآن الكريم
ختمة القرآن الكريم

يتساءل البعض عن سنن ختمة القرآن الكريم، وهل شرع التكبير عند القراءة من سورة الضحى إلى سورة الناس؟ .. وهل يندب معها زيادة قول “لا إله إلا الله”؟ سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية من خلال موقعها الرسمي.

سنن ختمة القرآن الكريم

وقالت الإفتاء إن التكبير من سورة الضحى سنة متبعةٌ ثابتةٌ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة والتابعين فمَن بعدهم، وهي قراءة أهل مكة التي اشتهر بها ابن كثير رحمه الله تعالى، وذلك عند ختم القرآن الكريم، في الصلاة وخارجها، ووردت أيضًا عن بقية القُرّاء، مع إجماعهم على أن هذا التكبير ليس قرآنًا، وإنما هو ذكر مشروع بين سُوَرِ الختم لتعظيم الله- تعالى-.

قال شيخ القُرّاء في زمنه الإمام شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن الجزري في كتاب "النشر في القراءات العشر" (2/ 410-411، ط. المطبعة التجارية الكبرى): [اعلم أنَّ التكبير صح عند أهل مكة: قُرّائهم، وعلمائهم، وأئمتهم، ومن روى عنهم صِحّةً استفاضت واشتهرت وذاعت وانتشرت، حتى بلغت حد التواتر، وصحت أيضًا عن أبي عمرو من رواية السوسي، وعن أبي جعفر من رواية العمري، ووردت أيضًا عن سائر القُرّاء، وبه كان يأخذ ابن حبش وأبو الحسين الخبازي عن الجميع، وحكى ذلك الإمام أبو الفضل الرازي وأبو القاسم الهذلي والحافظ أبو العلاء.

ولفتت في بيانها سنن ختمة القرآن الكريم، إلى أنه قد صار على هذا العمل عند أهل الأمصار في سائر الأقطار عند ختمهم في المحافل واجتماعهم في المجالس لدى الأماثل، وكثير منهم يقوم به في صلاة رمضان ولا يتركه عند الختم على أي حال كان اهـ. وقال مَكِّيٌّ بن أبي طالب: وروي أن أهل مكة كانوا يكبرون في آخر كل ختمة من خاتمة وَالضُّحى لكل القُرّاء؛ لابن كثير وغيره، سنةً نقلوها عن شيوخهم. اهـ. وقال الأهوازي: والتكبير عند أهل مكة في آخر القرآن سنة مأثورة يستعملونه في قراءتهم في الدروس والصلاة. انتهى. وكان بعضهم يأخذ به في جميع سور القرآن اهـ.

قال الحافظ أبو عمرو الداني في كتابه "جامع البيان": كان ابن كثير من طريق القواس والبزي وغيرهما يكبر في الصلاة والعرض من آخر سورة ﴿والضحى﴾ مع فراغه من كل سورة إلى آخر: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾، فإذا كبر في ﴿الناس﴾ قرأ فاتحة الكتاب وخمس آيات من أول سورة البقرة على عدد الكوفيين إلى قوله: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، ثم دعا بدعاء الختمة، قال: وهذا يُسَمَّى الحَالَّ المُرْتَحِل، وله في فعله هذا دلائل مستفيضة جاءت من آثار مَرْوِيَّةٍ ورد التوقيفُ بها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأخبار مشهورة مستفيضة جاءت عن الصحابة والتابعين والخالفين.

كما قال أبو الطيب عبد المنعم بن غلبون: وهذه سنة مأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعن الصحابة والتابعين، وهي سنة بمكة لا يتركونها البتة، ولا يعتبرون رواية البزي وغيره.

وقال أبو الفتح فارس بن أحمد: لا نقول إنه لا بد لمن ختم أن يفعله، لكن من فعله فحسن، ومن لم يفعله فلا حرج عليه، وهو سنة مأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعن الصحابة والتابعين] اهـ.
وقال في أرجوزته الشهيرة "طَيِّبَةِ النَّشْر" (1/ 102، ط. دار الهدى):
وسُــنّةُ التكبير عند الختْــــمِ  ***  صحَّتْ عن المَكِّينَ أهلِ العلم
في كل حــالٍ ولدى الصـــلاةِ  ***  سُلْسِــلَ عن أئمـةٍ ثِقَـــــاتِ
من أول انشراحٍ أَوْ من الضحى  ***  مِن آخرٍ أو أولٍ قد صُحِّحــــا
للناس هكـذا وقبـــلُ إن تُـــــرِدْ  ***  هَلِّلْ، وبعضٌ بعـدَ لله حَمِـــدْ
ثم اقرأ الحمــــدَ وخمسَ البقره  ***   إن شئت حِـلًّا وارتحالًا ذَكَره

التكبير من أول سورة الضحى 

وذكر الحافظ جلال الدين السيوطي في "الإتقان في علوم القرآن" (2/ 708-711، ط. مجمع الملك فهد): [يُستَحَبُّ التكبير من الضحى إلى آخر القرآن، وهي قراءة المكيين. أخرج البيهقي في "الشعب" وابن خزيمة من طريق ابن أبي بزة: سمعت عكرمة بن سليمان قال: قرأت على إسماعيل بن عبد الله المكي، فلما بلغت الضحى قال: كبر حتى تختم، فإني قرأت على عبد الله بن كثير فأمرني بذلك، وقال: قرأت على محمد فأمرني بذلك. وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس رضي الله عنهما فأمره بذلك. وأخبر ابن عباس أنه قرأ على أبيّ بن كعب رضي الله عنه فأمره بذلك، كذا أخرجناه موقوفًا. ثم أخرجه البيهقي من وجه آخر عن ابن أبي بزة مرفوعًا. وأخرجه من هذا الوجه -أعني المرفوع- الحاكمُ في "مستدركه" وصححه، وله طرق كثيرة عن البزي.

وعن موسى بن هارون قال: قال لي البزي: قال لي محمد بن إدريس الشافعي: إن تركت التكبير فقدت سنة من سنن نبيك. قال الحافظ عماد الدين بن كثير: وهذا يقتضي تصحيحه للحديث.

وروى أبو العلاء الهمذاني عن البزي أن الأصل في ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انقطع عنه الوحي فقال المشركون: قلا محمدًا ربُّه، فنزلت سورة الضحى، فكبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قال ابن كثير: ولم يرد ذلك بإسناد يحكم عليه بصحة ولا ضعف. وقال الحليمي: نكتة التكبير التشبيه للقراءة بصوم رمضان إذا أكمل عدته يكبر، فكذا هنا يكبر إذا أكمل عدة السورة] اهـ.

وبينت الإفتاء أنه المعتمد عند الشافعية والحنابلة وغيرهم من الفقهاء: ففي "الفتاوى الحديثية الكبرى" للعلّامة ابن حجر الهيتمي شيخ الشافعية في زمنه (ص: 224-225، ط. مصطفى الحلبي): [وسئل نفع الله بعلومه وأمدنا بمدده: هل ورد حديث صحيح في مشروعية التكبير في أواخر قصار المفصل؟ فإن قلتم: نعم؛ فهل هو خاص في حق غير المصلي؟ فإن قلتم: نعم؛ فهل نقل ندبه في حق المصلي عن أحد من الأئمة؟ فإن قلتم بسنيته؛ فما ابتداؤه وانتهاؤه، وهل يندب معه زيادة (لا إله إلا الله) كما هو المعمول؟

فأجاب نفع الله به وأعاد علينا وعلى المسلمين من بركاته بقوله: حديث التكبير ورد من طرق كثيرة عن أحمد بن محمد بن أبي بزة البزي قال: سمعت عكرمة بن سليمان يقول: قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين فلما بلغت: ﴿وَالضُّحَى﴾ قال لي: كبر عند خاتمة كل سورة حتى تختم، وأخبره أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك، وأخبره مجاهد أن ابن عباس رضي الله عنهما أمره بذلك، وأخبره ابن عباس بأن أبي بن كعب رضي الله عنه أمره بذلك، وأخبر أبي بن كعب بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمره بذلك، وقد أخرجه الحاكم أبو عبد الله في "صحيحه المستدرك" عن البزي، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجه البخاري ولا مسلم، انتهي.

واستطردت: قد يعارضه تضعيف أبي حاتم والعقيلي للبزي. ويجاب بأن هذا التضعيف غير مقبول، فقد رواه عن البزي الأئمة الثقات، وكفاه فخرًا وتوثيقًا قول إمامنا الشافعي رضي الله عنه: إن تركت التكبير تركت سنة، وفي رواية: يا أبا الحسن والله لئن تركت التكبير فقد تركت سنة من سنن نبيك، وقال الحافظ العماد ابن كثير: وهذا من الشافعي يقتضي تصحيحه لهذا الحديث. ومما يقتضي صحته أيضًا أن أحمد بن حنبل رواه عن أبي بكر الأعين عن البزي. وكان أحمد يجتنب المنكرات فلو كان منكرًا ما رواه.

وقد صح عند أهل مكة فقهائهم وعلمائهم ومن روى عنهم، وصحته استفاضت وانتشرت حتى بلغت حد التواتر، وصحت أيضًا عن أبي عمرو من رواية السوسي، ووردت أيضًا عن سائر القراء، وصار عليه العمل عند أهل الأمصار في سائر الأعصار.

كما اختلفوا في ابتدائه؛ فقيل: من أول سورة الضحى، والجمهور على أنه من أول سورة ألم نشرح، وفي انتهائه؛ فجمهور المغاربة والمشارقة وغيرهم على أنه إلى آخر الناس، وجمهور المشارقة على أنه أولها ولا يكبر آخرها، والوجهان مبنيان على أنه هل هو لأول السورة أو لآخرها؟ وفي ذلك خلاف طويل بين القراء، والراجح منه الظاهر من النصوص أنه من آخر الضحى إلى آخر الناس.

وشددت: لا فرق في ندب التكبير بين المصلي وغيره، فقد نقل أبو الحسن السخاوي بسنده عن أبي يزيد القشري قال: صلَّيت بالناس خلف المقام بالمسجد الحرام في التراويح في شهر رمضان، فلما كانت ليلة الجمعة كبرت من خاتمة الضحى إلى آخر القرآن في الصلاة، فلما سلمت التفت فإذا بأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه فقال: أحسنت أصبت السنة.

وشددت على ذلك: فالتكبير من بداية سورة الضحى عند ختم القرآن جماعة سنة متبعة صحيحة نص عليها أهل القراءة المعتبرون فيها، والقراءة سُنّةٌ مُتَّبَعَةٌ يتلقاها الخلف عن السلف، ولا عبرة بقولِ مَن أنكرها؛ فإنما يُؤخَذُ كلُّ فنٍّ وعلمٍ من أهله المشتغلين به لا من غيرهم.