أكملت الحرب الروسية الأوكرانية عامها الأول في 24 فبراير الماضي، وخلال هذا العام بدأ الأمر أبعد من حرب ثنائية، وأقرب إلى إعادة ترتيب أوراق النفوذ، حيث تبدل الموقف الدولي وظهر لاعبون جدد وأصحاب نفوذ قوي على الساحة الدولية من بينهم الصين، التي قدمت نفسها لاعبًا دوليًا رئيسيا في عدد من الملفات الملتهبة عبر باب الوساطة، ولتغير من هيمنة القطب الواحد المتمثلة في الولايات المتحدة.

مقترحات الصين للسلام
وكشفت الصين في 24 فبراير الماضي، وبمناسبة مرور عام على الحرب- عن مقترح لتسوية الأزمة بين روسيا وأوكرانيا "سلميا"، حيث تضمنت مقترحات الصين للسلام 12 بندًا، مشددة على ضرورة استئناف "الحوار المباشر" بين روسيا وأوكرانيا في "أسرع وقت ممكن".
ونصت بنود المقترح الصيني على ضرورة احترام سيادة كافة الدول، وتطبيق القانون الدولي بشكل موحد، والتخلي عن المعايير المزدوجة.
تشهد العلاقات بين روسيا والصين تناميًا متصاعدًا، وحذرت دول غربية عدة من الدور الذي قد تلعبه الصين في مسار الحرب الروسية في أوكرانية.
وأوضح وزير الخارجية الصيني وانج يي عقب لقاء سابق بالرئيس الروسي، أن العلاقات بين روسيا والصين "ليست موجهة ضد دول ثالثة، لكنها لا تخضع لضغوط من دول ثالثة".
وانتقد المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية بيتر ستانو الصين بشأن مقترحاتها لحل الصراع في أوكرانيا، معللاً ذلك بأن بكين ليست وسيطا محايدا.

تدخل صيني على الخط
وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، الاثنين 13 مارس، عن احتمال تدخل الرئيس الصيني شي جين بينج في الأزمة القائمة بين روسيا وأوكرانيا.
وقالت الصحيفة، إن الرئيس الصيني "يخطط للتحدث مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لأول مرة منذ بداية الحرب" بين موسكو وكييف.
وأضافت أن "شي" سيتحدث على الأرجح مع زيلينسكي "بعد زيارته لموسكو الأسبوع المقبل، للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".
وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى إمكانية عقد الاجتماعات بين بوتين وزيلينسكي "افتراضيا"، وفق للمصادر.
وتعتبر أي مساعٍ صينية في هذا الشأن "انعكاسا لجهود بكين للعب دور أكثر فاعلية في التوسط لإنهاء الحرب في أوكرانيا"، وفي أعقاب تقديم بكين مقترحا لتسوية الأزمة "سلميا".
وتأتي هذه التقارير أيضا في أعقاب توسط الصين في الاتفاق السعودي - الإيراني، الذي نتج عنه استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد سنوات من القطيعة.

الحرب وصانع السلام
ستمثل المحادثات المباشرة مع زيلينسكي، إذا حدثت، خطوة كبيرة ضمن جهود بكين للاضطلاع بدور صانع السلام في أوكرانيا، وهو دورٌ قوبل بالشك حتى الآن في أوروبا. كذلك سوف تعزز أوراق اعتماد بكين بوصفها قوة عالمية وسيطة، وذلك بعد اضطلاعها بدور في سير التقدم الدبلوماسي المفاجئ بين السعودية وإيران.
كذلك ستكون هذه الرحلة الخارجية أول زيارة للزعيم الصيني بعد فوزه بولاية ثالثة في منصبه لأول مرة في تاريخ في الصين. وتأتي في إطار محاولات شي جين بينج، البالغ من العمر 69 عاماً، لترسيخ مكانته بوصفه رجل دولة عالمياً، ومن أجل الانخراط في مزيد من التنافس المتصاعد مع الولايات المتحدة وحلفائها.
في المقابل، لم ترد وزارة الخارجية الصينية فور إرسال طلب إليها للتعليق.
لكن من جهة أخرى، قال بعض الأشخاص إن جزءاً من هذه اللقاءات المخططة للرئيس الصيني يستهدف استغلال الزخم الناتج عن الاتفاق السعودي – الإيراني لاستئناف العلاقات بعد قطيعة دامت لسبع سنوات.
بشرت هذه الاتفاقية بصعود بارز في نفوذ الصين في الشرق الأوسط، الذي هيمنت عليه الولايات المتحدة في الماضي بوصفها وسيط القوة الرئيسي.

انتقاد الاتحاد الأوروبي
فيما انتقد المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية، والأمنية بيتر ستانو الصين، بشأن مقترحاتها لحل الصراع في أوكرانيا، معللاً ذلك بأن بكين ليست وسيطا محايدا.
وقال بيتر ستانو، اليوم الإثنين، في مؤتمر صحفي عقده في بروكسل، ردا على سؤال أحد الصحفيين حول سبب عدم منح الاتحاد الأوروبي لخطة بكين للسلام فرصة: "لقد أظهرت الصين أنها تنحاز إلى جانب (أحد طرفي الصراع)، لأنها ترفض تحديد من هو المعتدي ومن هو الضحية".
ووصفت الصين في وثيقة التسوية المحادثات بأنها: "السبيل الوحيد لحل الأزمة في أوكرانيا"، داعية جميع الأطراف إلى دعم موسكو وكييف في "التحرك تجاه بعضهما بعضا"، والاستئناف المبكر للحوار المباشر، مؤكدة أن المجتمع الدولي يجب أن يهيئ الظروف ويوفر منصة لاستئناف المفاوضات.
من جانبه قال أستاذ العلوم السياسية، الدكتور أحمد يوسف أحمد، إنّ الصين وروسيا تريدان إثبات أن هناك إرادة تتحدى الإرادة الأمريكية وقادرة على فرض مصالحها، وقبل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بأيام.
وأضاف يوسف أنه من الممكن أن يشهد المستقبل بعض الخلافات بين البلدين، كما حدث في نهايات الخمسينيات وبداية الستينيات، ولكن في هذه المرحلة، فإن الصين وروسيا في نفس الخندق".
واختتم أن الصين تريد أن تكسب غطاءً واضحا لدورها العالمي، وهذا الغطاء هو الغطاء الدبلوماسي، وأن ترسخ نفسها كقطب في العالم، وأنها لا تلعب دورا اقتصاديا أو عسكريا فقط، بل دبلوماسي أيضا.